يعتبر "جاد الله عز الدين" واحداً من رجالات الذاكرة التاريخية والوطنية في جبل العرب، فهو أول مدير لمصالح الزراعة في "السويداء، والحسكة، وبوقا باللاذقية" وعُيّن نائباً لمرتين، ومؤسس لجمعيات خيرية واجتماعية وثقافية.

مدونة وطن eSyria وبتاريخ 30/5/2013 التقت الأستاذ "وليد عز الدين" المجاز باللغة العربية من جامعة الأزهر ابن المجاهد "جاد الله عز الدين" فتحدث عنه بالقول: «احتضنت قرية "رضيمة اللوا" والدي منذ ولادته عام 1916، فهو سليل أسرة فلاحية تعمل في الزراعة ومناضلة، ذلك لأن جدي "سعيد" كان أحد الثوار ضد العثمانيين والفرنسيين، وأمضى والدي طفولته في القرية وتعلم بها حتى إذا ما بدأ الانتداب الفرنسي يأخذ دوره ويبسط سيطرته على الأراضي قامت الثورة السورية الكبرى وكان جدي سعيد واحداً من المقاتلين فانتقل بوالدي وهو ابن الثامنة من العمر عام 1927 إلى "وادي السرحان" وفيها تلقى بعض الدروس في "النبك" على يد الكتبة، وبعد عودته التحق بالمدارس الرسمية بالسويداء ونال الابتدائية والإعدادية، وتابع دراسته في الجامعة الأمريكية قسم الفلسفة إذ كانت المرحلة الثانوية تقسم إلى قسمين فلسفة وعلمي، ثم عاد إلى السويداء وعمل في التدريس وتزوج من امرأة كانت أولى نساء الجبل اللواتي نلن الابتدائية وعلّمت في سن الخامسة عشرة، وهي تجيد اللغتين العربية والفرنسية، وقد وقفت إلى جانب والدي في أحلك الظروف من حياته، ثم أوفد بعد ذلك إلى مصر بفضل مساعي الأمير "عادل ارسلان"، ونال بكالوريوس في العلوم الزراعية عام 1950، ولتفوقه في الدارسة قدم له الملك "فاروق" صورته مع مبلغ من المال تبرع به والدي لمعهد "شبلي كوم الزراعي العالي" في "عين شمس" الذي درس به في مصر، ومازالت كتبه ودفاتره الزراعية التي درس بها في مصر محفوظة لديه إلى اليوم، وقبل تخرجه انتخب نائباً عن محافظة السويداء "مدينة شهبا" في البرلمان السوري منذ عام 1949 حتى عام 1951، وبعد الانقلاب على "هاشم الأتاسي" عين مديراً للزراعة في السويداء».

نشأ المرحوم في كنف أسرة وطنية باعها طويل في الجهاد الوطني وفي الحقل الاجتماعي وكان أخاً لخمسة إخوة عملوا جميعاً في الحقل الاجتماعي على سبيل المثال "جادو عز الدين" وهو الضابط المنتدب من الجيش العربي السوري إلى "فلسطين" مع جيش الإنقاذ بقيادة "فوزي القاوقجي"، ثم قائداً لجبهة "الجولان"، ومن الضباط الذين ساهموا في تحقيق الوحدة ووزيراً للشؤون الاجتماعية في حكومة الوحدة. تربى "جاد الله عز الدين" في ظل والدهم المرحوم "سعيد عز الدين الحلبي" الذي عرف بمقاومته الاستعمارين العثماني والفرنسي بصحبة الأشاوس "سلطان الأطرش، علي عبيد، حسين مرشد رضوان، محمد عز الدين الحلبي" وغيرهم

وتابع قائلاً: «عمل والدي على فصل مناطق الرعي عن المناطق الزراعية في المحافظة للحفاظ على الثروة النباتية والحيوانية، وأعاد توزيع أراضي قرى الجبل بمعرفة أهلها ليتسنى لهم العمل بها بسهولة، ويمكن القول إنه أول من أدخل زراعة الزيتون في القرن الماضي على أراضي الجبل، حيث قام بشراء غراس الزيتون من المحافظات السورية ووزعها على قرى الجبل وخص الفقراء ممن لا يملكون ثمناً لها، ونتيجة لخبرته العلمية أجرى دراسات على طبيعة الأراضي الملائمة لزراعة التفاح، وقام بتوزيع أملاك الدولة في ظهر الجبل إلى أبناء السويداء، وأثناء عمله كان أول المؤسسين للمشاتل الزراعية وعمل على توسيعها وتنويع غراسها وتوزيعها كان ذلك بين عامي 1950- 1953 في السويداء، وفي عام 1954 ولغاية 1955 نقل إلى محافظة "الحسكة" وعين مديراً للمصالح الزراعية وعرف عنه أنه كان نصيراً لصغار المزارعين ومحافظاً على أملاك الدولة، ولم يقبل للإقطاع أن يأخذ دوره، ثم نقل في 1955 ولغاية 1958 مديراً لمدرسة "بوقا" الزراعية في "اللاذقية" لم يكتف أن يعمل مديراً لمدرسة علمية بل حولها إلى مركز إنتاج زراعي يستفيد من ريعه أبناء المنطقة ناشراً أهم المحاصيل والخضار والفاكهة التي تتمتع بها أرض المنطقة، كما لعب دوراً اجتماعياً إذ كان على صلة وثيقة في معظم وجهاء المدينة وكثيراً ما استقبل في المدرسة كبار الشخصيات الرسمية الذين كانوا يزورون المحافظة، ثم عاد في عام 1957 رئيساً للمصالح الزراعية بالسويداء».

الأستاذ وليد عز الدين

ثم أضاف: «أثناء قيام الجمهورية العربية المتحدة عين نائباً في مجلس الأمة عن الأقليم الشمالي لناحية "شهبا" وتميز بمواقفه بنقل ما كان يعاني منه الشعب من جفاف وتأثيراته على العائد المعيشي للفلاح، وقد حدثني والدي أنه كان عضواً في اللجنة الزراعية المنبثقة عن مجلس الأمة التي شكلت لإعداد الخطة الخمسية ولما أراد الرئيس "جمال عبد الناصر" الاطلاع عليها سأل عن المقترحات فأجابه والدي أننا في محافظة الحسكة وباقي المحافظات السورية نعاني من جفاف وقحط وسوف نُسأل حين نعود ماذا قدمتم لنا لنأكل وماذا فعلتم لنشرب وكيف نرعى ثروتنا الحيوانية؟ فما كان من "عبد الناصر" إلا أن تريث وخرج وعاد بعد وقت قصير واجتمع بهم ثانياً ووجه الكلام لوالدي قائلاً له: "اسمع يا أستاذ غداً إذا عدت إلى سورية فأخبرهم أنه لن يجوع فرد وفي صوامع مصر حبة حنطة، ولن يعطش إنسان وفي مياه النيل قطرة ماء"، وحين عاد وجد الإعانات توزع على كافة أرجاء المحافظات السورية"، وبهذه الثقافة عاش والدي ورحل حاملاً معه قيم المجتمع وعاداته».

ومن أصدقائه المقربين الأستاذ "حمد عمرو" المؤسس معه لكثير من القضايا الاجتماعية قال: «نشأ المرحوم في كنف أسرة وطنية باعها طويل في الجهاد الوطني وفي الحقل الاجتماعي وكان أخاً لخمسة إخوة عملوا جميعاً في الحقل الاجتماعي على سبيل المثال "جادو عز الدين" وهو الضابط المنتدب من الجيش العربي السوري إلى "فلسطين" مع جيش الإنقاذ بقيادة "فوزي القاوقجي"، ثم قائداً لجبهة "الجولان"، ومن الضباط الذين ساهموا في تحقيق الوحدة ووزيراً للشؤون الاجتماعية في حكومة الوحدة. تربى "جاد الله عز الدين" في ظل والدهم المرحوم "سعيد عز الدين الحلبي" الذي عرف بمقاومته الاستعمارين العثماني والفرنسي بصحبة الأشاوس "سلطان الأطرش، علي عبيد، حسين مرشد رضوان، محمد عز الدين الحلبي" وغيرهم».

جاد الله عز الدين في مدرسة بوقا

وعن حياته العلمية تابع "حمد عمر" بالقول: «انضم إلى مجموعة المعلمين الأول الذين لهم الفضل الأكبر في تعليم الأجيال حب الوطن والتربية الخلقية والاجتماعية، وكان المثال الصالح بمعارفه ومبادئه، وواجه كل المصاعب برجاحة العقل وحسن تدبير وشهد له أقرانه بذلك، أحب تلاميذه وقادهم إلى الفضيلة وحب الأرض والدفاع عنها محققاً مقولة الشاعر "كاد المعلم أن يكون رسولاً"، بعد ذلك ذهب إلى مصر لإكمال تعليمه في جامعة عين شمس وعاد يحمل إجازة شهادة الهندسة الزراعية، وعين في اللاذقية مديراً للمدرسة الوحيدة في القطر آنذاك ثم نقل إلى السويداء وعين مديراً للمصالح الزراعية وحصل على ثروة لا مثيل لها وهي ثقة كل من تعامل معه من خلال إخلاصه في العمل».

وحول دوره في النضال الوطني والاجتماعي والسياسي أكد الاستاذ "حمد عمرو" بالقول: «لقد تابع المرحوم سلوك الأهل الوطني وعمل في المجالين السري والعلني ضد الاستعمار الفرنسي مع المناضلين أمثال "سعيد أبو الحسن، فواز كرباج، جدعان أبو عسلي، حسن رسلان، هاني أبو صالح"، وكان مسؤولاً عن أمن اجتماع الثوار في بيت الدكتور "توفيق عز الدين الحلبي" ليلة 29 أيار 1945، حصل على عضوية البرلمان السوري لدورة واحدة بالانتخاب ثم عضوية مجلس الأمة في الجمهورية المتحدة حتى حصل الانفصال المشؤوم فتابع النضال الوحدوي مع الأحرار معلناً الحرب على الحدود بين البلدان العربية مطالباً بإزالة التفرقة التي صنعها الاستعمار، وشارك في كل المناسبات الوطنية وخاصة في تشجيع المنتديات العلمية والفكرية والأدبية وخاصة الشعر الشعبي الذي كان يخصه واعتبره مترجماً صادقاً للتاريخ، وقد شارك في تأسيس جمعية الأدب الشعبي وأصدقاء التراث عندما كان عمره آنذاك يناهز الرابعة بعد التسعين».

الأستاذ حمد عمرو

يذكر أن للمجاهد خمسة شباب أربعة منهم مهندسون وآخر مجاز لغة عربية من الأزهر، وأربع بنات جعيهن متزوجات، وله أكثر من خمسين حفيداً.