تعدّ "العتابا" من الفنون الشعرية التي ترتبط بالتراث اللا مادي، لكنها ارتبطت بالشجن في "جبل العرب" بالأسلوب والأداء لهذا النوع من الشعر، وهو يحمل طابعاً يميل إلى الوجداني وربما يميل نحو الحزن والاستقراء للمستقبل بأوزان وإيقاعات منتظمة.

حول "العتابا" مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 6 حزيران 2016، التقت الباحث التراثي "محمد جابر"، فقال: «تعد "العتابا" فناً زجلياً رباعياً يدخل ضمن التراث اللا مادي؛ فهو الحامل للمعاناة والوجدان، تتألف من أربعة أشطر وأربع قوافٍ، تكون الثلاثة الأول متفقة في المبنى مختلفة في المعنى، أما القافية فتكون مخالفة وأغلب الأحيان تأتي على وزن عتاب، معناها عاتبه معاتبة وعتاباً، ويقول الشاعر:

تعرف "العتابا" بأنها من الفنون الحاملة للأصول والقواعد ذات البنائية والموسيقية، وألحانها متعددة تختلف بين منطقة وأخرى وبمجملها تحتاج إلى المد الصوتي، وهي تدخل ضمن قالب الموال المتضمن الترجيع في الصوت والعرب المتعددة، ومؤدي "العتابا" له خصوصية خاصة على آلة الرباب، فإن ألحانها عادة تحمل جملاً موسيقية "تطريبية" تحمل الحزن والتأمل والمناجاة للزمن، ولأن جذورها تمتد في عمق التاريخ الفني العربي تغلب عليها طابع الشجن وغرضها الشكوى والمعاتبة، ومنذ زمن ليس بالقريب دخل إلى "العتابا" الغزل والوصف وغير ذلك، وأصبح للونها عشاق ومحبون تغنى على الرباب وآلات موسيقية مختلفة، وثمة مقولة في "جبل العرب" أن من لا يجيد "العتابا" على الربابة فهو عازف غير متمكن؛ وكأن "العتابا" مقياس المهارة في العزف

"أعاتب ذا المودة من صديق... إذا ما رابني منه أجناب

الباحث التراثي محمد جابر

إذا ذهب العتاب فليــس ودّ... ويبقى الودّ ما بقي العتاب"

والعتب والعتبان لومك الرجل على إساءة كانت له إليك، والتعتب والتعاتب والمعاتبة تواصف الموجدة، وفن "العتابا" الشائع في "العراق" و"الشام"، إنما سمي بهذا الاسم، من معاتبة الزمن، والزمن عند العامة اصطلاح يختزل كل ضروب القهر التي تواجهه. إذن، هي المعاتبة والملامة من قهر أو الأسف والحزن، عتاب الزمن أو القدر أو الحظ أو المحبوب أو الأخ أو الصديق، وربما هي ليست دائماً على قدر المحبة، ومن أهم ميزاتها البراعة في الصنعة اللفظية والمعنوية، فهي تشغلك بالتفسير واستنباط المعاني، كما أن لها تأثيراً كبيراً في النفس لدرجة الإعجاب لما تحملته أكثر الأحيان، من حزن وشجن ورقة وعذوبة في الشكوى والعتاب، حتى إنها قد تثير الدمع أحياناً».

شاعر الرباب سعيد جابر أبو سعيد

وعن أوزانها تابع الباحث "محمد جابر"، يقول: «وزنها على البحر الوافر، (مفاعلتن مفاعلتن فعولن)، وبنائيتها يتألف بناؤها من بيتين شعريين لا أكثر ولا أقل هما بمنزلة قصيدة قائمة بذاتها، أو صورة كاريكاتورية يجب أن تفي بالغرض، فهي كل ما يريده الشاعر، بهذين البيتين لا غير، ويتكون هذان البيتان من أربعة أشطر، وأربع قواف، تكون الأشطر الثلاثة الأولى بقافية موحدة متجانسة، وقد تكون كلمة واحدة، لكن معناها مختلف في كل قافية عن سواها، فالقوافي الثلاث متفقة في اللفظ، مختلفة في المعنى.

أما الشطر الرابع فيكون مختلف القافية، ويجب أن تكون مغايرة، وأغلب الأحيان ينتهي بحرف باء قبلها حرف مد على وزن "عتاب" أو بأي حرف آخر مطلق بألف ممدودة أو مقصورة أو هاء، ومنها ما يسمى "الموالف" وهو أن تكون قافية البيت الثاني "القافية الثالثة" لها تكملة في المصراع الذي يليه».

أما عن نشأة "العتابا" وحكايتها فيتابع "محمد جابر" بالقول: «كثيرون هم الذين تحدثوا في هذا الموضوع، لكن لم يعط أحد تاريخاً دقيقاً لمكان وتاريخ ولادتها، فهناك قائل إنها ولدت بالغرب، وآخر إنها ولدت في الشرق، وهناك من قال من العلماء إنها نشأت في نهاية القرن الخامس الهجري، وهناك من يميل إلى الاعتقاد بأنها تعود في أصولها إلى الزجل الذي ولد في ذلك التاريخ في "الأندلس" وبعدها انتقل إلى المشرق، ومن المعروف أن "الزجل" نشأ في الأندلس ثم انتقل إلى المشرق وأخذ من لون المكان، وفي "الشام" عرف "الزجل" في "العراق" بـ"العتابا" و"الزهيري"، غير أن حكاية "العتابا" تقول إن تسميتها منسوبة إلى فتاة جميلة كان اسمها "عتابا" كانت تقيم في جبل "سنجارة"، وقد أحبها شاب فقير لا يملك شيئاً، كان يعمل بالزراعة، ثم أدى ذلك الحب إلى الزواج، وعاش العاشقان حياة ملأى بالحب والفقر؛ وهو ما دعا الزوج إلى السفر والفراق بسبب الحاجة وضيق العيش، ولما عاد لم يجدها وفوجئ بخيانتها له وتركها بيته إلى قصر سيد القرية ذلك الإقطاعي الذي استغل غيابه وبعّده عنها، وأغراها بما عنده، فأيقن الزوج أنها لن تعود إليه وقد ضاعت منه فراح يبكي وهام على وجهه، لا يلوي على شيء، تاركاً "عتابا" وبلادها وما فيها، وانطلق حزيناً بائساً، لكنه لم ينسى ذلك الحب فأخذ يغني أبياتاً رباعية في العتاب سميت فن "العتابا" قيل إنها أول أبيات في "العتابا"، وراح الناس يتبعونه في هذا الفن، والأبيات هي:

"عتابا بين برمي وبين لفتي... عتابا ليش لا غيري ولفتي

أني ما روح للقاضي ولا أفتي... عتابا بالثلاث مطلقه"».

وحول أداء "العتابا" على آلة الرباب أوضح شاعر الرباب "سعيد جابر أبو سعيد" بالقول: «تعرف "العتابا" بأنها من الفنون الحاملة للأصول والقواعد ذات البنائية والموسيقية، وألحانها متعددة تختلف بين منطقة وأخرى وبمجملها تحتاج إلى المد الصوتي، وهي تدخل ضمن قالب الموال المتضمن الترجيع في الصوت والعرب المتعددة، ومؤدي "العتابا" له خصوصية خاصة على آلة الرباب، فإن ألحانها عادة تحمل جملاً موسيقية "تطريبية" تحمل الحزن والتأمل والمناجاة للزمن، ولأن جذورها تمتد في عمق التاريخ الفني العربي تغلب عليها طابع الشجن وغرضها الشكوى والمعاتبة، ومنذ زمن ليس بالقريب دخل إلى "العتابا" الغزل والوصف وغير ذلك، وأصبح للونها عشاق ومحبون تغنى على الرباب وآلات موسيقية مختلفة، وثمة مقولة في "جبل العرب" أن من لا يجيد "العتابا" على الربابة فهو عازف غير متمكن؛ وكأن "العتابا" مقياس المهارة في العزف».