لملم تفاحه المتساقط بيديه المتشققة من التعب، وأظافره الملأى بالتراب، وفكر أين يذهب بتلك الثمرات الصغيرة، حتى اكتشف أن هناك رجلاً في مدينة "شهبا" يستقبل (الهرارة) ليصنع منه دبساً أطيب من دبس العنب، فكان أن حمل محصوله رخيص الثمن ليجلب رزقاً طيباً.

مدونة وطن "eSyria" التقت المزارع "عبد الله غانم" القاطن في قرية "المشنف" يوم الجمعة الواقع في 14 تشرين الثاني 2014، فتحدث عن واقع مرير كان يعيشه قبل ثلاث سنوات من الآن، وقال: «لم يكن الموسم على ما يرام، فالمطر كان ضعيفاً، والرياح العاتية أضعفت أغصان الأشجار، وقلعت الأوراق منها، وأسقطت التفاح الصغير على الأرض، فأصبنا بالصميم، وكانت (الهرارة) تمثل ثلث الموسم، فنتلقفها ونبيعها علفاً للحيوانات بأسعار زهيدة رغماً عن أنوفنا، كنت أشفق على أبنائي وتعبهم الذي ضاع هباءً، فليس أقسى على المزارع من موت شجرة أو موت ثمارها، وبقينا نبيع الثمار الصغيرة زمناً طويلاً حتى علمنا أنه يمكن أن تكون دبساً خالصاً بفضل رجل في مدينة "شهبا" اخترع آلة لفرم التفاح وتحويله إلى دبس، وهكذا بات تفاحنا الصغير ثروة طيبة الطعم بعد أن كان نقمة».

لم يكن الموسم على ما يرام، فالمطر كان ضعيفاً، والرياح العاتية أضعفت أغصان الأشجار، وقلعت الأوراق منها، وأسقطت التفاح الصغير على الأرض، فأصبنا بالصميم، وكانت (الهرارة) تمثل ثلث الموسم، فنتلقفها ونبيعها علفاً للحيوانات بأسعار زهيدة رغماً عن أنوفنا، كنت أشفق على أبنائي وتعبهم الذي ضاع هباءً، فليس أقسى على المزارع من موت شجرة أو موت ثمارها، وبقينا نبيع الثمار الصغيرة زمناً طويلاً حتى علمنا أنه يمكن أن تكون دبساً خالصاً بفضل رجل في مدينة "شهبا" اخترع آلة لفرم التفاح وتحويله إلى دبس، وهكذا بات تفاحنا الصغير ثروة طيبة الطعم بعد أن كان نقمة

كان "عادل الشحف" جريح غارة غادرة من قبل العدو الصهيوني، والمولود في "شهبا" عام 1950 يصنع دبس العنب في معصرته الكائنة قرب "تل المسيح" عندما قدم إليه رجلان عند انتهاء الموسم طالبين منه إيجاد طريقة للتفاح الصغير المتساقط بكميات كبيرة، وتابع يروي القصة: «جاء إلي منذ ثلاث سنوات المهندس "حاتم أبو راس" رئيس الغرفة الزراعية في المحافظة، والسيد "شحاذة قطيش" مسؤول التسويق في اتحاد الفلاحين، وكان أن طلبا مني إيجاد طريقة لمساعدة مزارعي التفاح على تجاوز أزماتهم المتعلقة بـ"الهرارة" التي وصل ثمنها في بعض الأحيان إلى ليرة سورية واحدة، وتباع لمربي الأبقار والأغنام، كنت بحاجة للمال وللوقت حتى تختمر الفكرة في رأسي جيداً، حاول الرجلان وسعهما لتأمين قرض مناسب يساعداني به على النهوض بما يخدم الفكرة، ولكن الأمر لم ينجح، فقررت المضي بالعمل وحدي بعد أن استشرت بعض الأصدقاء (المجانين) الذين يمتلك بعضهم مخرطة، فكانت فكرة (المبرشة) التي استقيت فكرتها من العصارة العادية للفاكهة، وبعد تجارب طويلة على تفاحي وتحسين الآلات وتغيير بعضها كان الدبس الذي يضاهي دبس العنب إن لم يكن أطيب».

التفاح المهروس أمام آلة البد.

وبين طريقة العمل، وصولاً إلى مرحلة الإنتاج: «تنتج المعصرة ما بين اثنين وثلاثة أطنان في اليوم الواحد، وهي مكونة من أربع شفرات تنشق من المحور الأساسي حيث تبرم الشفرات مع المحقان المائل ومزراب للتفاح، تقوم الشفرات بقطع التفاح وأخذه إلى الفتحات، ولكن هذه "المبرشة" لا تعطي العصير حيث يبقى التفاح "المبروش" في الأرض حتى يتحول لونه إلى أحمر ويكون مملوءاً بالماء، ويوضع في (البدّ) وهي آلة يدوية مخصصة للضغط، حيث يتم ضغطه بواسطة عامل البد فيخرج السائل منه، ولكنه يأخذ وقتاً أكثر من العنب لأنه أقسى، وهكذا يتابع السائل طريقة إلى الخلاقين الكبيرة للتصفية، وبعد أن يروق في خزان كبير يصل إلى مرحلة السلق، وإزالة الشوائب منه حتى يصل إلى الغلي المرحلة النهائية في العملية، فيتم نشله ووضعه في جرار كبيرة نحاسية للتبريد قبل أن يسلم للزبون، فمن الخطأ وضعه في أوانٍ بلاستيكية قبل أن يبرد».

تكيف "عادل الشحف" مع شح مصادر الطاقة التي تعد العامل الأساسي في العملية كلها، فصنع مضخة خاصة تعتمد على ضغط الهواء المترافق مع المازوت وصولاً إلى بيت النار المملوء بتفل الزيتون المجفف فأنتج ناراً مناسبة للعمل، ويتابع وصف العمل والمقادير والوقت الذي يحتاجه لإنهاء العملية: «كانت مشكلة الشح في مصادر الطاقة عقبة كبيرة أمامنا، ولكن العمل يتطلب منك التكيف مع الواقع، وأعكف الآن على تصميم مروحة هوائية كبيرة من أجل إنتاج الكهرباء في المعصرة، فالمكان الذي أنا عليه يتمتع بارتفاع عال، والرياح تخدمنا كثيراً. أما من حيث المقارنة بين دبس العنب ودبس التفاح فهي عملية سهلة حيث اكتشفت أن كل تنكتين من عصير العنب تساوي بين العشرة والاثني عشر كيلوغراماً من العنب، أما التفاح فيساوي سبعة إلى ثمانية كيلوغرامات، ويأخذ من الوقت ما يقارب الساعتين إلا ربع الساعة بزيادة عن عصير العنب ما يقارب الأربعين دقيقة، ولذلك فهو أغلى سعراً من دبس العنب، تنتج المعصرة حوالي 800 تنكة دبس تفاح في السنة، ومع الوقت بات الناس أكثر ميلاً لهذا المنتج، ويضيف إلى المائدة فوائد كثيرة».

التفاح المهروس في البد.

يذكر أن المعصرة تقع على حافة "تل المسيح" الغربية في أراضي مدينة "شهبا" الزراعية الخصبة، ويعمل فيها سبعة عمال طوال موسمي عصر العنب والتفاح.

دبس التفاح في المراحل النهائية.