فكرة اللوحة وحرارة اللون، هي أهم السمات التي تميز لوحات الفنانة "ميسون علم الدين"، التي تعدّ اللون روح اللوحة الفنية، وهو مركز التماس المباشر بين الفنان والعالم الخارجي.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنانة "علم الدين" في 7 أيلول 2016، فتحدثت عن سبب اعتمادها اللون والفكرة في عملها الفني بالقول: «أعدّ اللون والفكرة أساس بناء اللوحة؛ لأنّ اللون هو العالم الأقرب إلى الروح، وهو رمز التماس المباشر والحوار بين داخل الفنان والعالم المحيط به، فالحياة بلا لون هي حياة بلا طعم، فاللون هو المحرك الأساسي للحب والحياة والفرح، والفكرة هي مركز التوازن ببناء اللوحة، ولكن اللون يؤكد الفكرة؛ فأنا أعدّ اللون هو الذي يوحي بمفردات العمل الفني، وهو من يقدم الفكرة كما نريدها، فهو حقيقة الوجود؛ لأنه عالم من الحسّ والجمال، لذلك ترى في أعمالي الألوان هي سيدة اللوحة بلا منازع، مع ميولي إلى استخدام اللون الأخضر أكثر من بقية الألوان، لأنني أعدّ هذا اللون لون النور، ولأن لهذا اللون أبعاداً نفسية وروحية، وهو من أخطر الألوان، وخاصة أنه لون حار وله 300 درجة، وله مركز القلب بين الألوان، لذلك أرى أن هناك علاقة بحث بيني وبين الأخضر في أغلب أعمالي، كما في اللوحات التي رسمت فيها الطبيعة والمرأة والأساطير».

الفن رسالة وليس عملاً تزيينياً، وأنا في أعمالي الفنية أحاول أن أجسّد ذلك، من خلال تجسيدي للحدث الذي يخصّ مركز انتماءنا؛ فترى المرأة والطبيعة السورية حاضرة في أعمالي، وهذا ليس تحيزاً، ولم يمنعني من رسم ما هو إنساني أصلاً، لكن علينا دائماً أن نوثّق من خلال فنّنا الجمال الذي ننتمي إليه كمجتمع له خصوصية ضمن الخصوصيات العالمية

وعن المدارس التي عملت عليها والتقنية التي اتبعتها، تضيف: «مع أنني أعدّ كل المدارس مجال بحث للفنان، ولكن عملي الفني انحصر بالمدرسة التعبيرية الانطباعية؛ لأنها مدرسة مباشرة، وهي لا تعتمد رموزاً وتفاصيل، فالأسلوب التعبيري هو حالة تجاوز للشكل والتقيد من خلال لمسات اللون من دون التوقف كثيراً عند التفاصيل، وهذا الأسلوب يخدم الفنان بالبعد عن الشكليات والاعتماد على المضمون، وخاصة أن المضمون هو القيمة الجمالية الحقيقية للفن، ومع أن الفن في القرن الحادي والعشرين لم يعتمد مدرسة معينة، ولكن هناك مقاربات تقول إن الفن فيه أقرب إلى المفهوم التعبيري، والحالة التعبيرية هي السائدة في العمل؛ لأنها تأخذ العمل بشكله ومضمونه، وأنا في هذا الأسلوب أشعر بجمالية خاصة في لوحاتي من خلال استخدام نظافة اللون ووضوحه، لذلك ترى في أعمالي طغيان الألوان الواضحة والصريحة، وكل ذلك بكل التقنيات التي يستخدمها الفنان من الريشة والسكين والإصبع واليد، مع أنني أستخدم السكين كثيراً؛ لأنها تعطيني إحساساً قوياً في العمل، كما أنني جربت كل الخامات من المائي والزيتي والرصاص، ورسمت البورتريه».

الفنانة سوسن أبو فراج

وعن تجربتها الفنية، تقول: «تطورت التجربة مع تقدم الزمن، في البداية تكون الخبرة غير كافية، وخاصة في طريقة استخدام اللون والتقنية، ولكن مع الاستمرار تطورت التجربة، فأصبحت الأعمال أكثر إشراقاً من ناحية الفكرة واللون، وهذا ما أعدّه حالة تجدد وانتقال، لذلك ترى في لوحاتي الأخيرة في معرض "تغريبة"، الذي أقيم في صالة "قصيد فن"، والذي تحدثت فيه أعمالي عن الوضع الراهن، ترى أعمالاً أكثر نضجاً من الأعمال السابقة، فعلى الرغم من الفكرة الحزينة كان هناك إشراق للون، فالتجربة كلما تطورت أصبحت تفضي بإحساس أكثر بالحياة، ولدي اليوم 400 عمل فني بكل المقاسات الصغيرة والكبيرة، وقد تناولت فيها المرأة والأسطورة والطبيعة، وكانت الرسالة في كل أعمالي هي رسالة للحياة».

وعن غلبة تصوير الطبيعة في أعمالها، تقول: «بكل بساطة أحسّ بأنني جزء من الطبيعة، وأؤمن بأن الفنان الذي يتعامل مع الطبيعة يعطي الفرح والأمل من خلال الأحاسيس الواضحة التي تمنحها الطبيعة نفسها، كما أن تكوينات اللوحة التي تصور الطبيعة يضاف إليها الرونق والجمالية وتتمة الإحساس؛ فاللوحة هي أفكار الفنان التي يستحوذها من الأشياء، وأنا متحيزة للطبيعة؛ لأنها تعطيني الراحة وتجعلني بالوقت نفسه أستخدم التقنيات الفنية أكثر، حيث تتداخل الألوان الترابية مع الزيتية، وتتشارك خامة اللوحة مع ريشة الفنان بأفق مفتوح».

من أعمال الفنانة علم الدين

وعن أسلوبها بالعمل، تتابع: «هناك هويّة في أعمالي الفنية تتجلى في المواضيع المختارة وعناصر اللوحة، فالعمل يعتمد فكرة، ولكن يجب أن تكون هذه الفكرة غير معلّبة لدى الفنان؛ فالفكرة هي التي تجعل علاقة الفنان باللوحة علاقة حب قبل أن تكون علاقة معرفة، والفكرة بحاجة إلى رؤية ناضجة لكي يصبح الموضوع المرسوم صاحب دلالات لما يريد الفنان التعبير عنه؛ سواء أكان الموضوع من الطبيعة أو البيئة أو الحياة بوجه عام. وأنا أحياناً أرفض الفكرة التي تقيّد عمل الفنان، ولا تعطيه الحرية التي يجب أن تكون أساس اللوحة، فعليك إن وقفت أمام مساحة بيضاء أن تكتب عليها ما هو حقيقي».

وعن جوهر الفن ورسالته، تتابع: «الفن رسالة وليس عملاً تزيينياً، وأنا في أعمالي الفنية أحاول أن أجسّد ذلك، من خلال تجسيدي للحدث الذي يخصّ مركز انتماءنا؛ فترى المرأة والطبيعة السورية حاضرة في أعمالي، وهذا ليس تحيزاً، ولم يمنعني من رسم ما هو إنساني أصلاً، لكن علينا دائماً أن نوثّق من خلال فنّنا الجمال الذي ننتمي إليه كمجتمع له خصوصية ضمن الخصوصيات العالمية».

وفي قراءة للفنانة "سوسن أبو فراج"، من مدينة "السويداء" في أعمال الفنانة "علم الدين"، تقول: «الفنانة "ميسون" تنتمي إلى المدرسة التعبيرية الحديثة، وخاصة على مستوى التقنية ومستوى جيولوجيا اللوحة، والموضوعات التي ترسمها أغلبها تنتمي إلى البيئة والطبيعة السورية، وأسلوبها في العمل يتميز بالإيحاءات والألوان الحارة والصريحة، وقد ساهمت كثيراً كفنانة في تهذيب اللون الحار في أعمالها لتصبح اللوحة أكثر دفئاً، كما أنها تعتمد أيضاً الفكرة البسيطة التي تشكّل من خلالها روحاً يعجب بها الناظر، وبالتالي من يرى لوحات "ميسون" يعرف أنه ينظر إليها بقصد الاستماع بمشهد جمالي مميز».

يذكر أن الفنانة "علم الدين" من مواليد مدينة "السويداء"، عام 1967، وهي خريجة معهد الفنون التشكيلية عام 1989، ولديها معرضان فرديان والكثير من المعارض المشتركة والجماعية، وقد شاركت في ملتقى التصوير الزيتي في لبنان عام 2004، وشاركت بملتقى التصوير الزيتي بـ"السويداء"، عام 2016.