قرأ "أيمن العرموني" البازلت بعين الباحث عن مسار للحياة، حفّزه للنقش على وجهه الصقيل، ونحته على شكل سلسلة يطرق بها أبواب "غينيس"، ومجسّمات تحاكي ولعه بصلابته.

البازلت الذي احترفه مهنة للبناء صغيراً، بقي رفيق الدرب يطور معه مواضيع أعماله بفطرته من دون الدراسة الأكاديمية؛ كما تحدث من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 12 شباط 2019، وقال: «يبدو أن همّ الحياة باغتنا باكراً لأكون مضطراً للعمل بعمر العاشرة بالبازلت، أقطعه وأتعامل معه وفق ضرورة العمل ورؤية من عملت معهم، ومن خلال المدرسة وبعمر الثانية عشرة قدمت أول أعمالي من خلال معرض مدرسي، لكن ضرورات الحياة تفوقت على المدرسة، وأصبح الاهتمام الأكبر بالعمل على حساب المدرسة، وتطور العمل مع الحجر ليكون مورداً للرزق.

يضع "أيمن" مخططه للعمل على صفحة البازلت أو الكتل الصخرية، يجري قياساته، لكنه يعرف حق المعرفة من أين يبدأ وكيف ينتهي، خطوات جمعها من تجربة طويلة، بدأها بأنامل طفل كانت الحياة أقسى منه، وفي مراحل الحياة حاول نقش الكثير من معاناته على الصخر وأجاد. أنجز لوحات عدة، أهمها من وجهة نظري لوحة "عمر المختار"، وحالياً ينجز لوحة للسيد الرئيس وعقيلته، وتبقى ميزة ما يقدمه القدرة على تجسيد التفاصيل بوضوح، لتكون مواضيعه واضحة لعين المشاهد

في جهد دائم وصعوبات يعرفها كل من سعى إلى رزقه مع البازلت وتلمس برودته الصباحية والشمس الحارقة في مواسم الصيف، بقيت مواظباً على العمل على مسارين: الأول إنجاز الورشات (تلبيس، وقص)، وكل ما يطلب مني من أعمال ترتبط بالبناء. والثاني الذي ارتبط برؤيتي لهذا الحجر وشعوري الخاص تجاهه، وقدرته على التعبير عن حلم أو ألم عن فرح أو حزن بعمل فني، لم يكن متعمداً، صقلته الأيام لينتقل من موهبة إلى مشروع للمستقبل.

أيمن العرموني في منزله

لكنه كان بالنسبة لي ضرورة وحاجة لم أتمكن من التخلي عنها، لأحول منزلي إلى معرض أخزّن به كل ذكرياتي التي صنعتها مجسّمات صغيرة أو كبيرة، لوحات على صفحة البازلت الصقيل أو واجهات فريدة للمنازل. هذه الواجهات عرضتها على أصحاب المنازل، وطلبوا مثلها لتكون نوعاً من التزين والأناقة لواجهات المنازل أو الأسوار وإطارات النوافذ وتفاصيل لاقت الرواج والاستحسان، وحققت لي نوعاً من الكفاية من خلال عمل صعب من حيث حاجته إلى القدرة العضلية، لكنه من أجمل الأعمال وأكثرها متعة بالنسبة لي».

النقش على البازلت عمل طوره وفق رؤيته الفنية ليتناول مواضيع إنسانية رسمها برقة وجمال، وقال: «لا يخطر على بال أحد أن هذه الصخور الصلبة يمكن أن تحتضن رسومات معبرة تفيض إحساساً ورقة، استثمرتها بقدر ما استطعت. رسمٌ بدأ بعدة يدوية بالكامل، طورتها بعد سنوات بما توفر من معدات كهربائية، لأتمكن من تجسيد أفكاري على سطح أسود ناعم الملمس، حملته الكثير من رؤى الطفولة والحياة، وصور لأشخاص، ووجوه بدأت أنقشها وأعتني بتفاصيلها، لأعبّر عن كل ما له أثر في نفسي.

من أعماله

بعد التجارب الأولى حاولت طرق مواضيع من الحياة اليومية؛ حياة القرية وتقاليدها اليومية من شخصيات كبار السن، وبعض تقاليد المطحنة وإيصال الحبوب، لقطات نقلتها من لوحات مشهورة وتفاصيل الحياة الريفية والإنسانية، حاولت من خلالها التعامل مع الفكرة بواقعية تبتعد عن التزييف وإخفاء المشاعر بعمل يستهلك الكثير من الوقت، ويتطلب الدقة والانتباه إلى التفاصيل، هنا الخطأ غير قابل للتصحيح، ولا بد من المهارة والتدريب الذي كان ذاتياً بكل المقاييس».

رغبته بعدم البحث عن منصات عرض يبررها بالقول: «جمعت في منزلي مجموعة كبيرة من أعمالي، وفي كل الأماكن التي عملت فيها عملي يتحدث عن نفسه ويدل علي، وكثر يعرفون العمل من خلال طريقة العمل التي ميزتني عن غير أعمال، ومن أعمالي الحفر على البازلت ما انتشر وأصبح من مقتنيات أشخاص كثر، يختارون لوحات تناسبهم وتنسجم مع ميولهم، واليوم أعمل بدعم كبير من أخي المغترب الدكتور "ناهي العرموني" في الخارج وأصدقاء يتابعون عملي، ومن خلاله أعرض عمل قدمته هذا العام لسلسلة نحتت حلقاتها من البازلت وصل طولها إلى ستة أمتار، أتمنى أن تلقى الاهتمام المطلوب، ووفق معلوماتي فهي أول سلسلة بهذا الحجم والطول أتمنى أن نصل إلى رقم تعترف به "غينيس"؛ وهذا حلم ثانوي، لأن الحلم الأوفر حظاً بالنسبة لي هو الاستمرار بالعمل، وتقديم الأفضل لكل من تابعني واهتم بتجربتي مع البازلت؛ مادتي المحببة التي خبرت أسرارها».

خالد فليحان

يرى النحات "خالد فليحان" أن "أيمن العرموني" قدم الكثير في مجال النحت على البازلت، ويقول: «في مدينة "صلخد" بعض أعمال لهذا الفنان، الذي جسد عشقه للبازلت بمهارة ذاتية، وجهد على تدريب نفسه لتقديم الأجمل، وكنت في مرات كثيرة أقف أمام أعماله التي تنتصب في عدة أماكن على واجهات المنازل أو إحدى الساحات وأتأملها، وأتلمس مهارة هذا النحات البارع الذي عالج البازلت على الرغم من قسوته، وقدم من خلال عمله مدرسة لكل من درس البازلت خارج حدود المدارس الفنية، وطبع رؤيته الخاصة وتجربته الفريدة.

اعتمد تجربته الخاصة في البحث والعمل، وهو من الأسماء التي تدفعك أعماله إلى السؤال؛ ففي كل عمل قصة وحوار إنساني، لكنه لم يأخذ حقه من الشهرة والإعلام، لذا بقي منزله المرجع لمن رغب بالاطلاع على أعماله، خاصة أنه رفض العرض في معارض مشتركة، مع أنه يستحق الشهرة والتعريف بمسيرة حياته التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها».

من الأصدقاء من تعود متابعته؛ تبعاً لطريقة العمل كما تحدث "ماهر زين الدين" تاجر مهتم بالبازلت ومتابع لعمله، حيث قال: «يضع "أيمن" مخططه للعمل على صفحة البازلت أو الكتل الصخرية، يجري قياساته، لكنه يعرف حق المعرفة من أين يبدأ وكيف ينتهي، خطوات جمعها من تجربة طويلة، بدأها بأنامل طفل كانت الحياة أقسى منه، وفي مراحل الحياة حاول نقش الكثير من معاناته على الصخر وأجاد.

أنجز لوحات عدة، أهمها من وجهة نظري لوحة "عمر المختار"، وحالياً ينجز لوحة للسيد الرئيس وعقيلته، وتبقى ميزة ما يقدمه القدرة على تجسيد التفاصيل بوضوح، لتكون مواضيعه واضحة لعين المشاهد».

الجدير بالذكر، أن "أيمن العرموني" من مواليد "سهوة بلاطة" عام 1966، لديه أعمال ومنحوتات في عدة ساحات في "صلخد" والقرى المحيطة بها. أشهر أعماله سلسلة البازلت التي تعدّ الأطول، إلى جانب تحف حقيقية زينت القصور.