عزف منفرداً على أوتار الحالة الإنسانية، وكشف بواطن الروح من وجع وحلم، وحزن دفين. حالات يحاكيها "خالد الحجار" في معالجة درامية بوسائله التشكيلية اللافتة.

عيون واسعة وأحداق حائرة حزينة، هي أحد التفاصيل التي تشير إلى تجربة هذا الفنان الذي تظهر أعماله حالة البحث عن شخصية فنية خاصة، منتقياً العفوية جسر عبور إلى المتلقي؛ وفق حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 7 شباط 2017، للتعريف بتجربة نقلته من التصميم إلى حالة الخطوط الحادة في أعماله التي تحيط بشخصياته، وقال: «الخط الحاد محدد لشخصية ولدت بصورة عفوية تماماً، فقد كانت ولادتها عبارة عن إسقاط لعذابات الروح في فرحها وألمها وكل تناقضاتها بعيداً عن أقنعة الوجوه والجسد، التي تختلف كثيراً من شخص إلى آخر. أتصوّر أن تناقضات الروح أغلب الأوقات تتشابه فيما بينها؛ لذلك كانت الولادة العفوية والبعيدة كثيراً عن تدخل العقل. وبالنسبة لي كانت هي النافذة الوحيدة التي أتنفس من خلالها صدق المشاعر والعذابات، وكل ما يختلج في النفس من تناقضات تعمل بطريقة أو بأخرى على توجيه مساراتنا، ومن هنا كان الخط القاسي واللين واللون الصارخ الوحشي أو اللطيف الأنسي.

العيون وإبرازها وقياسات الوجوه ونسبها واختلاط جسد الرجل بجسد الأنثى له مبرر أتصور أنه مقنع إلى حدّ ما، فالعيون تحكي بلغة واحدة قادرة على أن تفهم من كل اللغات والأجناس، وهي إلى حدّ ما صادقة غير قادرة على الكذب والخداع، من هنا كان التأكيد على حوار العيون التي تعكس بالضرورة تناقضات الروح واختلاجات الجسد، وبما أننا نتكلم عن الأرواح فقد نكون هنا استطعنا تجاوز النوع الجسدي، أقصد نوع الجنس؛ لأن الروح عادة تحمل الجنسين معاً، ومن هنا تكمن تناقضاتها

العفوية هي البحث الصادق الذي من خلاله نكتشف داخلنا ودواخل غيرنا، نختبر تعلم المشي من دون قناع؛ لذا فالوضوح أو التمويه له علاقة أكيدة بوضوح الروح التي تدفعني لأترجم هذه المشاعر إلى أعمال تحاكي التناقضات التي نعيشها.

من أعمال الفنان خالد الحجار

بدايته المبكرة مع الفن يعدّها مستند حياة، ويضيف: «أظن أنّ الفنّ بالنسبة لي كان حياة انطلقت باكراً لأمارس التصميم الفني الذي احترفته لسنوات، وفي مراحل لاحقة تابعت مع التشكيل، لكن منذ عامين ونصف العام بدأت تجربة جديدة راقت لفكري وأخذت تتسلل بالتدريج بعد أن قررت تحييد التصميم، ليكون مشروعي مع الرسم مختلفاً تماماً أسعى من خلاله إلى الأبدية وسبر أغوار الروح بكل تناقضاتها، فقد يكون ذلك مرتبطاً بما يحدث من مستجدات حولنا، لكنني أعتقد أن الروح ثابتة؛ فهي الهوية أو الخاصية التي ربما استطعت الوصول إليها في الفن، وأظن أيضاً أنها لا تشبه أحداً، ومن هنا لاقت قبولاً ومحبة من المتلقي، كما لمست أنه قبول مقترن بالراحة لماهية الرسالة وعمقها؛ فالروح الصافية تلاقي النضير».

تتحاور شخصياته بوجوه وعيون بارزة يبدأ منها حديث تقَصّدَه ليصل إلى عين المتلقي، وقال في ذلك: «العيون وإبرازها وقياسات الوجوه ونسبها واختلاط جسد الرجل بجسد الأنثى له مبرر أتصور أنه مقنع إلى حدّ ما، فالعيون تحكي بلغة واحدة قادرة على أن تفهم من كل اللغات والأجناس، وهي إلى حدّ ما صادقة غير قادرة على الكذب والخداع، من هنا كان التأكيد على حوار العيون التي تعكس بالضرورة تناقضات الروح واختلاجات الجسد، وبما أننا نتكلم عن الأرواح فقد نكون هنا استطعنا تجاوز النوع الجسدي، أقصد نوع الجنس؛ لأن الروح عادة تحمل الجنسين معاً، ومن هنا تكمن تناقضاتها».

من أعماله أيضاً

التحوير في الصورة واعتصار الأسرار؛ فكرة تناولها الدكتور "عبد الكريم فرج" في قراءة أعماله، وقال: «من الفنانين الشباب الذين اتخذوا من الرسم والتصميم والتصوير لغة تحمل فطنة البحث التجريبي والقدرة على صياغة صورة إنسانية في حالات تعبيرية لافتة؛ فقد وظف تصميمات الصورة البشرية بمهارة الرسام المتمكن والملون المحور والمبسط بإرادة ذكية، جعلت الدراما هدفاً أساسياً بمجمل تحويراته وتأليفاته المرئية، واستطاع أن يضع نفسه والمتلقي في مشهد المتفرج على المسرح، وفي مشهد إدخال المتلقي عملية تمثيل الصورة الدرامية في أعماق المشهد ذاته.

وضع إنسانه في معمعة دائمة من الحضور الوجودي، يأخذه التحوير في الصورة إلى اعتصار الأسرار في متاهات تبقى متسائلة وحائرة على الدوام، ترسم شخصياته ذلك التناقض بين السكون والضجيج بأصوات مضمرة تصم الآذان، وتزيد التوقعات وتحيّر النفوس لتبحث عن فرح وسعادة، لكنها هاربة أو مستعصية، لكن "خالد" يلاحقها من دون تردد أو مهادنة.

الدكتور عبد الكريم فرج

وقد قرر صياغة شخصيات تظهر وتختفي، وتحضر بالأجساد، أو بعض التفاصيل تتصدى تصرخ بصمتها إلى ما لا نهاية، والأطراف تستريح معنا، وفجأة تحتج بألوانها وخطوطها وأشكالها مثيرة ذلك الصخب الداخلي غير مستكينة، متجذرة ومتيقظة إلى الأبد. لقد أوجد نفسه ناطقة وهي غافية حالمة، ومتأملة وهي باكية، تخال صوره كاريكاتورية منهزمة أو مستلبة، لكنها مرآة حقيقية أدخلت الشعور باللا شعور بأسلوب أصبح هو نفسه، أو لنقل تحولاته الدرامية تسير إلى أين؟ لا ندري».

ما يجدر ذكره، أنّ الفنان "خالد الحجار" من مواليد "صلخد"، عام 1973، خريج قسم الإعلان الاتصالات البصرية، كلية الفنون الجميلة عام 1995، شارك بمعرض وزارة السياحة بمناسبة يوم السياحة العالمي، ومعرض اللوحة الصغيرة في صالون "القصيدة الدمشقية"، ومعرض "خفق روح" في غاليري "مصطفى علي"، محترف "غرافيك ديزاينر"، والعديد من أعماله مقتناة ضمن مجموعات فردية داخل القطر وخارجه.