شرب ماء مهنته من عرق والده الذي قضى نصف قرن بين الشجر، خبر أسرارها وتفاصيل التراب المجبول بالبذور، وعرف معنى الصبر والتعب والسهر حتى وصل إلى مبتغاه في زرع الأمان للعائلة على مساحة لا تتجاوز ألف متر.

مدونة وطن "eSyria" التقت المزارع "بشار الحلبي" في مشتله بقرية "لاهثة" يوم الثلاثاء الواقع في 1 تموز 2014، الذي تحدث عن بدايته مع هذه المهنة: «ولدت في قرية "لاهثة" في العام 1972 لأسرة يمتهن رأس الهرم فيها العمل في مشاريع الأشجار وكل ما يتعلق بها، وكان مكان عمله في الغوطة الغربية في ريف "دمشق" التي انتقلنا إليها لنكون بقربه، وفي بساتين بلدة "داريا" كنت قريباً منه حتى موعد النوم أتأمل كل نفس وكل حركة من يديه على شجيرات اللوز المر الذي يحوله خلال فترة صغيرة إلى جميع أنواع شجر الفاكهة الحلوة. انتقلنا بعد فترة إلى القرية، وأسس مشتله الخاص الذي ضم شجيرات اللوز، وتحول بعد مدة إلى مشتل كبير يوزع خيراته في أرجاء المحافظة».

يصمم السيد "بشار" حديقة منزل ابني المغترب، وهو يعرف تفاصيل النبات بدقة عالية، وينصحنا بما يجب أن يكون وفق رؤيته التي تستند إلى الخبرة، وقد قسمنا الحديقة إلى عدة أقسام، فالأشجار الحراجية لها مكان، وكذلك المثمرة، أما الورود والنباتات المنزلية فهي تزين الأماكن، وتضفي على الحديقة منظراً جميلاً، وكل ذلك بفضل نصائحه، وتعاونه الدائم

بدأ مشروعه الخاص بعيداً عن الوالد ومشتله، وعلى الرغم من أميته التي لم يستطع التخلص منها بسبب العمل منذ الصغر، إلا أنه صمم أن يكون معلماً في مهنته، فتعلم كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالنبات والشجر، ويتابع: «بقي والدي على الإرث الذي تعلمه في الغوطة من زرع للشجر المثمر، وتطعيمه ثم بيعه، وقد كبرنا وبات كل واحد منا يحلم بمشروعه الخاص، فأعطاني والدي مساحة من الأرض بدأت بناء منزلي فيها، وتركت مساحة لا تتجاوز ألف متر مربع لمشتلي الذي حلمت به طويلاً، وبدأت العمل على تأهيله من خلال الاهتمام بالتربة، وتسويره، وتطوير العمل من خلال الخبرة التي اكتسبتها طوال سنوات، فقد قررت العمل على إنتاج نباتات الزينة المنزلية التي تصلح للحدائق، وكذلك الأشجار الحراجية، إضافة إلى ما تعلمته عن الأشجار المثمرة (أيام البذار، والزرع، والتطعيم، ونقل الأبصال من حوض إلى آخر، أيام السقي والتعشيب والتقليم...)، إضافة إلى كل ما يتعلق بأمراض النبات والأشجار، وهو الأمر الذي اكتسبته عن طريق الخبرة والسؤال الدائم للمزارعين والمهندسين، ومع الزمن بت أعرف كل كبيرة وصغيرة عن النبات وأحواله، والشجر الصغير وأيامه المعدودة في المشتل».

نبات الزينة المنزلي.

يختلف التعامل بين نبتة وأخرى، وزرع الأشجار وتطعيمها ومكان إقامتها المؤقت، وفي شهر تموز بالذات تجد الأشغال كثيرة، ويؤكد: «نتعامل مع النبات المنزلي من خلال البذور التي تتحول إلى أبصال، نضعها في أحواض صغيرة قياس 15سم، ومن ثم ننقل النبات إلى أحواض قياس 25سم، وفي المشتل نرفع الأحواض عن الأرض لتصبح نباتات معلقة، ونقوم بحمايتها من الشمس الحارقة، أما أنواعها فهي كثيرة أذكر منها (نوكيا، شفرات، كاوتشوك، تلفون، هوى ناعم، هوى خشن، منشارة، غاردينيا، قرطاسي، والورود بكل أنواعها..)، وفيما يتعلق بالشجر المثمر، ففي هذا الشهر بالذات نقوم بتطعيمه حيث يكون ساقه قوياً، وعندما يتوقف نمو "الشرش" في الحوض يصبح جاهزاً للبيع، وفي المشتل يوجد 3200 (تنكة) مزروعة بكافة أنواع الأشجار والنبات غير الأحواض البلاستيكية والقطع الصغيرة، وهو رقم يحتاج إلى العمل المتواصل، ففي أغلب الأحيان يكون في المشتل ثلاثة عمال غير أبنائي الذين يساعدونني دائماً، ويقسم العمل في المشتل حيث لا يترك أبداً، فهو يحتاج إلى الماء لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع، وفي الأيام الأخرى نقوم بالتسويق وتصميم الحدائق حسب الطلب، وعلى الرغم من ارتفاع التكاليف إلا أن الناتج من المشتل يحقق دخلاً كبيراً، وقد توسعت في العمل حيث بت أزود ثلاثة مشاتل في مدينة "السويداء" وقرى "المزرعة" و"عمرة"، غير الطلبات التي تأتيني على الهاتف، وأقوم بإيصالها بالسيارة التي اشتريتها، وجهزتها لتناسب النبات وكأنها مشتل متنقل».

وفي قرية "البثينة" التقينا السيد "شحاذة الريشاني" الذي يتعامل مع المزارع "بشار الحلبي" في كل ما يتعلق بالشجر والنباتات، وقال: «يصمم السيد "بشار" حديقة منزل ابني المغترب، وهو يعرف تفاصيل النبات بدقة عالية، وينصحنا بما يجب أن يكون وفق رؤيته التي تستند إلى الخبرة، وقد قسمنا الحديقة إلى عدة أقسام، فالأشجار الحراجية لها مكان، وكذلك المثمرة، أما الورود والنباتات المنزلية فهي تزين الأماكن، وتضفي على الحديقة منظراً جميلاً، وكل ذلك بفضل نصائحه، وتعاونه الدائم».

كل ما يتعلق بالشجر.

أما السيد "هشام درويش" الذي يقطن قرية "الرضيمة الشرقية" فقد تحدث عن معرفته بالسيد "بشار الحلبي" التي جاءت عن طريق المصادفة، وقال: «كنت في إحدى الصيدليات الزراعية للحصول على دواء لرش الأشجار المثمرة، وحمايتها من مرض (المن) عندما دخل وطلب من المهندسة الزراعية دواء مانع حمل للنباتات المنزلية، اعتقدنا لوهلة أنه يضفي على الجو شيئاً من المرح، وسط استغراب المهندسة التي أكدت أنه لا يوجد شيء من ذلك! وعندها أكد أنه لا يمزح، ويوجد مثل هذا الدواء الضروري لنبات الزينة، وذهب إلى سيارته وجلب عبوة الدواء المستوردة، ومنذ ذلك الوقت أتعامل معه بكل صغيرة وكبيرة، ووجدت التغييرات الكبيرة على الشجر بفضل إشرافه الدائم».

في سيارته المتنقلة، أمان واستقرار.