اكتشف أن مئات الأطنان التي يخلّفها عصر الزيتون تذهب رخيصة دون أي فائدة تذكر، ففكر بالمكونات الأساسية ليكتشف أن "التفل" أو ما يطلق عليه بالمنطوق الشعبي "العجرم"؛ يمكن أن يكون بديلاً فعالاً للحطب، وفعاليته أقوى من المازوت، وبعد تجارب فاشلة نجح في تحويله إلى حطب يغزو الأسواق.

مدونة وطن "eSyria" التقت الصناعي "نبيل نجم الحرفوش" في معصرته الكائنة شرق مدينة "شهبا" يوم 1 تشرين الأول 2014، ليتحدث عن فكرة الحطب والآلات التي صنعها لذلك: «كان "التفل" الذي تخلفه آلات العصر عبئاً كبيراً علينا، وباتت الأكوام تشكل تلالاً؛ لا حل لها سوى بيعها لتجار من خارج المحافظة بسعر يصل لألفي ليرة سورية للطن الواحد من أجل صناعة الصابون وفحم "الأراكيل"، كانت درجة الحرارة التي يختزنها "التفل" مخيفة حتى في الشتاء، ولا يمكن أن تغرز يدك في نارها بالصيف، ومن هنا جاءت الفكرة، فقد جئت بداية بمكبس البلوك العادي ووضعت التفل في قوالبها، ولكن النتيجة كانت سيئة لأنه لم يعط الضغط المطلوب، لم أيئس مطلقاً بعد أن اكتشفت بداية الخيط نحو الهدف، وقد استعنت بقريبي المخترع "جهاد الحرفوش" الذي لا يعجز عقله عن حل أي مشكلة ميكانيكية نهائياً، وله تجارب معروفة لا يحدها حدود، واقترحت عليه النمط الذي أفكر فيه، فصنّع آلة صغيرة يقوم مبدؤها على عجن التفل والضغط عن طريق حلزون، وفي قلب الماكينة سيخ حديدي يخترق قطعة التفل من أجل سرعة احتراقها، وقد نجحت التجربة نجاحاً كبيراً غير أن الإنتاج كان بطيئاً، ولا يفي بالغرض على الرغم من أنها اشتغلت لفترات طويلة وما زالت قادرة على العمل».

للسنة الثانية على التوالي آتي إلى هذه المعصرة لشراء حطب التدفئة هذا، فهو رخيص الثمن، وسهل التعامل معه، والأهم من ذلك أنه يشتعل بصورة سلسة، وغير مؤذٍ نهائياً، ونار القطعة الواحدة كبيرة وتدوم لتتجاوز الساعة الواحدة، وبرأيي إن التعامل معه أسهل من التعامل مع الحطب وأنظف، وكذلك الأمر بالنسبة للمازوت فهو في النهاية مادة كيميائية مضرة، وغالية الثمن، وهذا الاختراع وجد من أجل الفقراء

وتابع: «كانت المرحلة الثالثة التي حاولت من خلالها الوصول إلى الكمال في إنتاج القطع هي تصنيع آلة كبيرة بقطّاعة آلية لا تحتاج سوى إلى ثلاثة عمال فقط لتشغيلها، وهو ما تم بعد أن علمت أن هناك معملاً في مدينة "إدلب" قادراً على صنع آلات حسب الطلب، فاتصلت به وتناقشنا بالفكرة لمدة طويلة حتى اختمرت نهائياً، وكان هو الآخر يصنع آلات لكبس الحطب، وخطوط لإنتاج فحم "الأراكيل"، وهكذا قام بتصنيع الآلة المطلوبة التي وفرت الوقت وزادت من الإنتاج، حيث تنتج في اليوم الواحد 2 طن من التفل الذي يخرج منها قطعاً متوازنة أسطوانية الشكل بطول 25سم، وقطرها الخارجي 10سم، وبوزن 2 كيلو و200 غرام».

العمال أمام الآلة.

أما فيما يتعلق بالميزات لهذه القطع المصنوعة من تفل الزيتون، وعلاقتها مع البيئة، فأكد: «عند إنتاج القطع يكون وزنها الفعلي 2 كيلو و200 غرام، وهي ثقيلة لأنها رطبة وتحتاج لوضعها بالشمس حتى تنشف وتصبح جاهزة للاشتعال حيث يصبح وزنها كيلوغرام ونصف الكيلو، ونستخدم لتجفيف "التفل" في الشتاء الفرن الحراري الذي صنعه أيضاً "جهاد الحرفوش"، ويعمل من التفل الجاف أيضاً، ويتألف من حوض صغير لوضع التفل فيه، حيث ينتقل إلى حوض أصغر عن طريق سيّار ناقل (قشاط حديدي) إلى داخل الفرن الحديدي السميك المعمر من الداخل بالآجر الذي يتحمل الحرارة المرتفعة، وهذا السيّار يأتي بالتفل من الخلف ليرميه ناشفاً من الأمام، وعندما تدخل القطعة في (الوجاق) أو مدفأة الحطب تبقى مشتعلة لمدة ساعة كاملة، وحرارتها أقوى من الحطب العادي ومن المازوت المخصص للتدفئة، وهي رخيصة الثمن مقارنة مع غيرها، ولا تضر البيئة لأنها تشتعل بصورة طبيعية، ولولا ذلك لما كنا صنعنا قالباً واحداً، والطلبات تفوق المتوقع خاصة بعد تجربتها في السنة الماضية».

السيد "علاء الحرفوش" المشرف على الآلة تحدث عن الأخطار الواجب الوقاية منها، ووضع العمال، فقال: «يمكن أن يصل إنتاجنا هذه السنة لما يقارب 300 طن من "التفل"، ولا يوجد أي خطورة تذكر عدا الانتباه للقطاعة الآلية، وعدم الاقتراب منها، حيث تعمل بصورة آلية على تقطيع الأسطوانات القادمة من الحوض، ونقلها على سيار حديدي بانتظام ليستقبلها العمال بسلاسة، ويعمل في الورشة 12 عاملاً ثلاثة منهم على الآلة الرئيسية المنتجة للقطع، والباقي يقومون بوضعها بعد أن تنشف في الأكياس الخاصة وربطها لتصبح جاهزة للبيع».

السيدان جهاد ونبيل الحرفوش أمام الفرن.

وقد التقينا السيد "مجدي الشومري" القادم من قرية "سهوة البلاطة" لشراء حطب "العجرم"، حيث قال: «للسنة الثانية على التوالي آتي إلى هذه المعصرة لشراء حطب التدفئة هذا، فهو رخيص الثمن، وسهل التعامل معه، والأهم من ذلك أنه يشتعل بصورة سلسة، وغير مؤذٍ نهائياً، ونار القطعة الواحدة كبيرة وتدوم لتتجاوز الساعة الواحدة، وبرأيي إن التعامل معه أسهل من التعامل مع الحطب وأنظف، وكذلك الأمر بالنسبة للمازوت فهو في النهاية مادة كيميائية مضرة، وغالية الثمن، وهذا الاختراع وجد من أجل الفقراء».

حطب العجرم جاهز للتدفئة.