تعكس النباتات الطبية المنتشرة في محيط قرية "سهوة بلاطة" حالة من التنوع الغني الذي استثمره الأهالي وفق الحالة التقليدية والمحدثة التي حققت مردوداً اقتصادياً وصحياً متميزاً.

في هذه القرية الجبلية جنوب شرق مدينة "السويداء" يظهر اهتمام الأهالي بما جادت به الطبيعة من نباتات عرف عن فوائدها الكثير، مدونة وطن "eSyria" تجولت في القرية لاستقصاء حالة التفاعل الإيجابي مع هذا المنتج الطبيعي، لنجد من أبناء القرية من أعاد جمع البذار وزرع النباتات الطبية البرية بطريقة ممنهجة للاستفادة منها والمحافظة على أصولها الوراثية، ومنهم السيد "آصف الحناوي". ولنستمع لنساء استثمرن النباتات وفق الحالة التقليدية والسائد في المنطقة كالسيدة "فكرية كحل" وهي ربة منزل نالت مجموعة من الجوائز لاهتمامها بكل ما هو طبيعي وقدمته من خلال المعارض المتخصصة، كما حدثتنا بتاريخ 3 شباط 2015 فقالت: «أنا ربة منزل ولدي اهتمام خاص بالعمل المنزلي والاحتفاظ بكل ما هو طبيعي، ومن زار قريتنا يتعرف عن قرب الخير الوفير الذي تجود به هذه الأرض، فإضافة إلى المنتجات الزراعية للأشجار المثمرة والمحاصيل؛ تنتشر في محيط القرية والأراضي الوعرة أنواع مختلفة من النباتات التي نعتمد عليها للوقاية والعلاج.

قائمة كبيرة من المنتجين قدموا أنواعاً مختلفة خلال فعالية "سوق ضيعتنا" خلال الأعوام الفائتة، وكان للنباتات الطبية حضور واضح، وما لفتني وجود شريحة مثقفة تعاملت مع النباتات بفهم كامل لماهية انتشارها الطبيعي بالقرية والفائدة الطبية والعلاجية، وحاولنا من خلال المنتجين تقديم بروشورات ومعلومات وافية عنها ليكون للطالبين لهذه الأنواع -وأقصد الشركات الطبية- فرصة التوجه للمكان والحصول عليها من مصادرها، مع أننا نطمح لاستثمار أكثر جدوى وفائدة يخرج من الحالة التقليدية ليدخل مسارات الاستثمار العلمي الحقيقي، وأن تكون هذه النباتات المادة الأولية لشركات أدوية متخصصة في المنطقة ذاتها؛ وهذا مشروع وحلم مستقبلي

وبالنسبة لي فقد قمت بتجفيف عدة أنواع منها مثل: "الزعتر، والمردكوش، والبابونج، والغار" الذي زرعته في المنزل أيضاً، ومختلف الأنواع التي ظهرت بكثرة في منطقتنا، وقد قدمتها لكل من طلبها وشاركت بهذه الأنواع في عدة معارض أقيمت في "دمشق" ومدن أخرى، وبناء على هذه المشاركات كُرّمت من قبل السيدة الأولى عام 2008 وجهات أخرى لما قمت به للتعريف بما لدينا من أنواع تطلب كثيراً وتحوي عناصر طبية تطلبها الشركات الدوائية وجهات متخصصة.

التجفيف المنزلي للزعتر

وخلال هذه المرحلة بات طبيعياً نشاط السيدات والاهتمام بكل ما استطعن زراعته من هذه النباتات، ليكون في المنزل ما يكفي منها، وهناك عدد كبير من الأهالي يقومون بأعمال التجفيف في المنزل والبيع لمن يطلبها من التجار».

قائمة طويلة اختبرها السيد "آصف الحناوي" صاحب مشتل للأصول الوراثية في القرية؛ الذي حدثنا عن تجاربه في زراعة هذه النباتات في الحدائق المنزلية، للمحافظة على أصولها الوراثية وحمايتها من الحصاد الجائر، وقال: «بالنسبة لأهالي المنطقة فإنهم تعودوا ظهور هذه النباتات في مواسم مختلفة، وعملوا جاهدين للتعرف إلى أنواعها وتميز أصنافها ومتابعة المفيد منها وجمعه للفائدة المنزلية والبيع في الأسواق، وتلبية لحاجة الأشخاص الذين يطلبونها في مواسم الربيع، وحققت مردوداً جيداً، ووفق تعبير دارج فهذه النباتات يطلق عليها اسم "الذهب الأخضر"، ولا بد من الاستفادة منها والمحافظة عليها بوصفها ثروة لها قيمتها الاقتصادية والصحية.

السيد آصف قسام الحناوي أثناء متابعة النباتات

ولأنني مهتم بها فقد سخرت جانباً من عملي لمراقبة هذه النباتات ومتابعة مواسم الإزهار ونضج البذور لأجمعها وأقوم بزراعتها من جديد في مشتلي، وكانت العملية رغم الجهد والتعب ناجحة وحققت لي غاية المحافظة على أنواع مهمة وفريدة منها، وهي اليوم مصدر غني أستثمره كثيراً وأقدمه لمن يطلبه.

ومن المفيد هنا أن نتعرف بعض هذه الأصناف التي تواجدت في أراضي القرية منذ القدم مثل الزعتر البري واسمه المحلي "زعيتري"، وهو مفيد ووجوده قليل، وقد جمعته وأعدت زراعته وتكاثر وفتح الباب أمامنا للتعامل مع أصناف كثيرة يمكن استثمارها، وكلها مطلوبة للاستخدامات الطبية إضافة للغذائية، ونبات "النسرين" البري المفيد لرفع المناعة على شكل شجيرة، ولم يكن هناك اهتمام به رغم أنه يضاهي أقوى المضادات الحيوية، فنجمع ثماره ونستثمرها، وله ثمار مميزة، وهنا نستفيد من الأزهار والثمار.

الزعرور البري نبتة منتشرة في السهوة

ولشجرة الزعرور الحراجية ثمار لذيذة تعرضت لتعديات كبيرة، وقمت بزراعتها نسبة لفوائدها لكونها تعطينا أزهاراً معدلة للضغط ومنشطة للدورة الدموية، وهي منتشرة بالمنطقة وتحتاج إلى الحماية بمواقعها، يضاف إلى ذلك قائمة متنوعة وكبيرة، قد تكون "سهوة بلاطة" من القرى الأكثر إنتاجاً لها وتقدم مردوداً جيداً، وقد قامت مجموعات متخصصة بدراسة هذا التنوع والإضاءة على أنواع جديدة نمت طبيعياً وهناك قابلية لاستثمارها.

أنواع مطلوبة عالمياً كان انتشارها خجولاً لكنه اتسع اليوم كما أخبرنا السيد "آصف" بالقول: «خلال العقدين الماضيين ظهرت تغيرات طفيفة على الخارطة النباتية في المنطقة، قد يكون الحصاد الجائر أحد أسبابها، لكن بالمقابل ظهرت للمتابع أنواع جديدة توصف بالنادرة، والظاهر أن فرص انتشارها متوافرة في هذه المرحلة مثل "القبار" المعروف عالمياً واسمه "الكبر"، نقلت من بذوره للمشتل ونجحت زراعته نجاحاً مميزاً، ويعرف الجميع أهمية ثماره الثمينة ومردودها الاقتصادي، إلى جانب نبات "الخزامى العطري" الذي زرعنا عدة أنواع منه، وأنواع من "العكوب" المطلوبة ثماره لتصنيع أدوية تنظيف وتنشيط الكبد، وعدد كبير من النباتات التي نعتني بها لكوننا تعرفنا قيمتها الصحية».

نباتات القرية مشاركة دائمة في "سوق ضيعتنا" لعدة مواسم؛ كما حدثتنا السيدة "سماح التقي" مديرة السوق وقالت: «قائمة كبيرة من المنتجين قدموا أنواعاً مختلفة خلال فعالية "سوق ضيعتنا" خلال الأعوام الفائتة، وكان للنباتات الطبية حضور واضح، وما لفتني وجود شريحة مثقفة تعاملت مع النباتات بفهم كامل لماهية انتشارها الطبيعي بالقرية والفائدة الطبية والعلاجية، وحاولنا من خلال المنتجين تقديم بروشورات ومعلومات وافية عنها ليكون للطالبين لهذه الأنواع -وأقصد الشركات الطبية- فرصة التوجه للمكان والحصول عليها من مصادرها، مع أننا نطمح لاستثمار أكثر جدوى وفائدة يخرج من الحالة التقليدية ليدخل مسارات الاستثمار العلمي الحقيقي، وأن تكون هذه النباتات المادة الأولية لشركات أدوية متخصصة في المنطقة ذاتها؛ وهذا مشروع وحلم مستقبلي».

الجدير بالذكر، أن السيد "آصف" كما عدد كبير من الأهالي من الموزعين لهذه النباتات كشتول ومجففات، وهو أحد عناصر فريق التنوع الحيوي الذي درس الغطاء النباتي في "السويداء" وقراها خلال العقد الفائت.