من عملٍ روتيني، خرج إلى مساحة العمل اليدوي الناتج عن موهبةٍ فنيةٍ في صناعة أشكال خشبية، وجد فيها "بسام سراي الدين" فرصةً لتأسيس ورشة بسيطة هيّأت لدخوله سوقَ العمل الحرفي.

بمعدات بسيطة لم تشفع له الظروفُ لتطويرها، قدّمَ مجموعةً مميزةً من الأعمال والمجسمات كاللوحات الدمشقية والقوارب، وأعمال جسّدت التراثَ وعرّفت عن موهبته التي اجتهد لتظهر للمجتمع، كما تحدث "سراي الدين" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 13 تموز 2019، وقال: «أمضيت سنوات طويلة بالعمل المكتبي، حاولتُ كسر الروتين المعتاد، بالاتجاه لعمل يشغلني، هي هوايةٌ مارستها منذ الطفولة، تمكنت خلالها من تكوين أعمال فنية تخدم فكرة التزيين، الفكرة التي بدأت من خلال قص وجمع وتشكيل قطع خشبية أو أعواد ثقاب أو أي قطعة خشبية تعاملت معها بعناية كبيرة، لقناعتي أنّها قابلة للتحويل والتشكيل بشكل جميل يخدم فكرةً أو موضوعاً رسمته في الخيال، ليتحول إلى مجسم خشبي، الأفكار التي بدأت في مرحلة الطفولة كانت في المعظم قوارب خشبية لأستعيد صور القدماء، وكيف رسموا وصنعوا قوارب مخرت عباب البحار، لأحاول تصميم قواربي التي جذبت عين الناظر، بما حوت من تفاصيل منمنمة تعيد الصورة الحقيقية للقوارب الشراعية القديمة، مستثمراً لون الخشب الطبيعي، كانت أول سفينة كونتها عام 1998، وقد استخدمت عدة طرق بعدها، وأصبحت أكون القالب بمواد كرتونية، وأطعمها بأعواد الثقاب أو قطع خشبية من أنواع مناسبة لهذه التكوينات، كما حاولت تقديم أكثر من نموذج من هذه القوارب، وطوّرت التجربة بشكل عفوي لأنّي لم أكن أتوقع أنّها ستتحول لعمل أو أنّها ستستمر لتكون أحد فرص الحصول على دخل إضافي جيد، ومشروع عمل أعلق عليه آمالاً كبيرة».

منذ عدة أعوام قدمت أول معرض فردي لي تضمن مجموعة كبيرة من أعمالي، وأصبحت من المشاركين الدائمين في معارض مديرية السياحة، ومعارض الأعمال اليدوية والبازارات. أحاول في كل مرحلة تقديم موضوع جديد، وفي كل مرة تجد الأعمال فرصتها للانتشار، وهذا أهم أسباب التسويق، لكن الطموح أكبر من ذلك خاصة أننا كورش يدوية نتأثر كثيراً في الظروف الاقتصادية السائدة، الجميع يعرف أنّ عملي بقي رغم مرور السنوات يدوياً بكلّ التفاصيل، وكل ما أستخدمه عبارة عن مشرط ومنشار يدوي صغير ليس أكثر من ذلك

وعن اختيار أعماله قال: «لم أعتمد على الإنترنت، ولم أنقل صوره، كان الخيال فرصتي الأهم لتصميم جديد لمجموعات عدة قدمتها على فترات زمنية متلاحقة ووفق الظروف، وتنقسم المجموعات التي أنتجتها إلى عدة أقسام أهمها المجسمات المؤلفة من قطع وتحف شرقية تتكامل مع الجزء الأهم من أعمالي، الذي يطلب مني اليوم بشكل كبير وهو اللوحات الشامية التي تعبر عن تفاصيل الحارة الشامية والأحياء القديمة، مستعيناً بما اختزنته الذاكرة من صور لحارات قديمة، وأخرى قائمة لهذه المرحلة، وفيها كثير من التفاصيل الدقيقة التي تحملُ معانيَ إنسانيةً وفنيةً عميقةً».

الحارة الشامية من أعمال بسام سراي الدين

وعن بيئة العمل والتقنيات المستخدمة، ومعاناة الحصول على معدات جديدة يضيف: «هذا العمل يحتاج معدات حديثة، لتكون عوناً في القص والتكوين وانتقاء القطع المناسبة لإكمال المجسم، وعلى الرغم من اتجاهي اليوم لاستخدام أعواد الثقاب ففي عدد من المجسمات احتاج لأنواع أخرى من الخشب حصرتها بنوع "السويد" و(البلاكيه) لسهولة التعامل مع هذه الأنواع، في الوقت الذي أجد لدي فيه المهارة للتعامل مع أنواع أكثر صلابة، لكن عدم توافر المعدات يبعدني عن التجربة، وأتمنى أن تتوافر لدي الإمكانية المادية للحصول على تجهيزات متطورة لتطوير ورشتي وإنتاج قطع جديدة ومتنوعة من حيث الفكرة والتقنية».

رغم الظروف هو مشارك دائم في معارض الأعمال اليدوية كما تابع بالقول: «منذ عدة أعوام قدمت أول معرض فردي لي تضمن مجموعة كبيرة من أعمالي، وأصبحت من المشاركين الدائمين في معارض مديرية السياحة، ومعارض الأعمال اليدوية والبازارات. أحاول في كل مرحلة تقديم موضوع جديد، وفي كل مرة تجد الأعمال فرصتها للانتشار، وهذا أهم أسباب التسويق، لكن الطموح أكبر من ذلك خاصة أننا كورش يدوية نتأثر كثيراً في الظروف الاقتصادية السائدة،

قارب من أعماله

الجميع يعرف أنّ عملي بقي رغم مرور السنوات يدوياً بكلّ التفاصيل، وكل ما أستخدمه عبارة عن مشرط ومنشار يدوي صغير ليس أكثر من ذلك».

تابعَتْه عن قرب من خلال المشاركات في المعارض المتخصصة، ووصفته "كارميلندا رسلان" من مشروع "نساء يعدن الحياة" لتدوير الأقمشة؛ بالمُجد، وعنه تقول: «من خلال وجودي في المعارض، تعرفت على الحرفي "بسام سراي الدين" وأعماله المميزة التي تنمُّ عن شخصيته وكفاحه الطويل لإثبات ذاته في هذا المجال بشكل فردي وإحساس جميل بالفن، والحرص على تقديم مجسمات تعبّر عنه، على الرغم من افتقاره للأدوات الحديثة التي تسهّل عليه صنعها وتختصر عليه الوقت في إنجازها، "بسام" فنان وحرفي عصامي ومتجدد وماهر، وله أعمال ذات جودة عالية ومطلوبة بالأسواق، تكتمل فيها صفات الجمال والدقة، مثل أعمال البيت الدمشقي التي تعدُّ لوحة فنية متقنة تدل على جهد كبير بذله ليقدمها بأبهى الصور، في كل معرض نجد لديه مجموعات جديدة كونه يطوّر الفكرة والطريقة».

كارميلندا رسلان

"نبيل أبو غازي" مهتم بأعمال الخشب تابع معارضه، واقتنى منها ما راق له، ويرى أنه بحاجة للدعم، وقال: «بإمكانيات بسيطة صمم قوارب صغيرة، من مختلف الأنواع، وعندما تواصلت معه أطلعني على طريقة العمل، وكم يحتاج المجسم واللوحة لجهد وتعب ليكمل إنجازه، خاصة أنه يعتمد على التسويق ليتمكن من الحصول على مواد أولية لينتج الجديد، ومن وجهة نظري هذه الموهبة تحتاج لدعم أكبر كونه يخدم المشروع التراثي، ويساهم بشكل فاعل في تطوير العمل اليدوي والمحافظة عليه، وتقديمه للمجتمع بأجمل الصور، هذا العمل يحتاج لتكاليف كبيرة للحصول على المواد الأولية وطموحنا كبير أن يتمكن "بسام" من التسويق الخارجي، فأعماله ارتبطت بالبيئة المحلية وفيها نوع من التوثيق لبعض الصور التراثية، وقد قام بجهد كبير لنقل لقطات من المضافة والبيوت القديمة وهذا بدافع ذاتي لتجسيد الأجمل دائما».

الجدير بالذكر أن "بسام سراي الدين" من مواليد قرية "أم رواق" عام 1979 مقيم في قرية "الرحا"، قدم معرضه الفردي عام 2017، وبعدها سلسلة معارض جماعية، وكُرِّم من عدة جهات تقديراً لمشاركته الفنية والحرفية.