بميزانية (صفر ليرة سورية) وبأدوات محلية خالصة، أطلق المخرج "وليد العاقل" فيلمه السينمائي الطويل "أبو صابر"، الذي يحكي عن رجل عتيق، عاش يتأبط عزة وكرامة، ليسرد حكايته عن جزيرة "غويانا" الفرنسية، وعودته المرّة إلى الوطن.

يحكي الفيلم، كما قال مخرجه الشاب لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 22 نيسان 2018، عن ملحمة شعبية وسيرة ذاتية لشخصية حقيقية تدعى "أبو صابر"، واسمه الكامل "حمد عباس ذياب"، الذي تطوع يوماً مع "الجيش الفرنسي" بعد أن خدع بما كان يسوِّق له الاحتلال، وأضاف: «ما إن انكشف له وجه الغازي الجديد على حقيقته، حتى بدأ رحلة التفكير بالتخلص من العار الذي جلبه لنفسه، خاصة بعد أن رفضت عائلته استقباله في بيته، ففرَّ من الجيش الفرنسي والتحق بالثوار.

زمن الفيلم 92 دقيقة، وبتكلفة مادية صفر ليرة مع أنه يحتاج إلى ملايين الليرات، ومؤسسات كبرى لإنتاجه، لكن كل من عمل فيه من فنانين أو فني كانوا مدفوعين بغيرتهم الوطنية، وبذلك ميزة العمل الأولى أنه صنع بأيدٍ محلية، وقدرات شباب المحافظة بعيداً عن أسماء النجوم. وقد أثبت فنانو "السويداء" أنهم قادرون على حمل أدوار مهمة تقارب الاحتراف

وقد سقط أخوه "حمود" شهيداً في معركة "قلعة راشيا"، بعد أن اقتحم أسوارها مع ثوار الجبل بصدره العاري، ليلتحق به والده وهو يخوض إحدى معارك الشرف في الجبل دفاعاً عن أرضه وعرضه. وبهذا لم يبقَ له سوى أمه الصابرة التي تنتظر عودته سالماً. لكن الفرنسي كان قد أصاب "أبو صابر" في مقتل خلال إحدى المعارك، وقدره أبقاه حياً، فأودع في السجن، وهناك حاول أحد الرقباء الفرنسيين استفزازه وحلْق شاربيه اللذين طالما تفاخر بهما، لكنه يتصدى للرقيب، وكاد أن يرديه قتيلاً، لتقدمه الحكومة الفرنسية للمحاكمة العسكرية، فيُحكَم عليه بالإعدام، ثم يُخفَّف الحكم إلى عشرين عاماً أشغالاً شاقة يقضيها منفياً في جزيرة "غوايانا" الفرنسية أو "جزيرة الموت" كما كان الفرنسيون يطلقون عليها، حيث لم يُعرَف عن معتقل دخل الجزيرة وخرج منها حيّاً».

مشهد تصويري لأخذ البطل إلى المعتقل

ويتابع "العاقل" سرد القصة الحقيقية التي كتب لها السيناريو: «في "غوايانا" يواجه "أبو صابر" الموت عشرات المرات، لكنه يتمسك بالحياة؛ لأنه كان يريد أن يرى أمه من جديد. وبعد سبعة عشر عاماً من العذاب المتواصل يخرج بعفو فرنسي للتخلص منه ومن عناده، فقد كان عصياً على الموت. وفي "فرنسا" يعيش منفياً غريباً يعمل حمّالاً في أحد الموانئ التي كان ينتظر فيها يوماً أن يلتقي أحد أبناء بلده ولو بالمصادفة ليستطلع أخبار الوطن، وهناك يحتفل وحده بخبر استقلال "سورية"، وجلاء آخر جندي فرنسي عن بلده. حتى تمكن من الهرب في قعر إحدى البواخر القادمة إلى "بيروت"، ومنها إلى الجبل ليلتقي والدته بعد سنوات طويلة أمضاها بالانتظار، فيستقبله الأهالي بالأهازيج. لكن ضيق اليد يجعله يبدأ رحلة البحث عن لقمة عيشه، خاصة بعد أن يتزوج، فيعمل مستخدَماً في إحدى الدوائر، لكن جسمه الهزيل وتقدم العمر لم يَرُقْ لمديره، فيطرده من وظيفته شرّ طردة بعد أن جاد عليه بمحاضرة عن الوطن والالتزام والمسؤولية، فيخرج مكسوراً مقهوراً إلى بيته، ليخرج منه حليق الشارب الذي طالما افتخر به، ودفع عمره كاملاً للحفاظ عليه».

وعن قصة الإنتاج، أضاف: «زمن الفيلم 92 دقيقة، وبتكلفة مادية صفر ليرة مع أنه يحتاج إلى ملايين الليرات، ومؤسسات كبرى لإنتاجه، لكن كل من عمل فيه من فنانين أو فني كانوا مدفوعين بغيرتهم الوطنية، وبذلك ميزة العمل الأولى أنه صنع بأيدٍ محلية، وقدرات شباب المحافظة بعيداً عن أسماء النجوم. وقد أثبت فنانو "السويداء" أنهم قادرون على حمل أدوار مهمة تقارب الاحتراف».

من أجواء العرض الأول جماهيرياً

مدير الإنتاج "زياد أبو طافش" تحدث عن أهمية الفيلم، وصعوبة العمل، فقال: «"أبو صابر" نقلة نوعية من ناحية التوثيق التاريخي لحكايات الأهل والأجداد وإرثهم النضالي من الرواية أو القصيدة والمقال والحكاية المروية، إلى التوثيق الدرامي والسينمائي الذي يدوم طويلاً، ويبقى وثيقة صريحة مفهومة المعالم والأحداث بكل تفاصيلها الأخلاقية والإنسانية.

أهم ما في الفيلم أن مخرج العمل خرج من نطاق الخصوصية ليسقط كل الجوانب الإيجابية، كالشهامة، والصبر، والعناد في الاندفاع لحماية الأرض وسلامة الأهل، ويعممها مجموعة الثوار الذين وقفوا في ذلك الوقت الموقف الصحيح، وجبلوا بدمائهم تراب وطنهم لنيل استقلاله، وترسيخ حريتهم ووحدة أرضهم ودولتهم، وحتى المشاهد في الوقت الحالي سيشعر بأن بطل الفيلم يعبر عنه، وعن تطلعاته ومشاعره تجاه هذا الوطن ومقدساته».

تجهيز الفنيين لمشهد حي

وأضاف عن الصعوبات: «ليس من السهل في بيئة عمرانية عصرية إيجاد مواقع مناسبة تتطابق مع مشاهد التصوير، فاضطررنا لإجراء العديد من جولات الاستطلاع لتحديد الأماكن الخام التي لم يغزُها الإسمنت المسلح، وتخدم مضمون الفيلم والحقبة الزمنية التي يتحدث عنها، والتي رسخت جغرافية المنطقة الحقيقية، وأضاف عنصرا الحجر وتراب الأرض الجمالية إلى الفيلم، إضافة إلى باقي العناصر الدرامية.

إن الجهد الذي قدمه جميع الفنانين على مدى أيام التصوير لا يقارن بثمن، على الرغم من عناء التصوير ومشاق التنقلات والضغط، لإيمانهم بأن هذه القيم التي يرسخها الفيلم يجب أن تنتقل عبر الأجيال لتكون منارة أخلاقية لكل من سيشاهدها لاحقاً».

يذكر أن الفيلم من إنتاج الدكتور "شاكر حمد ذياب" الابن الحقيقي لبطل القصة السينمائية. وهو من تمثيل: "سمير البدعيش، سامر شقير، وليد الدبس، معن دويعر، مشهور خيزران، اعتدال شقير، أكرم العماطوري، عادل حمزة، أيمن الغزال، جميل مسعود، نزيه سراي الدين ولجين حمزة". مدير التصوير "خالد المصري"، ومدير الإضاءة "وسيم الخطيب"، مشرف الصوت "ماهر الشعار"، المدير الفني "أيسر الشعراني"، ماكياج "هناء المتني"، الموسيقا التصويرية "بسمان حرب"، أغنية الشارة "إيهاب بلان"، وأشعار "شريف المقت"، قارئة الحوار "دانا أبو محمود".