لا أعتقد أن أحداً في جبل العرب يسمع "الهجينية" التي يقول مطلعها: "هيه يللي راكبين على السلايل/ فوق ضمر يمَّ طربا ناحرينا، سلموا ع ربعوعنا وقولوا لهايل/ بالسويدا ثارنا حنا خذينا"، ولا يستذكر قرية "طربا" وشاعرها "جاد الله سلام" الملقب "بأبي سلام" الذي رافق الثوار في معارك الاستقلال واستطاع بفكره وسلوكه الاجتماعي أن يعرّف بقريته في جبل العرب، وهو الشاعر الذي وثق العديد من المعارك والأحداث بقصائده الشعبية، ليكون قاضياً عشائرياً بين القبائل العربية، ومجاهداً مناضلاً استحق التكريم بالمرسوم التشريعي رقم 48 عام 1972.

موقع eSwueda التقى ابن المجاهد "جاد الله سلام" الأستاذ "مجلي جاد الله سلام" في قريته "طربا" الذي تحدث عن نشأة والده وبعض ملامح شخصيته التاريخية قائلاً: «والدنا الشاعر "أبو سلام جاد الله سلام" المولود عام 1896 في قرية "طربا" التي تبعد عن السويداء حوالي 30 كم، عاش في قريته عندما كان الاستعمار العثماني جاثماً على أرضنا، ليعاصر فترة الاستقلال ويخوض تجربة النضال بالثورة السورية الكبرى مع قائدها "سلطان باشا الأطرش" وذلك بمشاركته في العديد من المعارك منها "المزرعة، وشبكة، والغوطة، ودوما، والمسيفرة"، بعد الثورة لم يحظ برضى الفرنسيين حكماً، وعين عنوة عنهم في مجلس الإدارة لمدة شهرين وعزل عام 1930، وفي العهد الوطني انتخب في مجلس الإدارة وبقي عضواً فيه حتى عام 1945، حيث التحق بالجبل وكان من الأعضاء الذين عملوا على إلغاء الاستقلال المالي والإداري فيه، وكان طوال مدة ما بعد الثورة ضد الانفصاليين عن سورية، ثم عين عضو مجلس الإدارة والمحافظة».

وهذا البطل الثائر "جاد الله سلام" أحد قادة الثوار غزا الفرنسيين إلى العادلية قرب "دمشق" يتغنى بأيام الحرب والشباب في الوطن وفي البوادي موطن هجرة الثوار، أفاضت قريحته الشعرية قصيدته التي عنونها "الدهر" التي قالها عام 1927على إثر قصف الطيران الفرنسي قريته "طربا" راثياً بها والده وآخرين قائلاً بمطلعها: الدهر دولاب على الناس دوّار/ واليوم دور رحاه داير علينا خمسة سنين نجرع الصبر ومرار/ مع ستٍ هدّن القصور الحصينا إبكِ على اللي يكرم الضيف لازار/ تفرح به الخطار والناحرينا وابكِ على أيامٍ بها السعد ثار/ يا ما بهم روس النوابي رقينا ويا ما مشينا بديرة الخوف بنهار/ ويا ما بعتمات الليالي سرينا

يقول الشاعر "أبو تمام": "السيف أصدق أنباءً من كتب/ في حده الحد بين الجد واللعب"، فإذا كانت شخصية مثل شاعرنا خاض معارك الثورة ودونت مشاركته في كثير من المراجع التاريخية وأهمها من عاصر تلك المرحلة ووثقها، وربما من كان الناطق السياسي باسم الثورة السورية الكبرى أشار في مؤلفاته مشاركته بالمعارك حيث بين أحد أقاربه الأستاذ "فوزي حسين سلام" قائلاً: «شارك العم المرحوم الشاعر "جاد الله سلام" في معركة المزرعة وقد وصف دوره في تلك المعركة المجاهد الدكتور "عبد الرحمن الشهبندر" في كتابه "الثورة السورية الكبرى أسرارها وعواملها ونتائجها" وهي في سياق مذكراته التي نشرت عام 1936 حيث قال: "حدث في المساء أن ثلة من المجاهدين من أهل المقرن الغربي في "نجران" و"عاهرة" وهي اسم القرية قديماً واليوم تسمى "عريقة" وغير ذلك من القرى ومعهم عدد كبير من أهل المقرن الشرقي بينهم من الأبطال "جاد الله بك سلام، ومحمد بك شرف" والجميع لا يبلغ عددهم المئتين التقوا بمؤخرة الجيش حيث الذخائر في الطنابر وعلى ظهور البغال تحرسها الفرقة العسكرية، وكان ذلك في المقرن الغربي ما بين قريتي "الدور وبصر الحرير"، فانقضوا عليهم انقضاض الصاعقة ومازالوا يعملون السيف في نقرهم والنار في ظهورهم حتى إذا خيَّم المساء كان العتاد جمعياً والبغال والخيل بقطرة المجاهدين إلى القرى ولم ينجُ من الفرقة العسكرية الفرنسية إلا من لاذ بالفرار إلى "ازرع" ليعلم القائد أن سيل بني معروف لم يبقِ ولم يذرِ، ونحن بدورنا لسنا معاصرين للمعركة ولكننا معاصرين للمرحوم الذي لم يحدثنا عن فعله بل عن فعل الثوار بشكل جماعي، ولهذا حاولنا توثيق ما قام به من نضال من أقوال الباحثين أصحاب المراجع العلمية الموثوقة في التاريخ المعاصر».

فوزي سلام

المراجع التاريخية والباحثين لهم صفة في توثيق الحدث والمواقف ضمن عمل أدبي تاريخي يأخذ صفة البحث، حيث أوضح الأستاذ المحامي "توفيق عبيد" عبر الهاتف أنه كتب في بحث له ضمن موسوعة "السويداء" دور مشاركة "جاد الله سلام" شعرياً وتغنيه بأحداث الثورة قائلاً: «وهذا البطل الثائر "جاد الله سلام" أحد قادة الثوار غزا الفرنسيين إلى العادلية قرب "دمشق" يتغنى بأيام الحرب والشباب في الوطن وفي البوادي موطن هجرة الثوار، أفاضت قريحته الشعرية قصيدته التي عنونها "الدهر" التي قالها عام 1927على إثر قصف الطيران الفرنسي قريته "طربا" راثياً بها والده وآخرين قائلاً بمطلعها:

الدهر دولاب على الناس دوّار/ واليوم دور رحاه داير علينا

صلاح الخطيب

خمسة سنين نجرع الصبر ومرار/ مع ستٍ هدّن القصور الحصينا

إبكِ على اللي يكرم الضيف لازار/ تفرح به الخطار والناحرينا

غلاف أحد اعماله الشعرية

وابكِ على أيامٍ بها السعد ثار/ يا ما بهم روس النوابي رقينا

ويا ما مشينا بديرة الخوف بنهار/ ويا ما بعتمات الليالي سرينا».

وفي تلازم الإبداع الشعري بالعمل القضائي، لابد وأن يأخذ الشعر أسلوباً في حل القضايا الاجتماعية ولو كان المحقوق من أقرب الناس إلى القاضي حيث أوضح الشاعر "ناصيف أبو حسون" عضو مجلس إدارة جمعية الأدب الشعبي وأصدقاء التراث بالقول: «عرف عن المرحوم الشاعر "جاد الله سلام" أنه كان قاضياً عشائرياً أباً عن جد، إذ يذكر مع والده "حسن سلام" في رأس قائمة القضاة العشائريين المعروفين في جبل العرب والذين يعون بالعوارف، فقد جاءه الشيخ "صياح الهتم" عام 1928 وهو أحد وجهاء عشيرة "المساعيد" عندما كان مخيماً في اراضي "طربا" فنزل بالقرب من أحد وجهاء البدو من عشيرة "رولا" واسمه "عضيب" فأخذ "صياح" قلادة مهره وهي من سلالة "العبيات"، ورفض إعادتها له، فقال "عضيب" : "نحتكم إلى قاضي عشاير"، وقال "صياح": "وهذا يكون "جاد الله سلام" ومن المعروف أن "صياح" له معزة خاصة عند "أبو سلام جاد الله سلام" فذهبا إليه وقال "عضيب": "مدخل حقي عليك" وبعد أن سمع منهما ما قالاه وبنفس الساعة قال هذه الأبيات:

عَنيك يللي مدّخل الحق ليَّ / ابشر بحقك واللوازيم يا عضيب

واللي خذا لك طوق بنت العبيا / بالحق والسيف لا بد ما يجيب

صيّاح، لا تشرب على الحق ميا / الحق قبلك نوخ الفُّطر النيب

وبعد أن سمعا الأبيات أعيد الحق لأصحابه»

لابد وأن لكل شاعر أو أديب كبير من يتأثر بأدبه ويتخذه نموذجاً له في هدفه الإبداعي، ربما محاولة لتجسيد منطقية أن قرية "طربا" تسمت باسم الشاعر"جاد الله سلام" ولهذا من بديهي وطبيعي أن نجد أصوات شعرية تحاول الاستمرار على منهجية الشعرية وإن كانت تلك الأصوات لم تعش التجربة ذاتها لكنها عاشت تجربة أخرى في فترة الهدوء والاستقرار ونهلت من حكايا ومدرسة تلك التجربة، خاصة وأن الصوت الشعري قد عاصر الشاعر، على حد قول الشاعر "صلاح الخطيب" من قرية "طربا": «لا شك أننا نحن أبناء قرية "طربا" تأثرنا في فكر وإبداع المجاهد الشاعر"جاد الله سلام" فهو واحد من الشعراء الحدث الذين صوروا الوقائع بمصداقية الزمان والمكان، والعاطفية الشاعرية، والأهم بإبداع فني في بناء القصيدة، باستخدام صور ومفردات محلية شارحاً فكر وحالة العصر السائد وتناول في شعره المواضيع المعروفة في الشعر الشعبي من مديح وفخر وقد أبدع في الرثاء، و تداول مع أصدقائه ومعاصريه من الشعراء الشعبيين في أمور السياسة كالحرب العالمية الثانية, ومع المجاهدين المبعدين من أهالي جبل العرب أيام الثورة ضد الاحتلال الفرنسي، "في فترة وجودهم بالأراضي "السعودية" مطلع ثلاثينيات القرن الماضي" "وادي السرحان"، وتداول معهم هموم نكسة عام 1967 وكان متألماً من وضع العرب في تلك الفترة ولكن أمله في النصر القريب تجلى دائماً في شعره الذي تناول القضايا القومية والوطنية».

يذكر أن المجاهد الشاعر "جاد الله سلام" قد توفاه الله في قريته "طربا" بتاريخ الثاني والعشرين من شهر شباط عام 1982، وبقيت ذكراه عاطرة في قلوب أهله وأحفاده.