لم يكن لديه بندقية، فأمه ارتدت لباس الرجال وحملت بندقية والده ولم يكن أمامه سوى السكين، أخفاه في ثيابه ومشى وراء أمه وعمه المجاهد "محمد نوفل" وابن عمه "بادي".

ولم يكن "نواف" ابن الأربعة عشر عاماً ليخرج في البحث عن انتقام طالما كان بعيداً عنه، لولا أن جنوداً سلبوه والده عندما كان جنيناً وولد دون أن يراه والده مقبلاً على الحياة، حيث اعتقل المجاهد "حمود نوفل" عام 1911 مع أخيه "محمد" وأودعا سجن القلعة "بدمشق" مع أبناء جبل العرب بسبب مناهضتهم لمظالم الوالي التركي "سامي باشا"، وبعد أن ولد "نواف" أمنت والدته "فريدة" عليه عند أهلها وذهبت إلى "دمشق" تحمل معها طعاماً لزوجها المعتقل واضعة بين طيات رغيف منها "نسلة" منشار حديد، ونفذ المعتقلون خطتهم وفر منهم حوالي تسعين سجيناً في أكبر عملية هروب من سجن عثماني وكان لها أثر كبير في انتصار أبناء الجبل في معركة "المفعلاني" الشهيرة، غير أن الرجل مات وهو يحارب العثمانيين في ظروف ظلت غامضة على الجميع، ولم ير طوال فراره ولده.

يقول الأستاذ "محمد طربيه" لموقع eSuweda يوم الأحد الواقع في 21/9/2009: «توفي المجاهد "حمود نوفل" عام 1914 وبقيت زوجته السيدة "فريدة" على اسم زوجها وعلى عاداته وتقاليد أهله حيث أبقت مضافته مفتوحة للضيوف، والقهوة المرة تدار في جنباتها على الضيوف دائماً، وكان همها تربية ابنها "نواف" الذي بلغ من العمر أربعة عشر عاماً عندما قامت الثورة السورية الكبرى بقيادة "سلطان باشا الأطرش"، وألهبت أصداؤها مشاعر الكره والثورة على كل ظالم ومستعمر، فتزنرت "أم نواف" ببندقية زوجها، وأخفى "نواف" سكينه في ثيابه ومشى إلى "المزرعة" (مكان الموقعة الشهيرة بين الثوار والمستعمر الفرنسي عام 1925) حاملاً في صدره شوقاً كبيراً إلى والده الذي لم تسعفه الأيام في رؤيته والتعرف إليه، وبقيت حسرة اليتيم تلاحقه إلى ذلك اليوم الثاني من آب عام 1925.

صورة قديمة للمجاهد الذي مات دون تحقيق حلمه

يقول القائد العام للثورة السورية الكبرى في كتابه الذي وثقه "منصور الأطرش": قال الشيخ "هاني علم الدين" من مدينة" السويداء":بعد أن بدأ هجومنا الخاطف على العدو سلط رامي الرشاش نيرانه علينا فاستشهد على الفور" حسين" و"فرحان" و"أسعد علم الدين"، وكاد يقضي علينا لو لم يتسلل فتى في الرابعة عشر من عمره وعاجله بطعنة سكين أودت بحياته، فأسرعت نحوه وقبلته في جبينه وحاولت أن أعرف اسمه فلم يجبني ولم يقل غير بخاطرك ياعم ووثب كالنمر باتجاه اثنين من رفاقه كانا يفعلان فعله في المعركة فلم أتمالك نفسي من البكاء وأنا أنظر إليهم وسط غبار المعمعة الرهيبة".

بعد انتهاء المعركة عادت السيدة" فريدة" مع المقاتلين إلى"الهيات" وبقيت دارها مفتوحة أمام الثوار، وأصبحت نقطة اتصال بين ثوار اللجاة وثوار الصفا، فما كان من الفرنسيين بعد أن علموا بأمرها إلا قصف بيتها فرحلت مع ابنها واخو زوجها المجاهد" محمد" إلى الصفا للالتحاق بالثوار عام 1927، وعندما كانت تنقل الماء والطعام إلى الثوار لاحقتها طائرة فرنسية وقصفتها بكل حقد الطغاة فاستشهدت على الفور تاركة ابنها "نواف" يذوق طعم اليتم من جديد. غير أن الشاب الذي تابع جهاده وجد في الصهاينة هدفاً جديداً للانتقام فالتحق عام 1948 بجيش الإنقاذ في فلسطين وكرس وقته للانتقام لأمه وأبيه غير عابئ بالموت، وبعد عودته من هناك مكسور الأجنحة، التزم الصمت ولم يشأ أن يخبر أحداً عما لاقاه في معركته الأخيرة، رافضاً بالوقت عينه لغة الهزيمة، وراح يلتفت لأرضه من جديد منتظراً فرصة للانتقام حتى واراه الثرى عام 1981 دافعاً معه مرارة اليتم ثلاث مرات بعد ضياع فلسطين.