بلاغة اللون وتقنية التصميم، أهمّ ما يميز لوحات وأعمال الفنان "مروان جمول"، الذي يعدّ اللون اللاعب الرئيس في زيادة وضوح الرؤية في تشكيل العمل الفني.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان "جمول"، بتاريخ 29 تشرين الأول 2016، فتحدث عن سبب اعتماده اللون في أعماله بالقول: «أعتمد اللون، أو أبدأ باللوحة لونياً، ثم أنتقل إلى الموضوع المراد رسمه؛ لأن اللون برأيي هو من يعطي الحياة ويعبّر عنها في العمل الفني، بمجرد وضع الألوان تتكون تكوينات اللوحة لدي، وأبدأ بعدها تأكيد الموضوع؛ فاللون هو من يقدم التوازن ويوسع رقعة الجمال في اللوحة؛ لأنه رمز التماس المباشر والحوار بين ما يريده الفنان والعالم الذي يريد تصويره، فالحياة بلا لون هي حياة جافة، واعتماد الفكرة على اللون في أعمالي يمثّل مركز التوازن ببناء اللوحة وتقديم مفردات العمل الفني، وأنا أميل إلى كل الألوان ولا أتحيّز للون معين، فترى كل الألوان حاضرة في مجمل لوحاتي لكن حسب اللون المراد في الموضوع، كما في اللوحات التي رسمت فيها الطبيعة والبيئة والمرأة والتراث».

هناك هوية في أعمالي الفنية تتجلى في حبي للبيئة والطبيعة والتراث وحبي لرسم الوجوه، وهنا ترى أن أسلوبي يعتمد على التقاط المشاهد التي تحيط بي، وذلك برؤية واضحة وناضجة لكي يكون الموضوع المرسوم أكثر دقة، وأنا أرفض الفكرة التي تقيد عمل الفنان، شرط ألا يغير الفنان شكل الموضوع المراد رسمه، وكما يقال عليك دائماً رسم ما هو حقيقي

وعن المدارس التي عمل عليها والتقنية التي اعتمدها، يتابع: «أنا لا أنتمي إلى مدرسة فنية معينة، بل أعمل على كل المدارس؛ فترى التعبيرية والواقعية والرمزية والسريالية أحياناً في أعمالي، وذلك حسب الحاجة في الموضوع، وقد قدمت أكثر من مدرسة في اللوحة الواحدة؛ وهذا يقدم قيمة جمالية للوحة، وذلك بكل التقنيات، فترى تقنية "الغرافيك والكولاج والباستل والغواش"، وأعدّ كل المدارس مجال بحث للفنان؛ وهذا ما يجعله يتجاوز مرحلة التقيد بالشكل وينتقل إلى رسم المضمون من دون التوقف كثيراً عند الشكليات، وخاصة أن المضمون هو القيمة الجمالية الحقيقية للفن، لكن هذا يجب أن يترافق مع الدقة في تقنية تصميم العمل الفني؛ لأن التقنية تجعل العمل الفني عمل بعيد عن الفوضى، حتى لو كان اللون هو الأساس في رسم اللوحة، لذلك ترى في أعمالي طغيان للألوان الواضحة والصريحة من دون إغفال الدقة في رسم الخطوط المحيطة بالشكل، وكل ذلك بكل التقنيات التي يستخدمها الفنان من الريشة والسكين والأصبع واليد، كما أنني جربت كل الخامات من المائي والزيتي والرصاص، ورسمت البورتريه».

بعض لوحات الفنان جمول في معرض حالات لونية

وعن المراحل التي مرت بها تجربته الفنية، يقول: «تجربتي الفنية كتجربة أي فنان يحب أن يتطور ويستمر بالعطاء، قد مرت بمراحل عديدة، وقد تطورت مع الزمن؛ لأن الخبرة بدأت تقدم لها المزيد من التقنية والفهم في رسم الموضوع، وخاصة في طريقة استخدام اللون، لذلك أصبحت الأعمال أكثر دقة وتعبيراً من ناحية الفكرة واللون، وهذا ما أعدّه حالة تجدد وانتقال، لذلك ترى في لوحاتي الأخيرة في معرض "حالات لونية"، الذي أقيم في صالة "قصيد فن"، أنني تناولت مواضيع التراث والبيئة والحالات الإنسانية، والأعمال المقدمة كانت أكثر نضجاً ووعياً، فالتجربة كلما تطورت أصبحت تفضي بإحساس أكثر بالحياة، ولدي اليوم ما يزيد على 500 عمل فني بكل المقاسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وقد تناولت شتى مواضيع الحياة، وكل أعمالي تتضمّن رسالة حبّ وانتماء لهذه الأرض التي أحبّها».

وعن عمله بالتصميم الفني، يقول: «التصميم هو عمل هندسي فني، وهو ما يؤكد جدية الفن وعدم فوضويته، كما أنه يعتمد البساطة والإخراج الجميل؛ أي السهل الممتنع، والتصميم يحتاج إلى جهد أكبر في العمل الفني؛ فهو إضافة إلى حاجته إلى تجسيد عدة أفكار في شكل واحد نراه بحاجة إلى التقنية من آلات الطباعة، والتصميم يبدأ بالفكرة وقد يأخذ التصميم الواحد لدي أكثر من شهرين من العمل المتواصل، فأنا أبدأ أخذ المقاسات على الورق بالنسبة للطول والعرض والبعد، ثم أبدأ مرحلة الرسم على الورق وذلك عبر اعتماد الشكل الصغير قبل الكبير من أجل الدقة، حتى نصل إلى النموذج المراد، وقد قدمت تصاميم كثيرة في المحافظة وقراها، مثل: تصميم نصب شهداء قرية "إمتان"، وتصميم مشهد الشهيد "رشيد طليع" في قرية "بوسان"، ومشهد الجناحين في ساحة "الشعلة"، في مدينة "السويداء"».

تصميم مشهد لوحات شهداء بوسان للفنان جمول

وعن أسلوبه بالعمل الفني، يتابع: «هناك هوية في أعمالي الفنية تتجلى في حبي للبيئة والطبيعة والتراث وحبي لرسم الوجوه، وهنا ترى أن أسلوبي يعتمد على التقاط المشاهد التي تحيط بي، وذلك برؤية واضحة وناضجة لكي يكون الموضوع المرسوم أكثر دقة، وأنا أرفض الفكرة التي تقيد عمل الفنان، شرط ألا يغير الفنان شكل الموضوع المراد رسمه، وكما يقال عليك دائماً رسم ما هو حقيقي».

وعن جوهر الفن ورسالته، يتابع: «الفن رسالة سامية وجدية تؤكد الهوية والانتماء، وليس عملاً فوضوياً وعبثياً. وفي أعمالي الفنية أحاول أن أثبت هذه المقولة، من خلال رسمي للبيئة والطبيعة السورية، وهذا ما يؤكد هويتنا وانتماءنا العربي، كما أن الفن يجب أن يعنى بالتاريخ والجغرافية، لذلك لدي الكثير من اللوحات والتصميمات التي تناولت فيها "الثورة السورية الكبرى" ضد المستعمر الفرنسي؛ إيماناً مني بأن الفن يجب أن يخدم رسالة وجودنا وهويتنا».

وفي قراءة للفنان "عادل أبو الفضل"، من مدينة "السويداء" لأعمال الفنان "جمول"، يقول: «"مروان" فنان دائم البحث، ونرى في أعماله استنهاض المؤثرات البيئية، كما تظهر لديه جملة من التفاعلات الفنية في اللوحة الواحدة، وهناك عفوية وهدوء في أعماله من خلال التكوين والانسجام اللوني، والموضوعات التي يرسمها أغلبها تنتمي إلى البيئة والطبيعة السورية، وأسلوبه في العمل يتميز بالإيحاءات والألوان الحارة والصريحة، وقد ساهم كثيراً كفنان في العمل على اللون لتصبح اللوحة أكثر دفئاً، كما أنه يعتمد أيضاً الفكرة البسيطة التي تشكل من خلالها روحاً يعجب بها من يشاهد العمل».

يذكر أن الفنان "جمول" من مواليد مدينة "السويداء"، عام 1956، وهو خريج كلية الفنون الجميلة، قسم الفنون الزخرفية بـ"دمشق" 1982، وقد أقام خمسة معارض فردية، والكثير من المعارض المشتركة والجماعية، ولديه مقتنيات بالمتحف الوطني بـ"دمشق"، وهو متزوج ولديه ولدان "فادي" و"قصي".