حمل بذرة الموسيقا من والده الراحل، وتعلّق بآلة "العود" منذ الطفولة المبكرة. مقاتلٌ من نوع خاص؛ لأنّ الألحان والموسيقا أقوى أسلحة الحضارة الباقية برأيه؛ ولهذا يعدّ الأب الروحي لنجوم المستقبل في منطقة "شهبا" كلّها.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2 نيسان 2017، الفنان "سعيد حرب" في منزله بمدينة "شهبا"، ليتحدث عن طفولته التي قضاها في ملاحقة حلمه بتعلم الموسيقا، فقال: «ولدت في قرية "دوما" التابعة لمدينة "شهبا" عام 1952، كان والدي عازف "ربابة" معروفاً، وقد انتقل حب الموسيقا إليّ بالوراثة، فهذه البذرة حملتها من دون أن أدري، غير أنني كنت مولعاً بالرسم، لكن عندما انتقلنا إلى مدينة "شهبا" للسكن شاهدت المطرب "فهد بلان" الذي أعشقه، وشعرت لوهلة أنني أريد أن أطير معه.

أدين بالفضل الكبير إلى معلمي "سعيد حرب"، الذي وضعني على السكة الصحيحة منذ أن سمع صوتي وضمني إلى فرقته مع الكورال، ومنها انطلقت. وهو الوحيد الذي قام بتعليمي الموسيقا والغناء في مرحلة الشباب

أول من علمني العزف الفنان "جدعان نور الدين"، كنا نسكن بجانب بيت رجل يدعى "حمود شعبان"، وكان يجتمع فيه عدة شبان يقومون بالعزف على العود والغناء، كنت أستمع إليهم من خلف الشباك، ففاجأتني صاحبة البيت الذي نقيم به، وأدخلتني إلى الغرفة التي يعزف فيها الشبان، ولاحظ "نور الدين" تعلقي بالعود، وبعدها اشتريت عوداً مستعملاً بثماني عشرة ليرة سورية، وبدأ تعليمي عليه، كنت حينئذٍ في الصف التاسع، وكان من الذين يعزفون على آلة العود "نعيم أبو فخر" الذي شجعني كثيراً، وفي عام 1969، ذهبت إلى المعسكر الإنتاجي في قرية "ملح"، كنت أذهب كل يوم إلى مكان مختلف لأعزف وأغني، وأذكر أنني عزفت أمام مجموعة كبيرة من رجال الدين الذين أثنوا عليّ.

أول فرقة يؤسسها في شهبا

وفي هذه السنة كوّنت فرقة إيقاعية من زملائي في المدرسة، وكنا نخوض مغامرات كثيرة وقتئذٍ.

وهكذا بتّ متعلقاً بهذه الآلة، وطموحي أن أستمر نحو النهاية معها».

في إحدى الحفلات الفنية التي قاد فيها إحدى فرقه

صقل موهبته بالعلم، والتحق متأخراً بالمعد الموسيقي الشرقي الوحيد في "دمشق" تلك المدة، فاكتسب العلم، ودخل معترك الحياة في البحث عن التميز، وقال: «ذهبت إلى المعهد عام 1973، قبل أن أدخل المعهد كان أستاذي "خضر جنيد" يقول: أبعدونا عن الفن بالقوة بسبب النظرة الدونية له. ونصحني الفنان "أمين أبو النعاج" صديق والدي والمعروف بفنه في الإذاعة والتلفزيون أن أبتعد عن الفن؛ لأن الدخول إليه صعب جداً، وحرضني على التدريس. غير أنني قررت ألا يعيق مسيرتي شيء، كنا نقيم حفلات دائمة أثناء الدراسة في معهد الموسيقا الذي كان شعبة واحدة على مستوى "سورية" كلها، وكان يطلق عليه "المعهد الشرقي"، وقد تخرّج فيه الفنان "أمين الخياط"، وكان أهم مدرّس في المعهد الفنان "هشام علاء الشمعة" الذي حثّنا على كسر المألوف والتطور، و"كامل القدسي" ذلك الفنان النادر، و"حسني الحريري".

أنهيت دراستي في المعهد عام 1975، وبدأت العمل الفعلي في مدارس منطقة "شهبا"، وكنت أول مدرس في المنطقة لمادة الموسيقا، كان عدد المدرسين قليلاً جداً في المحافظة، منهم الراحل "يوسف الهجري"، والمبدعان: "حمد اشتي"، و"نجيب أبو عسلي"، وكانت المعاناة كبيرة جداً على الرغم من المحاولات الحثيثة لكي نصنع الفارق، ونثبت أن الموسيقا هي غذاء الروح».

أسّس العديد من الفرق، وصنع الكثيرين من النجوم المغمورين، وما زال حتى اللحظة يمارس عمله بكل تواضع، ويقول: «أسّست أول فرقة كورال في منطقة "شهبا"، ولحّنت العديد من الأغاني الوطنية والمنوعة، وجبنا القرى والبلدات كافة، وكان التفاعل لا يصدق، ونشاطنا لا حدود له، فمن المعسكرات الترفيهية إلى الإنتاجية، إلى الحفلات الخاصة التي كان الناس ينتظرونها بشغف.

كنت حريصاً على تطوير القاعدة الموسيقية في المنطقة، وكان هناك مبدعون كثر من الطلبة الذين تسلّموا الراية باكراً، وأثبتوا الحضور، منهم: "بسيم الشحف"، و"وفاء خداج"، و"مثال طحطح"، و"مروان الخطيب"، و"وعد أبو حسون"، و"وسام حاطوم"، وغيرهم. كانت فرقنا تجوب القطر في مهرجانات الشبيبة، وتنال المراكز الأولى، وأظنّ أنني أدّيت الأمانة».

كانت آلته الرئيسة "العود"، إضافة إلى الكمان والأورغ، ويرى أن الفنان والمدرّس يجب أن يكون عازفاً على أكثر من آلة، ومحترفاً لآلة رئيسة، وبعد أن تقاعد عن التدريس، اتجه إلى التعليم عن طريق معهد خاص، وقال: «كنا نعمل ليل نهار من أجل عدة دقائق، أسست لفرقة كبيرة تنافس فرق مدينة "السويداء"، وتنافس على مستوى القطر في المهرجانات، وتركت قاعدة كبيرة من الفنانين الصغار والكبار، وأمارس عملي حتى اللحظة في مركزي المتواضع لتعليم الفن للأطفال.

كنت حريصاً على نجاح العمل، وقد دفعت ضريبة الفن غالية، فقد توفي والدي وأنا أحضر للصعود على المسرح على الرغم من علمي أنه يردّد أنفاسه الأخيرة، لكن الواجب كان يحتم عليّ أن أكون مع فرقتي.

سافرت إلى "اليمن"، وصنعت هناك أشياء تشبه الإعجاز، وعلمت أبنائي الستة حتى اكتسبوا العلم وفن الحياة، وأظنّ أن ما سعيت إليه في رسالتي التي حملتها باكراً قد وصلت».

الفنان المغترب "مروان الخطيب" المولود في مدينة "شهبا"، قال: «أدين بالفضل الكبير إلى معلمي "سعيد حرب"، الذي وضعني على السكة الصحيحة منذ أن سمع صوتي وضمني إلى فرقته مع الكورال، ومنها انطلقت. وهو الوحيد الذي قام بتعليمي الموسيقا والغناء في مرحلة الشباب».

الفنان "وسام حاطوم"، أضاف عن معرفته بالفنان "سعيد حرب": «لقد منحني فرصة العمر التي انتظرتها طويلاً حينما طلب مني أن أغني أمام جمهور كبير، كانت انطلاقتي نحو الغناء المهنة التي احترفتها حتى الآن، لقد تميز بالعطاء والحزم والصدق، والكثيرون من الموسيقيين والفنانين تتلمذوا على يديه، وخاصة في منطقة "شهبا"».