بدأ حياته شاعراً وعازفاً قبل أن يتخذ خطواته العملية بمبلغ أربعة آلاف ليرة سورية؛ معتمداً على دراسته وأفكاره الخلاقة التي يعدّها بوابة العبور نحو الاستقرار المادي والمعنوي، وممراً نحو العمل في الشأن العام.

لم يكن "سامر دنون" الذي التقته مدونة وطن "eSyria" في مدينة "شهبا" بتاريخ 11 تشرين الثاني 2015، شاباً عادياً على الرغم من الظروف القاهرة التي جعلته لا ينال مراده في شهادة الثانوية العامة، لكن الفن بقي زاده وملاذه في رحلته تلك، وقال: «نحن جيل السبعينيات كنا محظوظين، وفرصتنا تتمثل في أننا كنا آخر امتدادات هواة النوع وغنى التنوع، فكانت الموسيقا والأدب والمسرح أهم ما يؤسسنا ويعزز حضورنا، وكان دافعنا لنعيش الحياة ولا ننفقها، ومازلنا على الرغم من تغير الظروف، فجيلنا كان يزخر بالمواهب والمبدعين، وقد شاءت الظروف أن أنال علامات دون طموحي ومستواي في الثانوية العامة، فدخلت "المعهد المتوسط لهندسة الكمبيوتر" عام 1992، وبعد التخرج التحقت بخدمة العلم، ثم توفي والدي، وكان الفقر عنواناً لكل تحركاتي وهو وراء تأخر أي خطوة كنت أطمح بها، وفي عام 1997 تقدمت إلى وظيفة مندوب مبيعات لشركة سويسرية مع 400 شاب وشابة ونجحت بالاختبارات الأولية، وكنت الأول من ضمن ثمانية أشخاص نجحوا في الاختبارات، ومن هنا انطلقت بعد أن خضعت للكثير من الدورات في مهارات التواصل والتسويق وفن المبيعات والتفاوض، وإدارة الضغوط والأزمات، وغيرها».

تأكيداً على أن الوطن يبُنى بالمحبة والمشاركة وليس بالإقصاء والإلغاء، كان هذا الأساس الذي عملتُ فيه مع "سامر دنون" ضمن فريق عمل لإطلاق حملة الإغاثة في "شهبا" وريفها؛ التي لم ينحصر عملها في الشأن الإغاثي فقط، بل تعداها ليطول برامج الدعم النفسي للأطفال كان أهمها إقامة مشروع صفوف علاجية للطفل؛ مستهدفين المتسربين من المدارس جراء الأحداث

اكتشف قدرته على أخذ زمام الأمور، وكان ينقصه المال حتى يبدأ، وأطلق على هذه الفترة مرحلة المراهقة الاقتصادية، وقال: «استدنت أربعة آلاف ليرة سورية من أحد الأصدقاء، ولو فشلت تجربتي لما تابعت الطريق، وكنت سأجد صعوبة في تسديد ذلك الدين، بدأت عملي من المدينة الجامعية، ثم سرعان ما أسست مكتباً في "دمشق" وبدأت بناء شبكة علاقات مع الشركات، ودخلت مجال تنظيم المعارض والتسويق والإعلان، كنت أعتمد على موهبتي في فن التفاوض وخبرتي في التسويق، ومن خلال صداقاتي المتعددة افتتحت مكاتب في "حلب" و"الحسكة" و"السويداء" و"لبنان" و"جرمانا"، ونجحت التجربة نجاحاً كبيراً قياساً بالإمكانيات الضعيفة التي بدأت بها، غير أن تداعيات المراهقة الاقتصادية تلك والدروس التي تعلمتها كانت الأساس الذي بنيت عليه أعمالي فيما بعد، فكان تفكيري ينصب دائماً في محاولة قراءة السوق وربط الظواهر فيما بينها، وقد ظهر ذلك جلياً عندما كنت في "بيروت" أتابع أعمالي، حسب حاجات السوق اللبنانية للمنتج السوري خصوصاً بعد التميز الذي أحدثه الأخير إثر القوانين الاقتصادية التي صدرت في تسعينيات القرن الماضي».

منظم مهرجان شهبا الأول

وتابع: «مررت بالمصادفة من أمام "برج في مدينة "عاليه"، وهنا استعرت عبارة مؤسس مدينة "لاس فيغاس" التي تقول: (هنا سيكون الفلامينغو)، كانت فكرتي تتلخص بنقل المنتجات السورية إلى لبنان بدلاً من ذهابهم إليها، وهو المشروع الذي تحول إلى مشروع دولي بسبب التعاقد الذي أبرم مع تعاونيات لبنان بما سمي لاحقاً "مركز المنتجات السورية"؛ حيث تعاقدنا على افتتاح خمسة مراكز بمعدل ألف متر في خمس تعاونيات موزعة لتغطي معظم الأراضي اللبنانية كانت مركزاً للبضاعة السورية من قطنيات وأقمشة ومنظفات وألبسة، ومع نجاح التجربة الكبير كان للفساد الذي استشرى في تعاونيات لبنان كلمته وضربته التي تلقيتها من دون حساب، عدت إلى "سورية" لتأسيس أول شركة أدوات كهربائية ومنزلية تبيع المواطن بنظام التقسيط، بقسط أسبوعي يبدأ بمبلغ خمسين ليرة سورية، ثم حصلت على وكالات حصرية من منتجات إيرانية وتركية وإسبانية، ومنها انطلقت نحو تأسيس شركة لإدارة المعلومات العقارية تقوم فكرتها على بناء قاعدة بيانات تشمل كل العقارات الموضوعة قيد التداول في البيع والشراء والاستثمار وأتمتتها وتسويقها إلكترونياً وميدانياً، والقيام بحملات المسح الاقتصادي واستبيان الرأي، والعمل على الربط بين تلك المعلومات وتوظيفها في الدراسات التسويقية ودراسة حجم المخاطر والأرباح بكل دقة».

يعدّ هدفه خلق حاجات جديدة للسوق وتلبيتها ورفع مستوى ثقافة الاستهلاك عند الناس وتغييرها، ونجاح الأفكار يعني له أكثر مما يعني له المردود المادي، وهو ما يحاول تطبيقه كمدير تسويق لأضخم "مول" تجاري بالمحافظة حالياً، وقال: «كنت وما زلت أؤمن بأن الإحصائيات هي الغائب الأكبر بوصفها حجر الزاوية عن كل المشاريع سواء في الحقل الاجتماعي أو الاقتصادي، وهي المؤشر العملي الذي بإمكانك الاستناد عليه كمقدمة لاتخاذ أي قرار صحيح، فالإحصائيات الخاطئة إشكالية بالمعنى الجدي والحقيقي، ومن هنا حاولت بكل ما أمتلك من إمكانيات أن أخرج بإحصاءات حقيقية وصادقة من خلال فرق من الشباب مدربين تدريباً صحيحاً، ويأخذون ثمن تعبهم لكي يقوموا بعملهم بكل أمانة بعيداً عن العواطف والمواربة، الشيء الذي أفادني كثيراً في فهمي للكثير من الظواهر الاقتصادية وقراءتي للخطوط البيانية للأسواق، وقد سخّرت تلك الخبرات والآليات والمعلومات التي حصلت عليها في عملي في الشأن العام إثر الظروف التي يعيشها الوطن، فكانت دليلنا في العمل الإغاثي؛ ولا سيما في عمليات المسح الاجتماعي وتحديد معايير و"روائز" لكل حالة، والتعاطي معها وفق تلك "الروائز"؛ مستندين على دعم المجتمع الأهلي في منطقة "شهبا" وأبناء المحافظة المغتربين، وأعدّ الإغاثة عملاً وطنياً قبل أن يكون إنسانياً، وهو ما ينطبق على الجانب الآخر المتعلق بالطفولة والمرأة، كل هذا العمل أعدّه ثقافة حياة مرتبطة بالأعمال التي ننجزها على المستوى الشخصي، ومعيار المواطنة هو مدى اهتمامك بالشأن العام».

العقارات سوق يستهدفه بالعلم والمعلومة

"نسيم الهادي" رئيس "نادي شهبا الرياضي" تحدث عن معرفته برجل الأعمال الشاب "سامر دنون" وأعماله بالقول: «برز "سامر دنون" في مدينة "شهبا" عام 2003 عندما دخل انتخابات مجلس المدينة مستقلاً كأصغر شاب ينافس أسماء معروفة وضامنة للنجاح، لكنه تصدر قائمة المستقلين بفارق كبير عن أقرب منافسيه في دورتين انتخابيتين متتاليتين، وقد ساهم بعدها بتأسيس "رابطة مشجعي نادي شهبا الرياضي" وترأسها، حيث عملت هذه الرابطة على ترسيخ وتفعيل العمق الاجتماعي للنادي وزيادة موارده، وتضافرت جهودها مع إدارة النادي ليصبح علامة فارقة على مساحة الجغرافية السورية، كما كان من مؤسسي الجمعية الخيرية في "شهبا" التي كان هدفها مساعدة الطلاب المحتاجين وتقديم المنح الدراسية، وبعد أن قامت على قدميها تركها لمن يود العمل، أما مهرجان "شهبا الأول والثاني" فقد كانت مبادرته ودراسته من خلال "مجلس مدينة شهبا"، وله الفضل في تأسيس "مجلة شهبا" التي كانت مهمتها تسليط الضوء على المغمورين، وقد برز بروزاً لافتاً عندما دخلت "سورية" في أزمتها من خلال فكره المنفتح، وتجسد ذلك بمساهمته في تأسيس لجان المواطنة والسلم الأهلي؛ التي تنطلق من مقدمات أهمها ترسيخ ثقافة الحوار وقبول الآخر».

وعن ذلك حدثتنا الشابة "راوية حرب" العاملة في الإغاثة والدعم النفسي قائلة: «تأكيداً على أن الوطن يبُنى بالمحبة والمشاركة وليس بالإقصاء والإلغاء، كان هذا الأساس الذي عملتُ فيه مع "سامر دنون" ضمن فريق عمل لإطلاق حملة الإغاثة في "شهبا" وريفها؛ التي لم ينحصر عملها في الشأن الإغاثي فقط، بل تعداها ليطول برامج الدعم النفسي للأطفال كان أهمها إقامة مشروع صفوف علاجية للطفل؛ مستهدفين المتسربين من المدارس جراء الأحداث».

شهبا المدينة التي يعشق