لم تكن تدرك "افتكار الجرماني" أنها تملك مهنة مطلوبة وقليلات هن العاملات بها، فعندما تعلمت التطريز على "الشال" كانت صغيرة العمر؛ مشحونة برغبة كسر روتين حياتها والقيام بشيء جديد، ولم تفكر في البداية أبداً بالبيع أو العمل لغير عائلتها.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 نيسان 2015 زارت السيدة "افتكار الجرماني" في منزلها الكائن في قرية "أم الزيتون" للتعرف إلى مشروعها، فكانت بداية الحديث عن أبرز دوافعها للعمل، تقول: «في ظل الظروف الراهنة تحاول السيدات قدر الإمكان المساهمة في مصروف المنزل، وعديدة هي المهن التي من الممكن العمل بها وتأمين مصدر للرزق، وللعمل اليدوي خصوصية وقلائل من يتقن العمل به، فهو يحتاج إلى مهارة وذكاء وصبر لإنجازه، فعندما تعلمت التطريز على "الشال" -غطاء الرأس للسيدات في السويداء- كنت أرغب بتعلم فن جديد إضافة إلى الفنون الأخرى التي أتقنها، فأنا أجيد التطريز والحياكة والتطريز على "الطارة" باستخدام الماكينة، فكان من السهل علي تعلم التطريز على "الشال"، وما شجعني على ذلك هو الإقبال الكبير على ارتدائه من قبل سيدات المدينة وريفها».

أنا لم أعتد ارتداء "الفوطة" إلا في مناسبات العزاء، أما في الحياة العادية فلا أرتديها أبداً، بعضهن يرتدينها في الأعراس مع "البدلة العربية" وهذا أمر شائع، وهناك من يرتدينها باستمرار ومنهن المتدينات والعجائز في قريتنا، فهي تضفي الحشمة والوقار على السيدة

كان عملها بدايةً لأهل بيتها والمقربين منها، أما عن تطور العمل فأكملت: «تلقيت تشجيعاً قوياً من صديقاتي في "شهبا" لأدخل سوق العمل من خلال تطريز الشالات، فقد كنت مكتفية بأهالي القرية فقط، وأقصد الراغبات منهن بارتداء الشال المطرز، ومنذ أربع سنوات بدأت العمل على نطاق واسع وفعلي، فالشال يحتاج إلى جهد وصبر كي يصبح جاهزاً، وقد أضفت إلى شكله التقليدي بعض النقوش التي ترغب بها السيدة.

السيدة "منى الحناوي" ترتدي الزي الجبلي

وهكذا بدأت التسويق في مدينتي "شهبا" و"السويداء"، إضافة إلى قريتي "أم الزيتون"، وتعاقدت مع عدد من المحال التجارية للتسويق، فالتاجر يؤمن لي القماش وأنا أقوم بقصه حسب المقاسات المطلوبة ثم تطريزه».

القماش الذي يصنع منه "شال" الرأس له عدة أنواع، وله مقاسات محددة متعارف عليها، حدثتنا عنها السيدة "افتكار" بالقول: «نوع الشال يختلف باختلاف القماش، ولكل نوع مناسبة خاصة للارتداء، فمن القماش لدينا: "الفوال والجرجيت والشاش"، يعرف قماش "الجرجيت" بأنه ناعم وشفاف نوعاً ما، وله سماكات مختلفة، يأتي بعده "الفوال" بسماكة أكبر، ومن ثم "الشاش" المعروف بأنه سميك وترتديه النسوة المتقدمات بالعمر، وجميع السيدات في مناسبات العزاء.

الفوطة بعد انتهاء التطريز

وبالنسبة للمقاسات فمن المعروف أن طول الشال 175سم، وعرضه 100سم، ومن الممكن أن نقوم بقصه إلى قسمين، حيث يطلق عليه اسم "اللفحة"، وهي الأكثر ارتداء نظراً لأنها تناسب أي زي ترتديه السيدة، أما الشال فهو حكر على مرتديات "البدلة العربية" على وجه التحديد.

العمل في التطريز على الشال يشبه التطريز على "الطارة" باختلاف نوع القماش، إذ يجب استخدامها لتثبيت القماش جيداً ثم البدء بالتطريز باستخدام الماكينة».

رسوم متنوعة

أسعار الشالات المطرزة تختلف عن العادية؛ لما فيها من أجور التطريز، وفيما إذا كانت الأجور تفي الصانع حقه؛ أضافت السيدة "افتكار": «دائماً تقدر أجور العمل اليدوي بمقدار التعب والوقت الذي يستغرق لإنجازه، وعلى هذا الأساس في القرية أرى أن الأجور بحاجة إلى إعادة نظر، وهي تختلف وفقاً للرسوم التي أقوم بتطريزها ونوعية القماش، ولكن لا ننسى أن للتجار هوامش محددة للربح أيضاً لأنهم مصدر القماش، وهذا ما يجعل أجور العمل اليدوي قليلة نوعاً ما».

السيدة "منى الحناوي" من سيدات القرية اللواتي اعتدن وضع غطاء الرأس دائماً، قالت: «ارتداء الشال أو غطاء الرأس عادة شائعة ومنتشرة لدى السيدات في محافظة "السويداء"، وفي قريتنا أغلب السيدات يضعن غطاء الرأس، سواء ارتدين "البدلة العربية" أم أي زي آخر، فهي مكملة للزي الجبلي وتضفي على السيدة رونقاً جميلاً، في مناسبات العزاء الجميع من دون استثناء يرتدين الشال، سواء الصبايا أو الكبيرات بالسن، فهذا عرف اجتماعي من الصعب تخطيه، أما ما تفعله "افتكار" فهو يعد إضافةً إلى الشال الجبلي، فهي تسعى جاهدة لترك بصمة مميزة على عملها، وما تنتجه يجد قبولاً واسعاً في المنطقة».

السيدة "خلود مكارم" أضافت قائلة: «أنا لم أعتد ارتداء "الفوطة" إلا في مناسبات العزاء، أما في الحياة العادية فلا أرتديها أبداً، بعضهن يرتدينها في الأعراس مع "البدلة العربية" وهذا أمر شائع، وهناك من يرتدينها باستمرار ومنهن المتدينات والعجائز في قريتنا، فهي تضفي الحشمة والوقار على السيدة».