الكتلة والفراغ والدقة في استخدام المنظور، إضافة إلى العمل على مادة "البيتون" قليلة الاستخدام في عالم الرسم البارز؛ أهم السمات التي تميز أعمال الفنان "طارق الجرماني"، الذي يرى أن عمله في مادة "البيتون" أثبت أنّ الفنّ هو تحويل كل ما يحيط بك إلى جمال.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان "الجرماني" بتاريخ 24 تشرين الثاني 2016، فتحدث عن سبب توجهه إلى الرسم والنحت في مادة "البيتون" بالقول: «من المعروف أن الفنان الذي يعمل في النحت أو ما يتعلق به من الرسم البارز بالذات، يعمل بمواد معروفة كالرخام أو الحجر كمواد قاسية، أو مواد لينة كـ"الجبس والصلصال والستيربور"، لكن توجهي إلى العمل بمادة البيتون هو محاولة لإيجاد لغة جديدة في عالم الفن، فمن المعروف أن هذه المادة هي مادة خاصة بالبناء، والكثيرون يتعاملون معها كمادة صماء لا تحتمل الشكل الفني بمعناه الحقيقي، لكن أن تقوم بأنسنة هذه المادة، فهذا عمل جميل ومميز، ويعطي نكهة جديدة للفن، لذلك توجهت إلى العمل على هذه المادة عبر الرسم بها بأسلوب النحت لتكون هي مضمون اللوحة الفنية».

الفن شئنا أم أبينا هو حالة تعبير عن الواقع، وتجسيداً لمفهوم مجتمعي في زمان ومكان معين، لذلك يجب أن تكون رسالة الفنان هي تقديم هوية المكان الذي ينتمي إليه، لذلك ترى في أعمالي حضور المرأة بشكلها السوري والعربي، وحضور ثقافة هذا الشرق الذي ننتمي إليه

وعن كيفية عمله على هذه المادة، يتابع: «العمل بها في البداية لا يختلف كثيراً عما يقوم به العامل العادي، فأنا أقوم بعملية خلط الرمل سواء البحري أو العادي مع الإسمنت، إضافة إلى بعض المواد المقوية التي تعطي قوة للمادة، كبودرة الرخام، ثم أبدأ رسم الشكل الذي أريده على الجدار كخطوط مبدئية، مراعياً في ذلك الأبعاد في الطول والعرض والتشريح للوحة، ثم أبدأ وضع مادة البيتون ونحتها بالسكين أداتي الرئيسة في نحت وتشكيل العمل الفني، وهنا لابد من مراعاة البروز في الكتلة؛ الذي يساهم في تشكيل الفراغ الذي يعد خلفية اللوحة؛ وهذا نسميه "الروليف"، وقد يستغرق العمل مني أحياناً مدة خمسة عشر يوماً أو أكثر.

الفنان فيصل الحسين

وقد تناولت في أعمالي أغلب المواضيع، من الطبيعة إلى المرأة إلى الأسطورة، إلى اللوحات القدسية كلوحة "الخضر" مثلاً أو لوحة السيد "المسيح"، كما أن العمل على هذه المادة يقدم فائدة؛ فهي أولاً مادة أقل تكلفة إذا ما قورنت مع مادة الرخام أو الجبس، وثانياً هي مادة لينة ومطيعة يمكن إصلاح الأخطاء فيها وتشكيلها بطريقة أسهل بالنسبة للفنان».

وعن المدارس التي يعمل عليها في أعماله، يقول: «مع أنني أعدّ كل المدارس مجال بحث مفتوحاً أمام الفنان، إلا أن أغلب أعمالي الفنية تنتسب إلى المدرسة التعبيرية؛ لأنها مدرسة مباشرة، ولأنني أحب الأشكال الواضحة البعيدة عن الرمزية، فالأسلوب التعبيري يخدم الفنان عبر إبراز المضمون من خلال الشكل، وخاصة أن المضمون إذا ظهر بالشكل يعطي القيمة الجمالية الحقيقية للفن، وأنا أعتبر أن الحالة التعبيرية هي السائدة في العمل، لأنها تأخذ العمل بشكله ومضمونه، وبهذا الأسلوب أشعر بجمالية خاصة في أعمالي، لذلك ترى في أعمالي طغيان الصراحة والوضوح حتى بعد تلوين المنحوتة، وكذلك في أعمال "البورتريه" التي رسمتها، ترى رسم الوجوه بالطريقة التعبيرية أيضاً».

لوحة الطبيعة أثناء العمل بمادة البيتون

وعن تجربته الفنية، يقول: «تجربتي الفنية تطورت مع الزمن، وخاصة في طريقة التزام الدقة في العمل الفني من ناحية الأطوال والأبعاد؛ وهذا يعطي دقة أكبر للشكل، ويجعله أكثر جمالاً، ومع الاستمرار تطورت التجربة؛ وهذا ما أعدّه حالة تجدد وانتقال، لذلك ترى في أعمالي الأخيرة نضجاً أكبر، كما في أعمالي التي صورت بها الطبيعة والمرأة، فالتجربة كلما تطورت أصبحت تفضي بإحساس أكثر بالحياة، واليوم لدي أكثر من 400 عمل فني بكل المقاسات الصغيرة والكبيرة التي نحتها على الجدران سواء في المنازل أو الأماكن العامة، وقد تناولت فيها المرأة والأسطورة والطبيعة، وفي كل أعمالي رسالة إلى الحياة».

وعن أسلوبه بالعمل الفني، يقول: «هناك هوية في أعمالي الفنية تتجلى في المواضيع المختارة، فالعمل يعتمد فكرة؛ فهي التي تجعل علاقة الفنان بالعمل الفني علاقة حب قبل أن تكون علاقة معرفة، والفكرة بحاجة إلى رؤية ناضجة لكي يصبح الموضوع المرسوم ذا دلالات لما يريد الفنان التعبير عنه سواء أكان الموضوع من الطبيعة أو البيئة أو الحياة بوجه عام، وأنا أحب الفكرة التي تحافظ على حرية العمل، حيث لا يبدو العمل مقيداً، بل يبدو فيه الأفق مفتوحاً».

لوحة شروق المعرفة على حائط إحدى المدارس

وعن جوهر الفن ورسالته، يتابع: «الفن شئنا أم أبينا هو حالة تعبير عن الواقع، وتجسيداً لمفهوم مجتمعي في زمان ومكان معين، لذلك يجب أن تكون رسالة الفنان هي تقديم هوية المكان الذي ينتمي إليه، لذلك ترى في أعمالي حضور المرأة بشكلها السوري والعربي، وحضور ثقافة هذا الشرق الذي ننتمي إليه».

وفي قراءة للفنان "فيصل الحسين"، من مدينة "السويداء"، عن أعمال الفنان "الجرماني"، يقول: «الفنان "طارق"، ينتمي في أعماله إلى المدرسة التعبيرية الحديثة، وخاصة على مستوى التقنية في العمل الفني، وأغلب الموضوعات التي اختارها في أعماله تنتمي إلى البيئة السورية، ونرى في أعماله تشكيلات جمالية تعدّ تطوراً في عالم الديكور، وخاصة من خلال نقله لمادة الإسمنت من إطار الاستخدام في عامل البناء إلى الاستخدام في عالم الفن، وتحويل هذه المادة من مادة مشوهة إلى حالة جمالية، مع حفاظه على مقاربة الحالة مع ما هو منحوت في المواد المتعارفة في النحت كالرخام؛ وهذا يجعل الناظر يعرف أن الفنان يستطيع أن يجعل كل شيء يلمسه يتحول إلى جمال، كما أنه يعتمد الفكرة البسيطة في تشكيل أعماله، والأشياء كلما ازدادت بساطة ازدادت جمالاً وكمالاً؛ كما يقال».

يذكر أن الفنان "الجرماني" من مواليد مدينة "جرمانا"، عام 1976، ويحمل الشهادة الثانوية، وقد درس في معهد الفنون التشكيلية عام 1995، وشارك في ملتقى "الريان" الفني الذي أقيم في مدينة "الدوحة" عام 2004 بـ28 لوحة، متزوج ولديه ولدان.