تفرض الحياة وجودها في لقطات "سامر حمد بلان"؛ حيث يقتنص تفاصيلها من قطعة أو غصن أو ثمرة أو معدن نحت الزمن آثار العبور عليه، مجسداً موهبة فنية فريدة.

فعندما انحاز إلى التصوير متسللاً من كلية الآداب إلى معهد متخصص بالتصوير قرّر أن هذه العين الإلكترونية الحساسة ستكون رفيقته إلى فضاء بقي الأجمل والأقرب إلى روحه، وفي مرحلة مبكرة فاضل بين التصوير كمهنة وموهبة، وفضّل الثانية جاعلاً العمل على تطوير التجربة غاية أولى كما تحدث المصور "سامر بلان" من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 24 تموز 2018، وقال: «الكاميرا كالعين تسير وفق ذات التقنية، لكن الأهم الروح التي تجعل العين قادرة على انتقاء اللقطة، وتكريسها لتكون بمفهوم اللوحة متكاملة الأركان بعيدة عن الجمود متحدثة بزمن اللحظة ناقلة صادقة لالتفاتة استثنائية تمر بها العيون ولا تلتقطها إلا عين واحدة، هذه الميزة جعلتني أصادق التصوير منتمياً إلى مداه الواسع في التعبير والتواصل باللون والتكوين مع العيون والقلوب، لأختار معهد الفنون التطبيقية، قسم التصوير الضوئي، اختصاص سينما وفوتوغراف، وأفضّله على كلية الآداب، وأدرس ما وجدته طريقاً للمستقبل يرضي حلماً رافق مشوار الحياة.

الخصائص الفنية لعدسة الفنان "سامر" تجعلها متميزة لدرجة متقدمة؛ ففي أعماله بناء متناغم ما بين الكتلة والفراغ؛ إذ يعطي الكتلة الرئيسة موقعاً كلاسيكياً متوسطاً في المشهد. وهذا ما يرغب بأن يوصله إلينا، التبسيط وقوة التعبير بعناصر بسيطة وقليلة. حيث تعامل مع الإضاءة بحذر تام وأظهرها وكأنها العنصر الرئيس الثاني في أعماله وبعدٌ لفخامة التكوين أو الكتلة، ويعتمد اختيار مواضيعه لعناصر أو أدوات ناطقة بالحياة، وكان لها قصص وجدانية وذكريات مفعمة بالأحداث ليقدمها كتكريم لها وكأنها ما زالت بعذريتها، على الرغم من قدمها وصراعها مع الزمن، وأتصور أنه بذلك كرس خاصية الجمال بعمله؛ وهذا يدل على أنه في بحث عن اكتشاف حلات بصرية جديدة كصورة "الجوز" مثلاً. هو فنان مجتهد يبحث عن توثيق حقيقي لمفرداته التراثية

ففي البداية حاولت إكمال ما بدأ عندي بالفطرة والموهبة التي دفعتني إلى التعامل مع الفيلم القديم والغرفة المظلمة قبل الدراسة لأظهر صوري وأحتفظ بنتاج كبير من تجارب باكرة بالأبيض والأسود، ترسم مدة زمنية غنية تدربت بها على أساليب مختلفة وتابعتها مع الدراسة بقيت قيد العمل، حتى وصلنا إلى مرحلة عدم توفر المعدات بفعل التطور التقني المتسارع لأحفظها كتوثيق لزمن كان فيه الأبيض والأسود سيدي الألوان، لكن بعد الدراسة والحصول على كاميرات حديثة بدأت التفاعل مع اللون واستثماره لإيصال غايتي من اللقطة؛ أكررها وأعيد تأليف عناصرها بما يؤسس لموضوع اللوحة فكرتها الأولى».

من أعماله التوثيقية

عن تصنيف أعماله بين الفني وتوثيق الحياة الجبلية، يضيف بالقول: «المصور لا ينتقي لقطته بكامل الحرية، وهو في أغلب الأحيان محكوم بعينه التي تختار تفصيلاً معيناً ترصد وتحاول من خلال الكاميرا حفظه بالرؤية التي قرأتها العين أولاً، ولأنني أفرد للتصوير الحيز الأكبر من الوقت، فإن حصيلة عملي تصنف بين نوعين؛ الأول فني بكل المقاييس أكوّنه مستفيداً من قطع صغيرة مما تجود به الطبيعة على اختلاف أنواعها؛ أحفظ صورها وأعيد تكوين ما يحيط بها فأشكلها، أنتقي لهذا التكوين موضوعاً مستفيداً من حالة اللقطة وأثر الزمن فيها والميزة التي جعلتها محط اهتمام العدسة، ففي الغوص في خفايا هذه القطع والتكوينات عالم جميل، نستخلص فيه الجمال من قطع أحياناً تكون حادة وصلبة، ولها استخدامات مختلفة، لكنها بهذا التكوين والمسافة الفاصلة تعطي نموذجاً آخر للجمال.

التصنيف الثاني ينتمي إلى توثيق التراث الجبلي؛ بالاهتمام بتفاصيل المهن التراثية والمعدات المنزلية القديمة والقطع الزراعية وباقة كبيرة مما كان بين أيدي الأجداد من قطع، هنا لا أكتفي بالحصول على القطعة وتصويرها بقدر العمل على استكمال الدورة الزمنية لهذه القطعة، وعلى مستوى المهن أعود إلى صناعة القش مثلاً محاولاً توثيق مراحل عملها وطرائق إعداد القش والتحضير للعمل، وهنا وجدت في مشروع جمعية "العاديات" -وأنا عضو فيها حالياً- فرصة كبيرة تلاقت مع اهتماماتي، وأجمع رصيداً كبيراً من خلال رحلاتنا الدورية، وإلى جانب التوثيق لعمل الفريق والرحلة هناك بحث دائم عن اللقطة والتفصيل وهو بالنسبة لي محور صناعة الجمال في العمل الفوتوغرافي».

الخطاط جلال شيخو

من متابعة لأعماله الخطاط والفنان "جلال شيخو" قال: «تعلم "سامر بلان" التصوير أكاديمياً، وله أعمال مذ كان طالباً، فقد كان يختار مواضيع الإنسان في حالاته المختلفة لتكون صوره تسجيلاً واقعياً صادقاً، وبعد تخرجه ازداد تعمقه في اختصاصه بعلم الإضاءة وفنونها المتعددة، فعرف أسرار الضوء وما له من سحر في تكوين الصورة اللوحة، ومدى تأثيره البصري بعين المشاهد، وكما قال العالم الفرنسي "سوريو" الذي صنف الفنون ضمن درجتين؛ أولى، وثانية، وفن الفوتوغراف هو من فنون الدرجة الثانية، لكن المصور الفنان الذي يستخدم الرسم بالضوء ينتقل به إلى الدرجة الأولى؛ وهذا ما عمل عليه الفنان "سامر بلان"، فضلاً عن الناحية التشكيلية من خطوط وألوان وتوازن كتلة وفراغ، فهو ينحت عمله بصمت ليحدثنا ببلاغة عبر بريد عينيه وإحساسه المرهف، بلغة بصرية فيها العمق والبساطة بآن واحد، فقد شَغَفَهُ حب الضوء، وأغلب أعماله بأسلوب "الكيارو" "سكورو"، وهو أسلوب المدرسة الإيطالية، وفلسفتها الغموض والوضوح والحياة والموت، تجعل المشاهد يقف عند أعماله ليدخل إلى حرم الجمال ويتأملها بصمت لنعيش معه عبر مداراته وندور بفلكه وعشقه».

البناء المتناغم ميزة أعماله كما حدثنا الفنان التشكيلي "كمي الحلبي"، وقال: «الخصائص الفنية لعدسة الفنان "سامر" تجعلها متميزة لدرجة متقدمة؛ ففي أعماله بناء متناغم ما بين الكتلة والفراغ؛ إذ يعطي الكتلة الرئيسة موقعاً كلاسيكياً متوسطاً في المشهد. وهذا ما يرغب بأن يوصله إلينا، التبسيط وقوة التعبير بعناصر بسيطة وقليلة.

من أعماله من وحي التراث

حيث تعامل مع الإضاءة بحذر تام وأظهرها وكأنها العنصر الرئيس الثاني في أعماله وبعدٌ لفخامة التكوين أو الكتلة، ويعتمد اختيار مواضيعه لعناصر أو أدوات ناطقة بالحياة، وكان لها قصص وجدانية وذكريات مفعمة بالأحداث ليقدمها كتكريم لها وكأنها ما زالت بعذريتها، على الرغم من قدمها وصراعها مع الزمن، وأتصور أنه بذلك كرس خاصية الجمال بعمله؛ وهذا يدل على أنه في بحث عن اكتشاف حلات بصرية جديدة كصورة "الجوز" مثلاً. هو فنان مجتهد يبحث عن توثيق حقيقي لمفرداته التراثية».

ما يجدر ذكره، أن الفنان "سامر حمد بلان" من مواليد "السويداء" عام 1969، خريج معهد فنون تطبيقية، قسم تصوير ضوئي، خريج المعهد المتوسط للفنون التطبيقية عام 1989، له مجموعة من مشاركات في معارض جماعية، ويعرض ألبوماته حالياً من خلال محطة "SUN" الفضائية، وموثق لأنشطة جمعية "العاديات" للتراث، يمتلك رصيداً غنياً بين الأبيض والأسود القديم ورصيداً كبيراً من صور التراث والطبيعة.