تفرّد بخط خاص في التشكيل، على الرغم من اتباعه للمدرسة الواقعية التي أبدع في تطوير أدواته وتقنياته اللونية والتشريحية بها، من دون أن ينسى العفوية والصدق، حتى تشعر بأنك أمام حالة من الواقعية المفرطة من دون استسهال، وأنماط تأخذ العين نحو الخيال الجامح بسرعة.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان "حسام بلان" بتاريخ 18 تموز 2018، وفي البداية يقول: «دائماً الفن لغة أفراد وخطاب فريد، نحن بحاجة إلى المتلقي الخارج عن نطاق العولمة ولم يتأثر بالدعاية، كنت وما زلت أعشق المدرسة الواقعية، ووجدت أن المعيار عند الناس هو القدرة على تقليد الواقع، لكن الأغلب كانوا بعيدين عن قراءة العمل القراءة الصحيحة، ورأيت أن الخطاب يجب أن يتوجه إلى المكان الصحيح، لأنه بعد عشرين عاماً من العمل، فإن عموم الناس تتطور نظرتهم إلى الفن، وهكذا فإن العمل الفني يتطور تلقائياً».

تأثرت بفنون الحضارات أولاً، وبالفنانين "لؤي كيالي"، و"صفوان داحول" ثانياً، لكن التأثير دائماً يصبح ماضياً، واللوحة هي الآن، والعمل ينفصل بالنهاية عن كل مشيمة. دائماً الحل في النسيان، يجب أن تكون كل لوحة بداية جديدة تهدم وتبني من جديد كل مرة

وعن السرّ في مشروع الأطفال غير التقليدي الذي اتبعه في أعماله، أضاف: «في عالم الأطفال يظهر الإنسان عموماً أكثر من جنسه إن كان ذكراً أو أنثى، وهذا الشيء يساعد الفكرة، أينما كان الطفل لا تعنيه مشكلات وحروب الكبار. القضية دائماً إنسانية لا تتعلق بالطفل السوري فقط، لكن إذا أردنا الحديث على وجه الدقة، فموضوع الأطفال يأتي في سياق خدمة العناصر التشكيلية في اللوحة من حيث تنحية الجنس أو تقريب الجنسين أيضاً، وهذا يقودنا إلى عمق العمل من دون الوقوف عند معنى محدد. فبرأيي الفن ليس عبثياً، بل هو مسؤولية كبيرة بالدرجة الأولى، هناك متلقٍّ، وإذا أراد الفنان مخاطبة الجمهور، فعليه أن يعلم أن خطابه فردي وجمهوره أفراد، ليس لأنه فوق الناس، بل لأن لغة الفن فوق الموضة ووسائل الاتصال الاجتماعي، لذلك نرى ممثلاً يصل إلى النجومية بين ليلة وأخرى، وقد يقضي الفنان التشكيلي عمراً قبل أن يُعرَف».

من أعماله الحديثة

تفرد بلون معين في اللون والتشكيل، لكن ذلك لم يأتِ من فراغ، فعلى الرغم من تأثره بأنواع الفنون القديمة، إلا أنه وجد السرّ الدائم للإبداع والخروج من عباءة التقليد، ويضيف: «تأثرت بفنون الحضارات أولاً، وبالفنانين "لؤي كيالي"، و"صفوان داحول" ثانياً، لكن التأثير دائماً يصبح ماضياً، واللوحة هي الآن، والعمل ينفصل بالنهاية عن كل مشيمة. دائماً الحل في النسيان، يجب أن تكون كل لوحة بداية جديدة تهدم وتبني من جديد كل مرة».

عرف بالتواضع، مع أنه من أكثر الفنانين التشكيليين حصداً للنجاح، وأعماله دائماً مطلوبة في المعارض، يقول عن نظرته إلى نتاج زملائه، ومفتاح النجاح للوصول إلى المتلقي غير العادي أو النخبوي: «نتاج الآخرين مهمّ، ولكل واحد تجربته، وهناك العديد من الفنانين العظماء الذين أتابعهم باهتمام، والملهم دائماً هو إخلاص هؤلاء لفنهم.

الواقعية على طريقة "بلان"

كيف نخلص للعمل والفن بحاجة إلى تأمل لكي يخرج فجأة بعمل عظيم، كما يحتاج إلى ترك كل زيادة، وفهم تلك اللغة التي تخص الصورة، فالذي تستطيع أن تكتبه اكتبه، والصورة هي لغة العين، كما النغم لغة الأذن، الصورة هي فقط البعدان اللذان يدور التعبير والحدس فيهما، وهنا عظمة اللوحة.

ومفتاح النجاح أن يقص الفنان لسانه ويذهب للعمل كأي عامل، ويترك طقوس الفن ويعمل بإخلاص كما الباحث المجرب، وليس كالمفكر المحلل، فالصورة يجب أن تفهم من منظور الصورة، وليس الفكر، فالأعمى الذي خلق أعمى لا يدرك هذا العالم، ولم يختبره، فهل يمكن أن ندرك الصورة الآن لو تخيلنا أنفسنا عمياناً. ويمكن اختصار عمر طويل بصورة، فالصورة تفوق الحركة والزمن، وأخيراً التصوير مستمد من التصور».

الطفولة ملعبه الدائم

بناء أسلوب أو خط باللوحة، من المفروض أن يكون نتيجة بحث وتطوير لأسلوب معين، لكن "بلان" وفّق بين مقولة هدم السابق وبناء الجديد، على الرغم أن الهدم والبناء يتجسدان في العادة بمراحل فنية يمر فيها الفنان، وليس بين لوحة ولوحة، وعن ذلك يقول: «القول بحقيقة الشيء يقترب من التصور الذي يقود إلى التصوير كنتيجة، هنا عملية البناء والهدم الدائمة، وعندما نتكلم بمعانٍ تصويرية يحتمل الشكل ألف احتمال، هذا لا يعني ألف أسلوب.

يمكن أن نكون رمزيين مثلاً للتعبير عن احتفال في عمل فني، وأن تكون كل الأعمال الرمزية لذات الموضوع مختلفة كل مرة، لأن الطرح مرن حيوي متبدل، فالهدم هو الضمانة للحياة، لكيلا نذهب باتجاه قاعدة فكرية، ومن المعلوم أن الدماغ يميل إلى تشكيل قواعد وأنماط؛ لذلك هو عدوّ الفنان، وحارس دائم الهدم، يهرب من ذلك الحارس، ويخلق احتمالات جديدة. القاعدة تستثمر أفقياً، أما التصور، فهو عمودي، "بيكاسو" مثال جيد؛ من حيث إنه اتبع خطاً وأسلوباً، لكنه حطم الشكل وقلبه وأعاد صياغته، دائماً كان يهدم قناعاته. ولا شيء نهائي حول الصورة، فحين اخترعت الكاميرا قال أحدهم مات الفن، فصحح له أحد النقاد، وقال: الآن عاد الفن إلى مساره. بعد المدارس الفنية وبعد الحداثة، أصبح الفن حالة فردية، هناك فنان بالدرجة الأولى، وهناك اتجاه ثانياً».

وعن طفولته، وما علق بالذاكرة، قال: «نشأت في أسرة من تسعة إخوة؛ والدي الراحل كان صانع آنية نحاسية وحداداً متمكناً في تشكيل المعادن، وتوارثت الأسرة المهنة من جدّ أبي. كانت أمي كل الوقت حريصة على تعليمنا بأي ثمن.

في الثمانينات كانت البيادر والوديان مكاناً لنا صبيان المناطق المتطرفة من مدينة "السويداء"، في هذه البيئة نمت الطموحات والمخيلة، وكنت محظوظاً لكوني الأخ السابع، حيث بقيت دائماً في الظل، وتسنى لي الإصغاء بصمت مديد إلى محيطي من التجارب بكل هدوء. أحببت الرسم، والحظ أيضاً أن في عائلتي الممتهنة للتشكيل كان لدي عمّ عائد من "الاتحاد السوفييتي" بعد دراسة الفن.

وكان أخي الكبير الذي رحل عن الدنيا قد درس الفن في "بيلاروسيا"، وكل سنة يعود بعد طول انتظار محملاً بقصص عن الفنانين والمعارض، ويجلس على كرسي في المضافة، ليضع ألوانه المائية وعدداً كبيراً من الورق في الصباح، وكل صباح. وكان عقلي يتساءل ما هذا العالم الذي يذهب إليه لساعات؟ هذا المناخ جعل اللوحة غير بعيدة، وعرفت أن هذه اللغة لغة لي أنا الصامت الهادئ، وربما لأنني كنت خجولاً إلى درجة شعرت بأن الرسم صلتي مع داخلي لأتكلم مع نفسي».

يقول الناقد الفني "أديب مخزوم" عن واقعية الفنان "بلان": «تقنياته منحته أسلوبية وخصوصية وعفوية وتلقائية، وجعلت لوحاته تبرز بحيوية تتميز بالاتزان والقوة والتفوق على العديد من التجارب الواقعية المعروفة، على الأقل في امتلاكه سحر اللمسة وقدرته على تجاوز الأنماط الواقعية والتقليدية والمستهلكة، ومسايرة معطيات الزمن المعاصر وثقافته البصرية، وبعض لوحاته -على الرغم من واقعيتها المفرطة في دقتها ونمنمتها التفصيلية- لا تقع في السهولة، وإنما تعكس جمالية ممهورة بمهارة فنان يعرف كيف يلتقط الزوايا المناسبة، الأكثر حيوية وشاعرية وجمالية؛‏ فكل زاوية تلتقطها ريشته مرسومة بعين فنان يعرف كيف يوازن ويصمم ويبتكر ويغري العين، لوحات فنية تثير الحنين والإعجاب، وهي تمثّل استراحة لمصور اختبر أسرار التقنيات، وجهد ليقدم لوحة تدخل البهجة إلى العين والقلب معاً».‏

يذكر أن الفنان "حسام بلان" من مواليد مدينة "السويداء" عام 1983، خريج كلية الفنون الجميلة عام 2005، وشارك في عدد كبير من المعارض الجماعية في "سورية" والخارج، وله معارض فردية عديدة؛ كان آخرها معرض فردي في "الإمارات".