لم يكن مفاجئاً لأحد من معارفه دخوله بهيئة فارس على جواد أصيل وسط آلاف من البشر في مدينة "شهبا" يتقمص دور الإمبراطور "فيليب" العربي، فهؤلاء عرفوه يهتم لأدق التفاصيل المتعلقة بالمشاهد الحية، وخاصة تلك المتعلقة بالتراث وعاداته وتقاليده...

والمسرح الذي امتهنه عندما كان في الحادية عشرة من عمره وحمله مع مجموعة من الشبان الصغار سنوات طوال، بات الهم الذي لا فكاك منه، وبات هذا الهم يسكنه ليل نهار في زمن لا يعترف بأنصاف الحلول.

هي المحرك الرئيسي لكل الأعمال الفنية التي تقوم بها جمعيتنا الأهلية التي تعمل وتشتغل على حماية الموروث المادي واللامادي، وتهتم بأدق تفاصيل التراث وتلك المتعلقة بالآثار، وهو في كل عام يفاجئنا بما يقدمه من مسرحيات تسلط الضوء على جانب منسي في حياتنا الماضية، وقد أثبت قدرة إبداعية كبيرة من خلال تحكمه بكادر كبير من الممثلين الهواة، ومن خلال قدرته على ضبط فرق شعبية مؤلفة من ثلاثين شخصاً تؤدي مسرحيات تراثية مصحوبة بالغناء والدبكة

"تيسير العباس" الذي ولد في مدينة "السويداء" عام 1950 قال لموقع eSuweda عن بدايته مع المسرح: «أعتقد أن الفن بشكل عام يولد مع الشخص، وتبقى للظروف المحيطة الدور الأساسي في إظهاره للعلن أو وأده في المهد، وعندما كنت في الصف الخامس اختارني الأساتذة لتعلم العزف على آلة الإيقاع، وعزفت مع فرقة دار المعلمين، وأصبحت هذه الهواية بالنسبة لي كل حياتي، حيث رحت أعزف وأمثل في كل النشاطات التي تقام بثانوية "الحكمة" التي كان كادرها التدريسي يهتم للفن، وفي سن الخامسة عشرة حتى اكتشفني نادي الفنون الجميلة الذي كان أول نادي في "السويداء" يرعى المواهب الفنية بكل أشكالها، ورحت أتعلم الرسم والتمثيل والموسيقى، وكان أول ظهور تمثيلي على خشبة المسرح في نادي الفنون بمسرحية للمخرج "نذير جزماتي" كانت بعنوان "النساجون"، وهي في الحقيقة ما زالت إلى الآن في ذاكرة الناس، وحققت نجاحاً جماهيرياً لم يتكرر طوال عمر المسرح في المحافظة لما كانت تضمه المسرحية من نجوم ما زال البعض منهم مستمراً إلى الآن، وبعد إقفال النادي اتجهت نحو شبيبة الثورة الذي كان منافساً للنادي في إظهار المواهب ورعاية الفنون، وكان للحركة السياسية التي برزت في ذلك الوقت دور كبير انعكس بشكل إيجابي على الفنون المتعددة في المحافظة، وكل الأحزاب الموجودة كانت تتنافس على جذب المواهب وصقلها لإبرازها للناس، وفي الشبيبة مثلت عدة مسرحيات كان أهمها ثمن الحرية للمخرج المصري "محمود الطوخي"، وبعد ذلك التحقت بالمسرح العسكري وقدمت عدداً كبيراً من المسرحيات العالمية مع زملائي حتى كان قرار السفر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة التي كان لي فيها بصمات كثيرة من خلال المسرح».

المخرج "تيسير العباس"

كانت رحلة الإمارات بالنسبة للمخرج "العباس" فتحاً جديداً في حياته المهنية، ومن خلال الظروف التي أتيحت له استطاع أن يكون من أوائل المؤسسين للمسرح هناك، يقول عن هذه الفترة: «كان عام 1974 موعد السفر إلى تلك الأرض الجديدة في كل شيء، حيث كانت بداية تأسيس المسرح هناك، وكانت الاقتراح برفدي إلى القاهرة للالتحاق بالمعهد العربي للفنون المسرحية حيث قضيت هناك مدة سنتين وعدت إلى "دبي" للعمل من أجل تأسيس المسرح وتدريب الكوادر القادرة على التمثيل، وكنت مع الممثل والمخرج الكويتي الكبير "صقر الرشود" ننتقل إلى "رأس الخيمة" والشارقة" لنفس الغاية، وأقمنا عدداً من العروض المسرحية التي لاقت قبولاً لم نكن نتوقعه، حيث واكبتنا وسائل الإعلام بالتشجيع المتواصل، ومن هذه المسرحيات (مهد العروس) و(والله زمان) و(الزجاج المكسور)، مع كل الصعوبات التي كنا نواجهها مثل افتقادنا للعنصر النسائي وطغيان الحب للهجة المصرية، وقد طرحنا في ذلك الوقت مشروع الفن العربي الموحد وإقامة اتحاد الفنانين العرب للتصدي لمحاولات الهيمنة الثقافية الصهيونية على الفكر والعقول، وبرأي أن الفكرة تم إحباطها منذ البداية لأهداف قطرية ضيقة، ورحنا نعمل على مقولة إذا أردت أن ترى رقي الشعوب يجب أن ترى مسرحها، وها أنا بعد أن أعطتني الإمارات صفة النجم الأوحد في العام 1979 على ما قدمته لمسرحها، وأعطيتها ما لدي أمكث في وطني وأحاول جاهداً أن أعطي لرد الدين على أقل تقدير».

يظهر تيسير العباس في كل الحفلات المتعلقة بالشأن العام، فمن جمعية العاديات التي يرأس لجنتها الفنية ويقدم في كل عام أكثر من عمل مسرحي متعلق بالتراث، إلى باقي المهرجانات التي تهتم بالطفولة وتلك التي يقوم الأصدقاء بتكليفه بها، مازال رغم عمره شاباً يؤدي الرسالة التي يرغب في إيصالها.

إحدى المشاهد من مسرحيته عرس شعبي

يقول رئيس فرع جمعية العاديات الأستاذ "محمد طربيه" على "العباس" وعمله في الجمعية: «هي المحرك الرئيسي لكل الأعمال الفنية التي تقوم بها جمعيتنا الأهلية التي تعمل وتشتغل على حماية الموروث المادي واللامادي، وتهتم بأدق تفاصيل التراث وتلك المتعلقة بالآثار، وهو في كل عام يفاجئنا بما يقدمه من مسرحيات تسلط الضوء على جانب منسي في حياتنا الماضية، وقد أثبت قدرة إبداعية كبيرة من خلال تحكمه بكادر كبير من الممثلين الهواة، ومن خلال قدرته على ضبط فرق شعبية مؤلفة من ثلاثين شخصاً تؤدي مسرحيات تراثية مصحوبة بالغناء والدبكة».

مؤسس نادي الفنون الجميلة في "السويداء" الأستاذ الفنان "سلمان البدعيش" قال لموقعنا عما يعرفه عن "تيسير" في تلك الفترة: «كانت موهبة "الطفل "تيسير العباس" فطرية بكل ما للكلمة من معنى، فهو تعلم عزف الإيقاع بشكل سماعي بدون معلم، وبدأ رحلة التمثيل مبكراً، وقد استقطب النادي موهبته الجلية وحاول مخرجي النادي إبرازها، وكان من النجوم التي قدمها النادي في مسرحية (النساجون) التي ما زال أصداء تألقها ماثلاً حتى اللحظة في الأذهان باعتبارها مسرحية متكاملة في كل شيء، ولم تلق مسرحية بعدها الإقبال الجماهيري الذي حضيت به، ولو استمر النادي لكان له دور كبير مع الجيل الذي أنشأه في تقوية عزيمة المسرح في المحافظة».

بجانب شهادات التقدير التي حصل عليها في حياته