في زمن كان المؤرخون قلة في جبل العرب كتب "يوسف الدبيسي" تاريخاً سجله بمنهج المؤرخ الرصين ليكون وثيقة صادقة لعصر شكل الحالة الاجتماعية والإنسانية لجبل العرب.

مدونة وطنeSyria بتاريخ 15/4/2013 زارت "يوسف الدبيسي" واستمعت للمؤرخ الذي تجاوز التسعين عاماً للاطلاع على خبرة ثمنتها الجمعية التاريخية في "السويداء" بتكريمه خلال العام الفائت للتعريف بما قدمه على المستوى الثقافي والتاريخي، حسب حديث الأستاذ "نصار واكد" أمين سر الجمعية التاريخية في "السويداء" وقال: «مهمة المؤرخ لا تقف عند حدود الرصد والنقل والتسجيل للأحداث، بل جمعها ونقدها وتحليلها وتعليلها وفهم ترابطها وعرض المعلومات التاريخية بموضوعية، خاصة ما يتعلق بالتاريخ الشفوي الذي يتطلب مهارة متميزة بأسلوب الحوار، والاستخدام الأمثل للتقنيات الحديثة في حفظ الرواية الشفوية، وتحويلها إلى نصوص مكتوبة لتصبح وثائق تزود المؤرخين بمصادر جديدة. وعندما نتحدث عن قامة مثل الأستاذ "يوسف الدبيسي" فإننا لا ننسى بصماته المضيئة في هذا المجال وهو من أوائل المكرمين الأحياء على مستوى الجمعية التاريخية في "السويداء" حديثة العهد، تبعاً لنتاجه الكبير الذي كرس حياته لأجله، وجل اهتمامه انصب على تحويل الأخبار الشفوية بعد التحقق منها إلى وثائق تاريخية دون أن يغفل تحليلها وتعليلها لتصبح مرجعاً لكل من يريد التوسع والتعمق ولطالب العلم، خاض معركة الثقافة منذ أكثر من نصف قرن وقد أوتي من الصبر في أداء رسالته التاريخية مربياً ومدرساً لمادة التاريخ في مدارس محافظة "السويداء"، ثم مؤرخاً لأحداث تاريخية ومساهماً في صياغة أحداث الثورة السورية الكبرى عام 1925 في عمل كان له صدى واسع في سورية والوطن العربي وعدد من الأعمال التي تنم عن رؤية تاريخية متطورة تستحق الشكر».

عايشنا الوالد في سعيه الدؤوب وطموحه الكبير لدراسة قضايا تاريخية وتسجيل وتوثيق نتاج عمله، وبقي لسنوات متقدمة من العمر باحثاً بشغف كبير يهتم بالمعلومة ويحرص على توخي الصدق والموضوعية، وكانت لديه رؤية بتناول مواضيع هامة على مستوى المنطقة وسورية، فإلى جانب المذكرات والسيرة الذاتية وغيرها من الأعمال وخلال إحدى زياراته إلى "لبنان" خطط لمشروع دراسة تاريخ الحرب الأهلية في لبنان منطلقاً من العام 1800 وقد أنجز عملية البحث، وجمع الوثائق لكن ضعف نظره لم يمكنه من صياغتها وإصدارها للعيان وبقيت مجموعة دون صياغة

عن منهجه العلمي وطريقة التوثيق المتطورة التي مثلها المؤرخ "يوسف الدبيسي" يضيف الأستاذ "نصار واكد" بالقول: «بدأ بكتابة مذكرات "سلطان باشا الأطرش" في 12 تموز 1968 بسلسلة من اللقاءات معه وبمشاركة الأستاذ المرحوم "صلاح مزهر" الذي يعود له اقتراح اسم الأستاذ "يوسف" لهذه المهمة، حيث كان يتم اللقاء والاستماع لما تختزنه ذاكرة هذا القائد من معلومات ثم العودة لصياغتها بلسانه وقراءتها عليه للموافقة وإجراء ما يراه من تعديل وصولاً للحقيقة التاريخية، بالإضافة لذلك كان الأستاذ "يوسف" يقوم بمراجعة الكتب التاريخية والمذكرات الشخصية خاصة ما كتبه الفرنسيون والبريطانيون والعرب السوريون في الموضوعات التي تناولت الأحداث، وأيضاً الرجوع إلى من بقي حياً من المجاهدين في الجبل وغيره من مناطق سورية لتدوين ما يتذكرونه من معلومات عن الأحداث التي شهدوا وقائعها بأنفسهم.

الأستاذ يوسف الدبيسي والأستاذ يوسف الدبيسي

أنجز العمل في عام 1974 بتوقيع صاحب كل صفحة من صفحاته بالقلم الأحمر على صفحته، وهذا نوع من المنهجية التي تستحق الاهتمام، وتضاف لطريقته في جمع الأحداث وتوثيقها وتم نشر جزء من المذكرات في مجلة "بيروت المساء" في ستة وعشرين عدداً ولم يكتمل نشرها لأسباب لا مجال لذكرها.

وبالنسبة لأعمال المؤرخ التي حملت عنوان "أهل التوحيد" نتلمس اهتمامه وحرصه على تصحيح عدد كبير من الأفكار السائدة التي تطول "أهل التوحيد" وهو العنوان الذي اندرجت تحته خمسة أجزاء تعتبر باكورة المؤلفات التي كان لها صدى روحياً دينياً لكونها حملت فكراً متنوراً وتأريخاً دقيق التفاصيل حسب مطالعة كُتاب وقراء هذه الأعمال، ومجموعة من الأعمال التي شغلت حيزاً هاماً من حياة هذا المؤرخ الذي لم يؤخره عن الكتابة إلا شح النظر وبقيت ذاكرته محملة بحكايات التاريخ وقصصه النادرة».

الأستاذ يوسف الدبيسي مع زوجته

وخلال زيارة للأستاذ "يوسف الدبيسي" في منزله قرب ساحة "الفرسان" في مدينة "السويداء" استمعنا لحديث قصير من المؤرخ وحرصنا ألا يطول حرصاً على صحته، واكتفينا بالاستفسار عن بعض الأفكار عن تجربته الغنية، فقال: «بعد دراسة دار المعلمين توجهت للتدريس وكان لي علاقة قوية بالتاريخ الذي حفظته وشغلني لسنوات طويلة، فقد عرفت أن لكاتب التاريخ صفات أساسية تلتقي فيها الدقة والموضوعية وسنحت لي الفرصة بكتابة وصياغة مذكرات "سلطان باشا الأطرش" مع الأستاذ "صلاح مزهر" واقترحت طريقة العمل التي وافق عليها، وعملنا لمدة ستة أعوام ليخرج العمل للناس وقد كان كان خطوتي الأولى في مجال التأريخ، وقد حرصت على تقديمه هدية لكل الجهات العلمية والمهتمة من خلال عدة زيارات لجامعة "دمشق" وللمراكز الثقافية وعدد من الجامعات خارج القطر وكان هدفي تعميم الفائدة، لكن وبعد رحلتي إلى مصر وعملي هناك أيام الوحدة ولحسن إتقاني للغة الفرنسية حاولت الاطلاع على أهم المؤلفات باللغتين العربية والفرنسية، عملت مع "حسن لطفي المنفلوطي" حفيد "المنفلوطي" الذي طلب مني ترجمة الكتب الواردة من أوروبا والشرق، ما كان فرصة جديدة للاطلاع والمعرفة، وكنت في ذات الوقت قد سجلت لنيل شهادة الماجستير في الدراسات الفاطمية لكن ظروف الانفصال حالت دون ذلك، فعملت على إصدار خمسة أجزاء بعنوان "أهل التوحيد"، وفي ذالك الزمن كنت أواصل العمل ببستاني في منطقة "ظهر الجبل" في "السويداء" وجمعت مذكراتي تحت عنوان "السيرة الذاتية"، واعتبرها خاتمة وتتويجاً لحياتي العملية الفكرية والروحية، ولم أتمكن من كتابتها للأسف بسبب ضعف نظري وعدم تمكني من الكتابة والقراءة فأمليتها على ابن أختي "سلمان البدعيش" الباحث في التراث الذي أتم كتابتها وساهم في مراجعتها ونشرها».

عن عمل كثيف اهتم به الأستاذ "يوسف" عايشه الأبناء وتابعته الأسرة حدثنا المهندس "زياد الدبيسي" ابن الأستاذ "يوسف" بالقول: «عايشنا الوالد في سعيه الدؤوب وطموحه الكبير لدراسة قضايا تاريخية وتسجيل وتوثيق نتاج عمله، وبقي لسنوات متقدمة من العمر باحثاً بشغف كبير يهتم بالمعلومة ويحرص على توخي الصدق والموضوعية، وكانت لديه رؤية بتناول مواضيع هامة على مستوى المنطقة وسورية، فإلى جانب المذكرات والسيرة الذاتية وغيرها من الأعمال وخلال إحدى زياراته إلى "لبنان" خطط لمشروع دراسة تاريخ الحرب الأهلية في لبنان منطلقاً من العام 1800 وقد أنجز عملية البحث، وجمع الوثائق لكن ضعف نظره لم يمكنه من صياغتها وإصدارها للعيان وبقيت مجموعة دون صياغة».

مع ابنه المهندس زياد الدبيسي

الجدير بالذكر أن الأستاذ "يوسف الدبيسي" من مواليد قرية "الكفر" 1918، نال الاجازة في الآداب قسم التاريخ جامعة دمشق وحصل على أهلية التعليم الثانوي من المعهد العالي للمعلمين في "دمشق" 1951، تقدم للدراسات العليا في مصر وكان الانفصال وراء عودته وانقطاعه عن الدراسة. من أعماله مذكرات "سلطان باشا الأطرش" و"أهل التوحيد وخصائص مذهبهم الدينية والاجتماعية" خمسة أجزاء والسيرة الذاتية إلى جانب دراسة جامعية حملت عنوان "ابن نابليون بونابرت".