في زمن قل فيه المتعلمون وكثر فيه الثوار والمجاهدون، بزغ نجم الأديب "سلامة عبيد" ليكون أحد المبدعين، وأحد الأدباء المثقفين القلائل الذين أرخوا ونقلوا معالم الحضارة السورية إلى بلاد الصين بأمانة ووفاء، بعد أن أصبح سفيراً فيها.

وفي التعريف بسلامة عبيد المولود عام 1921، هو ابن المجاهد الكبير "علي عبيد" أمين سر الثورة السورية الكبرى، حصل على الشهادة الثانوية عام 1940 وعمل معلماً في لبنان ليتابع دراسته الجامعية في "الجامعة الأميركية في بيروت" عام 1947، ونال شهادة الماجستير في التاريخ عام 1953، وفي عام 1953 – 1960 عمل مديراً للتربية في "السويداء"، وانتخب عضواً في مجلس الأمة إبان الوحدة بين سورية ومصر، أقام في الصين مدرساً للغة العربية في جامعة "بكين" عام 1972-1984 وعاد إلى أرضه ليشتم رائحة عبق ترابها قبل وفاته بيوم واحد في 25/3/1984.

ومن أعماله الأدبية:

  • اليرموك، مسرحية شعرية 1943 – لهيب وطيب، مجموعة شعرية 1960 – أبو صابر، رواية 1971 – الثورة السورية الكبرى على ضوء وثائق لم تنشر، 1971 – ذكريات الطفولة، 1987 – الأمثال الشعبية، 1979 – الشرق الأحمر، 1965 – مختارات من الشعر الصيني القديم، 1983 – شارك مع مجموعة من الأساتذة في وضع القاموس الصيني- العربي 1989.
  • د. سلطان سعد القحطاني

    شهادات في إبداع وأدب سلامة عبيد

  • الدكتور "سلطان سعد القحطاني" من السعودية قدّم دراسة ضمت ثلاثة محاور، اثنان منها يتعلقان بحياة المبدع، والثالث يتعلق بفرعٍ من فروع أدبه، وهو يخلص إلى القول بأنه: ستبقى تجربته مثار جدل نقدي وفحص واستبطان، تحتاج إلى وقفة تأمل وفحص دقيقة.

  • الدكتورة "عالية صالح" من الأردن قالت: تتميز رواية "سلامة عبيد" بأسلوبها الشائق وقدرتها في التأثير في القارئ، ومقدرة كبيرة على استدعاء مخزونه التاريخي والثقافي من أدب الكفاح الإنساني المختلف الذي قرأه، وتتعدد الزوايا التي يمكن أن تقرأ منها الرواية، تقرأ على أنها قصة إنسان حقيقي، وتقرأ على أنها رواية أدب سجون الاستعمار، وتقرأ على أنها رواية مقاومة شعب، وتقرأ على أنها قصة إنسان منسي.

  • د. ثائر زين الدين

    يتوافر في الرواية عنصر سردي خاص بها، إضافة إلى حرص الكاتب على صدق العمل الفني وهذا ما يؤكده بقوله "إنها قصة رواها ثائر صادق وكتبها قلم آثر أن يظل صادقاً".

  • الدكتور "دياب قديد" من الجزائر انطلقت مداخلته من تصور معرفي يقوم أساساً على استكشاف بنية الفضاء السردي في رواية "أبو صابر"، للاستفادة من الشعرية السردية الحديثة وخاصة في مفاهيم "جيرار جينات" و"رولان وتدروف" آملاً في أن تكون هذه المفاهيم قادرة على الولوج إلى عالم المحكي لإعطاء دلالات جديدة لبنية الفضاء السردي عند سلامة عبيد.

  • الدكتور "سالم المعوش" من لبنان اعتبر سلامة عبيد ممن تصدر قوافل المبدعين والباحثين الذين أسهموا في سجالية التشكل الانتمائي وتأكيد الهوية، فكتبوا في فنون النثر، ونظموا الشعر، وترجموا وبحثوا، وجاهدوا من أجل تقديم الفكر العربي وتجليات العبقرية العربية على غير صعيد.

  • د. ثائر وهو يدلي بالشهادة

    ويتعمق هذا الانتماء التشكلي لدى عبيد في تركيزه على اللغة العربية وتشديده على الأجواء التعبيرية التي تحملها.

  • الدكتور "فيصل حصيد" من الجزائر توقف عند الثقافة الشعبية فيقول: ولعل ما يثير الدهشة أول الأمر في عمل الكاتب هو إحاطته في وقت مبكر بأهم الجوانب المشكلة للثقافة الشعبية الأنثروبولوجية واللغوية والاجتماعية والسياسية والتاريخية في عمل جمع بين سلاسة اللغة وجدية الطرح، وعمق الفكرة.

  • الدكتور "ياسين فاعور" من فلسطين اعتبر المجموعة الشعرية "لهيب وطيب" ثورة شعرية، وصرخة تحدٍ، ونضال كلمة في مسيرة شاعر، وأجمل قصائده "من دمانا" التي رد فيها على العدوان الفرنسي على سورية، والإغارة على عاصمتها الأبية "دمشق" فيقول:

  • أمطر الشام حديداً ولهيبا / واستبح فيها هلالاً وصليبا

    وأذبح المرضى، ولا تخشى عذولاً أو رقيباً

    عذّب الأسرى، وثكل ما تشاء

    وإذا الرعب تولاك وأضناك العياء

    من دمانا.. أيها السفاح من دمع اليتامى والأيامى

    أترع الكأس مداما..

    وفي كلمته باسم أصدقاء المكرم أوضح الدكتور "صابر فلحوط" أنه من طلاب الراحل ومن حوارييه ومريديه، وذكر بأن ذاك الجيل من الأساتذة في محافظة "السويداء" سيظلون النبراس الوضاء في سماء الوطن أمثال: "محمود الجغامي، ويوسف الدبيسي، وحمد العيسمي، وصياح الجهيم، وعيسى عصفور...".

    ابنة المكرم "ضحى عبيد" تناولت بدورها الجوانب الإنسانية من حياة والدها وكرمه ولطفه، وعن كل شيء مؤكدة أن موته الهادئ شيء منه.

    ويتوقف الدكتور "عبد الله أبوهيف" عند الحوار الحضاري ضمن وجوه الإبداع لدى "سلامة عبيد"، وأشار إلى هذا الوجه الإبداعي في كتابه "الشرق الأحمر" 1965، فقد روى فيه وقائع جولته في الصين الشعبية فيما يقترب من الوصف والإخبار السردي أيضاً، من وصف الطريق إلى الصين، ومؤتمر اتحاد أدباء آسيا وإفريقيا، وإيراد لمحة جغرافية عن الصين، إلى وصف الشعب الصيني المستنفر نحو التقدم، والإخبار عن حياتهم اليومية في الريف والبيت والمدرسة والمعمل والمسرح وأوقات الراحة، فما أجدرنا نحن العرب بأن نسعى إلى فهم أسرار هذه التحولات الجذرية، فلعل فيها ما ينير الطريق ويشحذ الهمم، ويختصر الزمن.

    وذكر الدكتور "رضوان قضماني" أن تجربة سلامة عبيد لا تخرج في معالمها الشعرية عن أن تكون رافداً من روافد الشعرية العربية الحديثة والمعاصرة، بما فيها من ريادة وتجديد.

    أما الأستاذ "عيسى فتوح" فقد أشار إلى أن الراحل شاعر وطني ومسرحي ومؤرخ، ومناضل قومي.. تشرّد مع اهله في صحراء نجد وعمره خمس سنوات، وعاش في مخيمات المجاهدين بعيداً عن وطنه المحتل.

    وأشار الدكتور "أديب عقيل" إلى أن سلامة عبيد كان لا يحب الأضواء والشاشات والمناصب، بل كان واقعياً شفافاً، لذلك كان أبطال شعره ورواياته وقصصه من أبناء الواقع المعيش من كادحين وفلاحين وثوار مناضلين، وهو كاتب مبدع استطاع التغلب على الغربة بالتواصل والتأقلم، وإثبات الذات بالكتابة والتواصل مع الحضارة الصينية ومع الارتباط بالوطن.

    الدكتور "فايز عز الدين" قال: كان ميلاده في الزمن الذي قيض الله فيه لبلدنا سورية، وبقية البلدان العربية أن تحمل صلبانها التي صنعها الاستعمار في "سايكس بيكو"، وتمشي إلى الجلجلة، وفي كل مقطع من حياة الفتى كانت له علاقة مميزة ولا سيما أنه قد تدرب على تقديم الأضاحي بفقده أخويه الأكبر منه، وامتلاء ذاكرته الغضة بحنو والدته عليه، باعتبارها الثكلى التي ستعوض بالموجود عن كل مفقود شهيد.

    الشاعر "فؤاد كحل" بيّن أن المبدع الراحل ولد تحت ظلال السيوف والرايات، ولهذا كان الجبل مفازات وطن، ومجازات وجود، حول آلامه الفردية المتحولة إلى هم اجتماعي، وكانت هذه الآلام مصدر إبداعه.

    الدكتور "ثائر زين الدين" أوضح أن سلامة عبيد كتب روايته اليتيمة "أبو صابر" وفاءً لشخصية حقيقية معروفة، هي شخصية الثائر "حمد دياب"، التي ألهمت من قبل "سعيد حورانية" أيضاً فكتب قصة قصيرة سماها "حمد دياب".

    وأشار "محمد طرابيه" إلى أن دراسة سلامة عبيد التفصيلية لأسباب الثورة البعيدة والقريبة، المحلية والخارجية، تجعل منها حدثاً مفهوماً وواقعية إنسانية معللة، لذا نجا من الوقوع في مطبي المبالغة والإنشائية المعتمدة على الوصف والتغني والتهوين من شأنها والتقليل من دورها.

    ورصد "محمد حديفي" في دراسته، طفولة المكرم سلامة عبيد المعذبة ونبوغه المبكر وصلابته في وجه الشدائد، واستقامته في كل مناحي الحياة، وذلك بالأمثلة الحية والأرقام.

    وقد أقامت وزارة الثقافة ومحافظة السويداء في صالة "صياح الجهيم" بمديرية الثقافة بالسويداء الندوة النقدية التكريمية للمبدع الراحل سلامة عبيد، حيث ازدحمت القاعة بالحضور المهيب والمميز لأبناء المحافظة.

    وزارة الثقافة التي كرمت المبدع بهذه الندوة لثلاثة أيام تخللتها بحوث وشهادات نقلت تقدير الوزارة والمثقفين والباحثين لذكرى سلامة عبيد، إضافة إلى المشاركة المميزة التي قامت بها المستشارية الثقافية الصينية والهدية التي تلقتها أسرة الفقيد بكثير من الوفاء والعرفان للصين ولشعبها الصديق لإخلاصها للراحل الذي أثبت موجودية ووجودية ناقلاً عراقة وأصالة وثقافة بلده سورية إلى الأوساط الثقافية واللغوية والأدبية في الصين.

    وعلى هامش الندوة أوضح الأستاذ "إسماعيل الملحم" رئيس فرع اتحاد كتاب العرب في السويداء أنه زار السويداء وفد من كتاب الصين وطلب أحدهم زيارة منزل الراحل سلامة عبيد وكان له ما أراد، إذ وقف وبكى حتى ولّد عند الحضور الكثير من الشجون.

    الأديب "حسن حميد" عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب العرب ذكر أنه زار الصين وهناك لمس التقدير والاحترام وحب الصين للغة العربية عن طريق الأستاذ سلامة عبيد الدائم الذكر بالأوساط الثقافية الصينية.

    تخلل الاحتفال الحضور المميز من الكم والنوع، وعبرت الكلمات المشاركة عن مدى التقدير والاحترام والإعجاب لإبداعات سلامة عبيد الكاتب والروائي والشاعر والمؤرخ والباحث اللغوي المعبر عن القضايا العربية والقومية.

    ويبقى سلامة عبيد واحد من أعلام الوطن، وسيبقى اسمه محفوراً في الذاكرة داخل الوطن وخارجه، آملين من وزارة الثقافة أن تكرم المبدعين والمفكرين في بلدنا الحبيب سورية بحياتهم قبل مماتهم.

    أخيراً، كان حلمه أن يرى بلده السويداء ولو ليوم واحد ويدفن فيه، وقد كتب ذلك وهو في الصين، ليعود وينزل من سلم الطائرة في مطار "دمشق" ويلثم تراب أرضه، ثم يذهب لقضاء ليلة وصوله في السويداء، ويدفن فيها في اليوم التالي كما أراد.