بسنواتها الست والثمانين وفي بيتها القديم مازالت السيدة "زمرد أبو الفضل" تحكي قصة امرأة مميزة وقفت أمام مصاعب الزمن لتكون معلمة ناجحة ومربية فاضلة.

هي ابنة الشهيد "حمد أبو الفضل" الذي سقط في معركة "المسيفرة" التي خاضها الثوار مع الاستعمار الفرنسي، وهي من مواليد /1922/ عملت كمعلمة ومديرة لعدة مدارس، تزوجت من السيد "سلمان أبو الفضل" وأنجبت منه سبعة أولاد، أربعة ذكور وثلاث إناث.

إكراما للعطاء الوطني الأصيل واحتراما لقيم البذل والتضحية نتقدم بالشكر والتقدير للزميلة "زمرد أبو الفضل" على ما بذلته في إعداد الإنسان العربي المؤمن بأهداف أمته في الوحدة والحرية والاشتراكية

eSuweda التقى السيدة "زمرد" وكان الحديث التالي:

تحكي السيدة "زمرد" أنها انتسبت إلى مدرسة الزهراء الابتدائية في "السويداء" عام 1929 وبقيت فيها حتى عام 1935، وقد كان التعليم حينها يحمل الطابع الطبقي فأبناء الأسر الإقطاعية هم الأكثر حظا بدخول المدارس بالإضافة إلى الطلاب المميزين من أبناء الأسر الفقيرة وقد كانت هي من أسرة فقيرة ولكنها كانت متفوقة، وهذا سبب دخولها مرحلة التعليم الإعدادي حيث كانت المدارس حينها تابعة للاستعمار الفرنسي الذي كان يحتل سورية، وتقول السيدة "زمرد" إن الطلاب وقتها كانوا يتعلمون لمدة يوم ونصف باللغة الفرنسية ونصف يوم باللغة العربية، وقد بقيت في هذه المرحلة ثمان سنوات كانت فيها دائما الأولى على صفها، حيث وحسب حديثها إنها لم تعرف الصف السادس الابتدائي بل تم نقلها من الصف الخامس إلى الإعدادي مباشرة، كما تم نقلها من الصف السابع إلى التاسع أيضا، وعن نظام التعليم في فترتها تتابع قائلة: كان للتعليم نظام وطابع فرنسي لذلك كنا نشعر بالاضطهاد وخاصة أن الفرنسيين القائمين على التعليم كانوا يطبقون نظام "الفرنسة" حيث كان يعطى الطالب الذي يتكلم باللغة العربية علامة تسمى "السينيال" وتبقى معه إلى أن يتفوه طالب غيره بكلمة عربية فتنتقل العلامة إليه ومن تبقى معه يتعرض لعقوبة الضرب في اليوم التالي، وعن الحركة الوطنية الطلابية تقول: إن المظاهرات كانت تنظم خارج المدرسة من طلاب المدارس أنفسهم، حيث إنها خرجت أكثر من مرة مع زملائها من الطلاب بمظاهرة تبدأ من أمام السرايا لتجول بطرق السويداء وتعود إلى أمام السرايا وكان المطلب الأساسي للمظاهرات هو "الاستقلال" وهي تتذكر جيدا دورها "كخازنة" في جمع التبرعات من بيوت المحافظة ليتم إرسال المال إلى لجان في دمشق لإيصاله إلى الثوار حيث كان ثوار "الجبل" يقاتلون إلى جانب إخوانهم من ثوار "دمشق" ضد الاستعمار الفرنسي، وفي عام 1942 بدأت السيدة "زمرد" بالتعليم في نفس المدرسة الابتدائية التي تعلمت فيها وهي مدرسة "الزهراء" لتقضي فيها مدة سبع سنوات تعلم فيها الطلاب ما تعلمته.

الانتقال إلى دمشق والعودة بعدها

في عام 1949 انتقلت السيدة "زمرد" مع زوجها السيد "سلمان أبو الفضل" إلى دمشق التي كان الأخير موظفا في "دائرة الإحصاء" فيها، وقد درّست في تلك الفترة في مدرستين هما "مدرسة الميدان ومدرسة باب مصلى" وكان ذلك لمدة سنتين مناصفة، وقد استفادت هناك من أدوات التعليم التي كانت أكثر تطورا من الأدوات الموجودة في مدارس السويداء حيث إنها عادت إلى السويداء بعدها وهي تحمل ما يسمى "وسائل الإيضاح" ومنها مثلا لوحات تحمل الأحرف الأبجدية وكل حرف له كلمة أمامه تبدأ به أو يقع في وسطها أو آخرها، وفي عام 1952 انتقلت السيدة "زمرد" لتدير مدرسة "خولة بنت الأزور" وبقيت مديرة فيها مدة ست سنوات وهنا تتحدث السيدة "أبو الفضل" عن أيام الوحدة بين سورية ومصر بكثير من الفرح عندما خرجت مع طلاب المدرسة التي كانت تديرها ابتهاجا بهذه الوحدة وهي تقول: إن الانفصال قد آلمها كثيرا كما آلم كل الأحرار العرب في عام 1961، وعندها كانت مديرة لمدرسة "الخنساء" حيث تقاعدت وأنهت خدمتها فيها واللافت أن المدرستين قد تميزتا في تلك الفترة وذلك نتيجة النظام الذي فرضته السيدة "زمرد" بالإضافة إلى التعاون مع المدرسين، فهي تقول: النظام أولاً، وقد كان لديها دفاتر ملاحظات باسم كل طالب ومدرس تدون فيها الأشياء الإيجابية والسلبية، وعن حبها للنظام يقول: الدكتور "غسان أبو الفضل" وهو أحد أبنائها كانت أمي تفرض علينا أن نضع كل شيء بالمكان المخصص له في البيت، فهي تكره الفوضى وقد علمتنا أن نكرهها.

الجانب الإنساني ودورها كزوجة

صحيح أن السيدة "زمرد" كانت من أوائل النساء المتعلمات في المحافظة فرقمها يأتي الثالث بعد "زكية أبو جمرة" و"هندية عبيد" ولكنها كانت زوجة ومربية أيضا، فتشاء الأقدار أن يصاب الزوج بالشلل عبر مرض يسمى "تصلب لويحي" ويبقى على هذه الحال مدة 25 عاما، كانت فيها السيدة "زمرد" الزوجة الصالحة والأم الرؤوم التي تعين زوجها وتربي أولادها بالإضافة إلى عملها كمديرة مدرسة، وقد انهى ثلاثة من أبنائها الإجازة بالهندسة وواحد في الطب وثلاث بنات معلمات.

التكريم

كرمت السيدة "زمرد" التكريم الأول في عام /1982/ في دمشق من قبل نقابة المعلمين وقد جاء في لوحة التكريم كلمات سنذكرها كما وردت: «إكراما للعطاء الوطني الأصيل واحتراما لقيم البذل والتضحية نتقدم بالشكر والتقدير للزميلة "زمرد أبو الفضل" على ما بذلته في إعداد الإنسان العربي المؤمن بأهداف أمته في الوحدة والحرية والاشتراكية»، أما التكريم الكبير فقد كان من قبل السيدة "أسماء الأسد" عقيلة السيد الرئيس، التي كرمت السيدة "أبو الفضل" في منتدى المرأة العربي حيث اختيرت السيدة "زمرد" عن محافظة السويداء كسيدة ومربية مثالية تستحق التكريم.

واليوم مازالت المرأة في بيتها تحكي لأحفادها قصصاً كثيرة عن تاريخ يشكل مفصلاً في تاريخ هذا الوطن.