شكّلت أغاني التراث الخاصة بالفرح والحزن حالةً من الفن المحلي الناتج عن إبداع موسيقي باستخدام مقامات متنوّعة بها، مترافقة مع آلات تراثية قبل أن يغزوها التطور التقني.

حول طبيعة أهازيج الأفراح والأتراح مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 8 شباط 2020 التقت الفنان "سلمان البدعيش" الباحث بالتراث الموسيقي ورئيس جمعية "أصدقاء الموسيقا" الذي بيّن قائلاً: «فرضت طبيعة الحياة في "جبل العرب" إبداع أغاني الأفراح والأتراح الناجمة عن حالتين متناقضتين، ذلك لأنّ الغناء يولد من الحزن والألم، حينما يعاني المرء من عوامل متعددة في الواقع المعيش وقساوته، وقد استطاع السكان رغم معاناتهم في تحديد مسار حياتهم والتلاؤم مع الطبيعة القاسية والوضع الاجتماعي جراء مقاومتهم للمناخ العام القائم على الهجرة والفراق، أن يحولوا نمطية الغناء كمخرج لطريق الفرح، كمن يبكي المرء في فرح ابنه أو نجاحه، أو لحظة عودته من السفر أو هجرته، فأوجدوا فنوناً متنوعة على مقامات موسيقية عديدة، من مقام الصبا الحزين أو الحجاز، وكذلك في البيات المفرح، والسيكا والعجم والراست وغيرها من المقامات الفرعية، وبالمجمل يستخدمون إبداعاتهم التعبيرية بالانفعالات الغنائية التي تمثل بدورها ثقافتهم وحالتهم النفسية في ظروف اقتصادية واجتماعية.

نلاحظ من خلال أداء النسوة المترافق مع إيقاع الدف، تلك الأغاني رغم وقوع حالة الفرح كحالة واقعية، لكن يسودها شيء من الحزن على خروج البنت من بيت أهلها إلى بيت آخر، ومع ذلك تستمع إلى أغان تحمل المواساة والمحبة والتقدير كأن تسمع مثلاً: حنا مشينا من بلد لا بلد حنا مشينا من بلد لا بلد بنت شيخ البلد حنا خذينا بنت شيخ البلد وهناك العديد أيضاً من الأغاني والأنماط التراثية الغنائية تتمحور في الأفراح والأتراح، وبمعظمها على مقام البيات الموسيقي

والأغاني على اختلافات ضروب إيقاعاتها مجهولة القائل، أي أنّها فلكلورية، لأنّ العامة لم تهتم بمن قالها أو لحنها فهي متوارثة بالتواتر الزمني، ومنقولة من جيل إلى جيل، ولهذا ترى النساء يستخدمن إيقاعات مترافقة مع الدبكة، ومعتمدة على ضرب الدف، وهناك أغانٍ يستخدمها الرجال مترافقة مع آلات موسيقية تراثية كالمجوز والشبابة التي تحتاج إلى المد الصوتي وترجيعه، فهم -أي الرجال- لا يستعملون الدفوف في دبكاتهم بالمناسبات، بل على أنغام آلات موسيقية تراثية، وحتى دبكاتهم تميزت وفق نوع الغناء من الجوفية والهولية والحداء وقصيد الفن المتنوع الألحان».

الفنان سلمان البدعيش

وتابع " البدعيش" بالقول: «العديد من أغاني الفرح والترح تحمل الألحان، بعضها مسموع تراثي، وبعضها تمّ تطويره فنياً، ومنها إبداع من فنانين وشعراء وأدباء وموسيقيين، والعديد من الشعراء كانوا ينظمون الكلام الشعري على أوزان موسيقية معينة ويخرج معها اللحن تلقائياً، وتوجد أغانٍ تستعمل في الأفراح والأتراح معاً، والأتراح هنا ليس المقصود الحزن على الأموات، إنما الحزن الممزوج بالفرح، ومثال ذلك حين تخرج العروس من منزل أبيها إلى بيت زوجها تترافق بدموع الفرح من أهالي العروسين إذ قبيل خروج العروس من بيت أهلها يغنون:

عن إذنكن يا بو حمد عن إذنكن انشا الله امعقب للمعاوز عندكن

الباحث الدكتور أسعد منذر

من عندكن يا عروستنا بنتكن انشا الله أمعقب للمعاوز ابنكن».

ويضيف: «نلاحظ من خلال أداء النسوة المترافق مع إيقاع الدف، تلك الأغاني رغم وقوع حالة الفرح كحالة واقعية، لكن يسودها شيء من الحزن على خروج البنت من بيت أهلها إلى بيت آخر، ومع ذلك تستمع إلى أغان تحمل المواساة والمحبة والتقدير كأن تسمع مثلاً:

من أجواء أغاني الأفراح

حنا مشينا من بلد لا بلد حنا مشينا من بلد لا بلد

بنت شيخ البلد حنا خذينا بنت شيخ البلد

وهناك العديد أيضاً من الأغاني والأنماط التراثية الغنائية تتمحور في الأفراح والأتراح، وبمعظمها على مقام البيات الموسيقي».

وأوضح الدكتور "أسعد منذر" الباحث في التراث الشعبي بالقول: «تشكل أغاني الأفراح والأتراح ضمن منظومة تراث وفلكلور "السويداء"، وهي تنم عن ثقافة المجتمع الذي استطاع أن يبدع أغاني بألحان متنوعة على مقامات موسيقية معروفة، واليوم يتم توزيعها موسيقياً بعد زحف التطورات التقنية في الموسيقا العربية وعلى آلات بعضها تراثي وبعضها إيقاعي إلكتروني، والأهم أنّ الباحث في مضامين تلك الأغاني يشعر بالقدرة الإبداعية لمجتمع لم يهتم للأنا الشخصية، ولهذا كثير من الأعمال تراها مجهولة القائل والملحن، ولكنها ما زالت متداولة إلى يومنا الحالي، وهي دلالة إبداع أغاني الأفراح والأتراح على مقامات موسيقية متعددة ومتنوعة تحمل البعدين المتناقضين معاً وهو إبداع، خاصة بالبحث في أغاني الندب والمراثي، وأغاني الأفراح مثل الجوفية والهولية والحداء، والأغاني الشعبية والوطنية ومنها الهوارة والغزيل وغيرها، وغالباً ما تكون على مقام البيات».