لم يكن الأستاذ الدكتور المهندس "مطاوع الأشهب" ذاك المثقف الذي استطاع أن يخترق الأوساط المحلية والغربية بإصراره على العلم والمعرفة فحسب، بل كان النموذج الحقيقي لأبناء جبل العرب القادمين من معاناة الفقر ليشكلوا منعطفاً علمياً ويصبحوا رموزاً وطنية وعلمية في ساحة الوطن الكبير، فكيف من عانى مع الزمن والطبيعة وعاش يتيماً ليكون أستاذاً جامعياً له مكانته وموقفه الفكري والثقافي ليكون المعلم الفاضل والأب العطوف والباحث المتمكن من نتائج بحثه.

عنه يتحدث ابنه الوحيد الدكتور "منتصر الأشهب" لموقع eSwueda قائلاً: «ولد والدي 1924 في قرية "القريا" بجبل العرب- محافظة "السويداء"- وسرعان ما تجرع كأس اليتم إذ حرمته الأقدار من والديه، فترعرع بين أخيه الأكبر وأختيه الذين لم يألوا جهداً في احتضان أخيهم، وكما في الفيزياء هناك الصفر المطلق فقد نشأ من الفقر المطلق، فأدرك منذ طفولته أن المخرج الأوحد والوحيد والفرد من هذا الوضع المأساوي يكمن بالارتقاء المعرفي أي ببساطة تامة بالاجتهاد العقلي والدراسي، فكان أول معلميه المنتدب من سلطة الاحتلال الفرنسي آنذاك يدعى "أنطوان صقر" الملقب "بأبي صقر" يحفر فيه وبقسوة معلم الكتاب روح المثابرة والمضي قدماً للتقدم رويداً نحو "السرتفيكا" أي "الابتدائية"، أعقبتها الإعدادية في "السويداء" حيث كان يقطع على الأقدام الكيلومترات العشرين بين "القريا" و"السويداء" وكأننا في مقاييس اليوم نذهب لنزهة صغيرة في أحياء "دمشق".

عاد إلى أرض الوطن ليواصل مسيرته التربوية بدءاً من المعهد العالي الصناعي وكلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية التي ساهم في وضع مناهجها وبناء الأقسام والفروع مؤمناً أن هذه الأجيال الجديدة من المهندسين السوريين الأكفاء سيعلون شأن سورية ويجعلونها في مصاف دول الشرق الأوسط التي يحسب لها حساب، خرج حوالي ثلاثين جيلاً من أرقى المهندسين القادرين على الارتقاء النهضوي في سورية فساهم بذلك بلا ريب في ردم الهوة المعرفية بينا وبين أعداء أمتناً، وقد ذكر لي أن الرئيس الخالد "حافظ الأسد" كرمه بأن استبقاه بعد إحالته على التقاعد ضمن ملاك جامعة دمشق كخبرة نادرة وذلك لمدة عشر سنوات ونيف من الزمن

نال الإعدادية بتفوق والاستعمار لايزال جاثماً على أرض سورية والمناهج جلها بالفرنسية، ولكنه لم يتوقف عن التحصيل العلمي، ولهيب حب المعرفة يسري في عروقه، فالمنح الدراسية إلى "دمشق" لا يمنحها المستعمر إلا لأبناء الذوات ولمحابيه، فأرسله القائد العام للثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش" بكتاب توصية كمتفوق إلى مدرسة "العازرية" الداخلية بدمشق وعلى حسابه الخاص وبمساعدة إخوته الذين حرموا أنفسهم وقدموا له ثلاث سنوات حتى نال البكلوريا بجزأيها آنذاك، نضج وتأصلت فيه روح الثورة واليسار، وأبى للهيب التعطش للمعرفة أن يخبو فيه وهو ابن الفقر والحرمان، فاختار الرياضيات والفيزياء هدفين له نظراً لما رأى فيهما من تقدم ورفعة للأمم من خلال هذين العلمين العظيمين وتأثيرهما الهائل على تصنيع بلد وبناء لبنات الصناعة المحدد لرقي أمة ما».

الدكتور. منتصر الاشهب

وتابع د."منتصر" بالقول: «لم يختر دراسة الحقوق أو الطب المتوافرين آنذاك في جامعة دمشق، فضاقت به الأوطان ليطرق باب الجامعة "اليسوعية" في "بيروت" التي أغلقها الفرنسيون لسنتين بوجه الطلبة السوريين في أعقاب جلائه عن تراب الوطن، فما كان منه إلا أن ذهب وهو في مقتبل العشرين ربيعاً إلى "عجلون" في الأردن حيث استصدر لنفسه جواز سفر أردني مكنه من الالتحاق بالجامعة اليسوعية، عجباً منك يا والدي "مطاوع" على هذا الإصرار في التحصيل.

وبعد سنين ثلاث تابع مسيرته بالسفر إلى فرنسا وليس بحوزته سوى ما يقارب بالمقاييس الحالية حوالي 5000 ليرة سورية فدخل إلى جامعة "السوربون" حيث حاز شهادة الرياضيات العليا بعد صراع مرير مع الحياة والفاقة دام قرابة خمس سنوات وحصيلة لا تقدر بثمن عن الحياة والحضارة في فرنسا آنذاك، لترميه طموحاته اللامتناهية في "سويسرا" حيث درس هندسة الكهرباء في جامعة "البوليتكنيك" في "زيوريخ" فحاز شهادة الهندسة الكهربائية أعقبها بشهادة دكتوراه أولى ثم دكتوراه ثانية في مفاهيم جديدة وحديثة عن هندسة المفاعلات النووية».

في تابينه

وأوضح الدكتور "منتصر" بالقول: «عاد إلى أرض الوطن ليواصل مسيرته التربوية بدءاً من المعهد العالي الصناعي وكلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية التي ساهم في وضع مناهجها وبناء الأقسام والفروع مؤمناً أن هذه الأجيال الجديدة من المهندسين السوريين الأكفاء سيعلون شأن سورية ويجعلونها في مصاف دول الشرق الأوسط التي يحسب لها حساب، خرج حوالي ثلاثين جيلاً من أرقى المهندسين القادرين على الارتقاء النهضوي في سورية فساهم بذلك بلا ريب في ردم الهوة المعرفية بينا وبين أعداء أمتناً، وقد ذكر لي أن الرئيس الخالد "حافظ الأسد" كرمه بأن استبقاه بعد إحالته على التقاعد ضمن ملاك جامعة دمشق كخبرة نادرة وذلك لمدة عشر سنوات ونيف من الزمن».

لمحة توثيقية:

قام بنشر العديد من التقارير العلمية في مركز الأبحاث النووية في سويسرا أهمها الاستقرار الفراغي للكسنون 135 في المفاعل النووي الحراري، واستقرار الكسنون 135 بطريقة التوافقية الأولى، دراسة استقرار مفاعل الماء المغلي، والتصرف العشوائي والديناميكي في مفاعلات الماء المغلي، والاحتياطات الواجب اتخاذها لدرء الحوادث في تشغيل المفاعلات، والموثوقية البشرية والعامل البشري في المفاعلات، وحساب الإشعاع تحت الحمراء في جو مركز المفاعلات ومدى تأثيره على البيئة، وملخص رياضي في مجال التعرف على الأشكال.

المرحوم الدكتور مطاوع الأشهب

ومن الكتب المؤلفة له كتاب التحكم الآلي، وكتاب هندسة المفاعلات النووية بجزأين، وكتاب هندسة الفيزياء النووية، وكتاب الإشعاع النووي والوقاية من التلوث والإشعاع، وغيرها.

يحمل دكتوراه في العلوم التقنية من مدرسة "البوليتكنيك بزيوريخ" عام 1961، وشهادة دكتوراه "p.h.d" في الرياضيات من جامعة "زيوريخ" سويسرا عام 1964، وفي عام 1971-1972 درس الهندسة النووية في مركز الأبحاث النووية في مدينة "كارلزروهيه" في ألمانيا الغربية. يجيد العربية والفرنسية والألمانية والإنكليزية.

قام بتدريس ثمانية عشر مقرراً وبالإشراف على مئات مشاريع التخرج والدراسات العليا، ترأس قسم الهندسة الالكترونية وفارق الحياة وهو يعطي من علمه لطلابه.