حكاية البطولة لا يحدها مكان ولا ترتبط بزمان، وتبقى تتناقلها الأجيال لتدوينها في صفحات التاريخ، وحكاية المجاهد "محمود أبو يحيى" هي واحدة من هذه الحكايا.

الشاعر "ناصيف أبو حسون" عضو مجلس إدارة جمعية الأدب الشعبي وأصدقاء التراث ومن أهالي قرية "شقا" قال لمدونة وطن eSyria بتاريخ 15/4/2013: «مذ وجدت في قرية "شقا" قبل حوالي سبعة عقود من الزمن وأنا استمع من الأهل عن بطولات وكرم المجاهد "محمود أبو يحيى" وكيف كانت الروح القومية تشتعل في فؤاده حتى تجاوز نضاله وطنه سورية ليكون أحد المناضلين في "العراق"، و"فلسطين".

في المعركة جرى سباق للفرسان ومن بينهم كان "محمود أبو يحيى" والأمير "عادل ارسلان" إذ قال يومها "محمود" للأمير: "هنا سنرى من منا هو الأشجع والأكثر قدرة على الصمود"، وبعضهم يقول إنه قال: "من منا الأمير"، وكان يوماً مشهوراً في معارك الثورة السورية الكبرى، الأمر الذي جعل الشعراء يتغنون ببطولات الثوار في تلك المعركة

لقد اشتهر هذا البطل بكرمه الشديد حتى قيل إنه باع القسم الأكبر من أرضه من أجل تقديم الضيافة وهو المعروف بأنه من مالكي الأراضي في "شقا" تحت شعار "لا شيء يغلو على الضيف"، وقد كتب عن مشاركته بمعارك الثورة السورية الكبرى ومعارك فلسطين المجاهد "فوزي القاوقجي، ومنير الريس، ود. محي الدين السفرجلاني" ولو أردت سرد حكايات البطولة لاحتاج الأمر إلى وقت طويل، لكن الذاكرة الشعبية والأجيال الصاعدة تعلم أن قريتنا "شقا" ضمّت ثلاثة وعشرين شهيداً في معارك الثورة السورية الكبرى من بينهم "محمود أبو يحيى"».

الشاعر ناصيف أبو حسون

حفيد المجاهد المعلم المتقاعد "حسن أبو يحيى" الباحث في التاريخ وتدوين الأحداث قال عن جده: «ولد المجاهد "محمود أبو يحيى" في قرية "شقا" وهو الابن الأصغر لوالده "يوسف" الذي قدم خمسة من المجاهدين استشهد ثلاثة منهم في معارك الثورة السورية الكبرى، وعندما قصفت الطائرات الفرنسية قريتنا استشهدت ابنته "نزهه". لقد تربى جدي على الثقافة النضالية وكانت بداية حياته البطولية في معارك الثورة العربية ضد الأتراك العثمانيين بعد اعتقال شقيقه الأكبر "سلامي" مع وجهاء الجبل بقيادة "ذوقان الأطرش"، والد "سلطان باشا الأطرش" الذي روى لنا أن "سلامي" استطاع تهريب المساجين من دمشق بنشر حديد النافذة بواسطة منشار احضرته والدته كان مخبأ في فطائر "اليقطين" وبمساعدة "آل المهايني" الدمشقية، والمفارقة أنه لم يخرج حتى أخرج جميع السجناء.

وقد تميز بأنه كان ثائراً راديكاليا حسب شهادات المؤرخين به أمثال "منير الريس، وفوزي القاوقجي، ومحي الدين السفرجلاني" إضافة إلى ما ذكره القائد العام للثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش" في مذكراته، حيث استجاب لنداء الثورة مع بدايتها ابتداءً من معركتي "الكفر، والمزرعة" وصولاً إلى قريته "شقا" متجاوزاً محليته ليخوض معارك اللجاة، وقرب "دمشق وريفها" خاصة "قلعة دوما" حيث صعد على أكتاف الشهيد "يوسف أبو يحيى" ليقفز داخل أسوار القلعة ويشعل النيران فيها، ما اضطر الفرنسيين إلى فتح أبواب القلعة ودخول الثوار واستيلائهم عليها، كذلك سميت مجموعة مقاتلة باسمه».

المنزل المهدم من الأتراك والفرنسيين

وأضاف الأستاذ "حسن أبو يحيى" ما ذكره الباحث "ظافر القاسمي" في كتابه "وثائق لم تنشر عن الثورة السورية" بالقول: «كان "محمود" واحداً من الخمسة المحكوم عليهم بالإعدام في قرار المجلس العرفي الفرنسي بمنطقة "عاليه" ذلك لأنه كان من الذين اطلقوا على الجنرال "غورو" في "جسر بنات يعقوب" لاغتنام وثائق هامة كانت في جيب رئيس الاستخبارات التابع "لغورو"، ويشير الكاتب "القاسمي" أن "محمود" كان برفقة "سلطان باشا الأطرش" مع ابن عمه "متروك" في "وادي السرحان"، والأهم بعد عودته مارس الفرنسيون عليه شتى أساليب الضغط والإرهاب وأحياناً الترغيب حيث ساوموه على إعادة كافة أملاكه التي ضاعت في الثورة والتي قدرت بتسعة فدادين في قريته "شقا"، على أن يكون قائداً لاسكندرون وهي مرتبة عسكرية وبمن يريد تطوعه معه، إلا أنه رفض ذلك ما حدا بالفرنسيين إلى وضعه تحت الإقامة الجبرية في مدينة "شهبا"، لكنه لم يستكن وأجرى مراسلات بينه وبين ثوار دمشق الذين أبلغوه بتشكيل جيش الإنقاذ بقيادة المجاهد "فوزي القاوقجي" للدخول إلى فلسطين لمقاتلة الصهاينة فتسلل خفية إلى "دمشق"، حيث يذكر المؤرخ "د.عبد الوهاب كيالي" أنه وقبل إصدار العفو عام 1937 بعشرة أشهر عبر المجاهد "فوزي القاوقجي" حدود فلسطين في 28 آب 1936 ومعه خمسمئة مجاهد، ومجموعات ثورية مختلفة من ثوار الجبل قسم جاء من دمشق بصحبة الشيخ "محمد الأشمر" وقائدهم "محمود أبو يحيى"، الذي استشهد في معركة "بلعا" في 4/9/1936 مع ستة من المجاهدين من "السلمية" وبعض من "العراقيين"، وقد شيد أهالي قرية "بلعا" ضريحاً تتصدره لوحة رخامية كتب عليها "هنا يرقد بطل العرب الشهيد محمود أبو يحيى من بني معروف الشجعان"».

وحول بسالته أشار أحد المعمرين في قرية "شقا" الشيخ "أبو كمال نور الدين القضماني" عن معركة رشيدة قائلاً: «في المعركة جرى سباق للفرسان ومن بينهم كان "محمود أبو يحيى" والأمير "عادل ارسلان" إذ قال يومها "محمود" للأمير: "هنا سنرى من منا هو الأشجع والأكثر قدرة على الصمود"، وبعضهم يقول إنه قال: "من منا الأمير"، وكان يوماً مشهوراً في معارك الثورة السورية الكبرى، الأمر الذي جعل الشعراء يتغنون ببطولات الثوار في تلك المعركة».

الأستاذ حسن أبو يحيى