عاد من غربته ليصنع مشروعه الخاص بعيداً عن السفر، وقد وجد ضالته في بناء مزرعة للأبقار كضمانة لأسرته، ومصدراً للعيش الكريم، وعلى الرغم من غلاء تكاليف الإنتاج إلا أنه تكيف مع الواقع وبات العمل متعة لا تضاهى.

مدونة وطن "eSyria" التقت المربي السيد "شبيب سلام" في قريته "طربا"، يوم الثلاثاء الواقع في 10 كانون الأول 2014، الذي تحدث عن بداية العمل، وإنشاء المزرعة: «قضيت في الغربة زمناً طويلاً حتى شعرت بالحاجة الماسة للاستقرار في القرية مع العائلة، فقررت بناء مزرعة صغيرة تعينني على أعباء الحياة، وتكون مصدراً للرزق يعمل فيها أبنائي ويلغون من قاموسهم فكرة السفر، وكانت التكاليف في الماضي بسيطة وبإمكاني القيام بأي مشروع يدر دخلاً معقولاً، فكانت فكرة المزرعة التي قمت بإنشائها لتربية الأبقار حصراً لكون التعامل معها أسهل من باقي المواشي التي تسبب في أحيان كثيرة مشكلات في المبيت والرعي، كان ذلك قبل ست سنوات والأحوال في البلد مزدهرة ولا يوجد أي شيء يمكن أن يوقف المرء عن العمل والإنتاج بحرية، فبعد أن أنشأت المبنى كانت التفاصيل الباقية سهلة لكوني ولدت في بيئة زراعية ويعمل أهلها بالزراعة وتربية المواشي».

أنام بينها باستمرار، وأعمل بطاقة كاملة منذ الفجر، أقوم بإطعامها وحلبها، وبنقل الحليب إلى المنزل لتصفيته، والتنظيف و(السراحة) بها في الصيف والربيع، والعلاقة مع كل واحدة تكون منذ الدقيقة الأولى للصباح فمراقبة البقرة ضرورية لمعرفة حالتها الصحية والاطمئنان عليها قبل حلبها، وأقوم بالتمسيد على رقبتها لتشعر بالحنان والاهتمام، وفي السابق كنت أبات معها في المزرعة ولا أعود إلى المنزل، وقد بقيت على هذه الحالة مدة سبعة شهور متواصلة، وعلى الرغم من ضيق المكان حالياً إلا أن العمل مستمر، فهي مهنة كأي عمل آخر، ويكفي أننا نعمل برزقنا، ولا نحتاج للسفر بعد أن جربناه

عندما انتهى البناء والتجهيزات الخاصة بالمبيت والإطعام والكهرباء، والغرف الخاصة المستقلة بالعمال والحليب والعلف، بدأ مشروعه بعدد قليل من الأبقار، وتعاون مع أبنائه بالعمل، وأقام مع العائلة مشروعاً صغيراً قابلاً للحياة والإنتاج، وتابع: «كان العمل يسير مثلما خططنا، ولا شيء يعيق التوسع والتصريف، فكنا نتعاون على "ورديات" من أجل البقاء كل اليوم في المزرعة، وكانت الفترة الصباحية هي الأكثر صعوبة، ففي الصباح من عليه دور المبيت في المزرعة يقوم بكافة الأعباء من التنظيف (وهي أصعب الأعمال) إلى الإطعام والسقاية، إلى الحلب على الآلة التي وفرت الوقت والجهد، وبإمكان شخص واحد التعامل معها، وعند الانتهاء من الحلب نقوم عادة بالاتصال مع شخص لأخذ الإنتاج إلى أصحاب (الملابن)، فأي مشروع مهما كان صغيراً يشغّل عدداً لا بأس به من الناس، وعندما لا يتوافر موزع أو مشترٍ للحليب كنا نأخذه إلى المنزل حيث تحوله النساء إلى مشتقات مثل الجبن واللبن والسمن والخاثر، لتلبية طلبات الزبائن المحليين، وهكذا حتى باتت المزرعة تضم اثني عشر رأساً من الأبقار المنتجة، وهي مع الوقت تكبر دائماً بفضل المواليد الجديدة التي نتمنى أن تكون أنثى لأنها بعد سنتين من العناية تصبح بقرة منتجة بعكس الذكر الذي يأكل الكثير ولا يجلب المال المرتجى منه، وكنا نعتمد على الأرض في إطعام الأبقار وخاصة في فصلي الربيع والصيف لما للأعشاب من فوائد جمة عليها وعلى إنتاجها، وهو ما يتطلب منا (السراحة) بعيداً عن المزرعة، تلك الأيام كانت مصدر سعادة للجميع فالسجن قاسٍ على الأبقار وبحاجة دائمة للترويح عن النفس، وهي تتشارك مع الإنسان بذلك».

وقت الظهيرة استراحة الشمس.

تغيرت الأوضاع مع السيد "شبيب سلام" وأبنائه خلال السنوات الماضية، فكان لا بد من التكيف مع الواقع كما هو حفاظاً على الرزق، وعلى الرغم من العبء الكبير الذي تحمله عندما هجر مزرعته والعودة بالقطيع إلى "زريبة" المنزل، إلا أنه ظل صامداً يعمل بجد ودون كلل، وأضاف: «لا غاز أو محروقات يمكن أن يعينك على الاستمرار وسط هذه الظروف القاسية، وبات المشروع في مهب الريح بسبب القحط الذي نعاني منه طوال سنوات، فـ"التبن" الغذاء الأساسي للبقر ارتفع سعره ارتفاعاً جنونياً، والأعلاف عبء يومي نتحمله على مضض، فهذه المخلوقات تحتاج للغذاء والرعاية حتى تعطيك، وإذا تغير نظام الطعام يمكن أن تمرض بسهولة ويجف حلبها أو تخسر حملها الذي يعوض عليك بعض الخسائر، فكان الحطب وسيلة مهمة من أجل غلي الحليب عندما نعجز عن تصريفه، لدينا 12 بقرة نقلناها إلى البيت وتركنا المزرعة بسبب الظروف، وهو ما ترتب علينا عناء في المكان الضيق، ولكن تبقى مسألة الرعي بالبقر شيئاً جميلاً، فلدينا ثلاثة أمكنة صغيرة نزرعها من أجل إطعامها في فصل الربيع، وهو ما يمثل متعة لا تعوض، والحقيقة إن التعامل معها وصل لمرحلة كبيرة، فهي تفهم بالصوت ماذا أريد منها، وتعرف تماماً متى تتوقف عن المشاغبة، وقد لاحظت أنني لم أغادر المنزل أو المزرعة مدة أسبوع كامل، فالعمل ممتع على الرغم من التعب، وينسيك الجميع».

أما ولده الشاب "وسام سلام" فأفصح عن عمله بالقول: «أنام بينها باستمرار، وأعمل بطاقة كاملة منذ الفجر، أقوم بإطعامها وحلبها، وبنقل الحليب إلى المنزل لتصفيته، والتنظيف و(السراحة) بها في الصيف والربيع، والعلاقة مع كل واحدة تكون منذ الدقيقة الأولى للصباح فمراقبة البقرة ضرورية لمعرفة حالتها الصحية والاطمئنان عليها قبل حلبها، وأقوم بالتمسيد على رقبتها لتشعر بالحنان والاهتمام، وفي السابق كنت أبات معها في المزرعة ولا أعود إلى المنزل، وقد بقيت على هذه الحالة مدة سبعة شهور متواصلة، وعلى الرغم من ضيق المكان حالياً إلا أن العمل مستمر، فهي مهنة كأي عمل آخر، ويكفي أننا نعمل برزقنا، ولا نحتاج للسفر بعد أن جربناه».

التأقلم مع الواقع حطب ودجاج.
المواليد الجديدة.