واقعية اللقطة وحرارة اللون سمات تفيض بها أعمال الفنان "مازن مداح" العائد من رحلة اغتراب قصيرة، ليؤسس لمرسمه الخاص المقترن بمشروع عمل كفكرة جديدة الطرح.

في مرسمه الذي حمل اسم "إيفان" تحدث من خلال مدونة وطن "eSyria" التي زارته بتاريخ 13 أيار 2016، عن أعمال أشرقت بألوان حارة منتمية إلى خانة الأمل والتطلع إلى الأزرق النابض بالحياة والحلم، قال: «ينظر كثيرون إلى المدرسة الواقعية على أنها مرحلة أولى لتعلم الرسم، وهي بالنسبة إليّ مرحلة لتكريس القواعد وفق قول "بيكاسو": (أتقن القواعد كمحترف لتتمكن من كسرها كفنان)، ومن خلال تجربتي كرسام وجدت في الواقعية مساحة واسعة للتعامل مع القواعد لإتقان "البورتريه" ورسم الطبيعة بحالاتها المختلفة، والتماهي مع عجينة اللون، والتفاعل مع ألوان تملك طاقة التعبير عن الإحساس بهذه اللقطة أو تلك.

تعرفت إلى "مازن مداح" منذ عامين، واطلعت على جانب من أعماله التي لامس فيها حالة جمالية وقراءات واقعية غنية بالإحساس، ففي أعماله تتلمس حلماً دافئاً رائع التفاصيل، تتنقل معها بسلاسة منقباً عن صور لقراءات حملها الأمل، والانطلاق إلى مستقبل أكثر جمالاً من الحالي، وأكثر رقة وإبداعاً، وعندما يتمكن الفنان من نقل رؤاه إلى قارئ أعماله يكون قد أنجز عملاً فنياً مكتمل العناصر، وقد تابعته في عمل المنمنمات، وكذلك أعماله بالفحم والرصاص للبورتريه؛ وكانت رائعة منسجمة تأخذك إلى مسارات التأمل والخيال، وأنتظر منه مفاجآت قادمة تجسد شغفه بالفن

فالرسام الواقعي ليس ناسخاً أو يكرر اللقطة؛ لأنه في كل مرة يقدم حالة جديدة تتكىء على إحساسه كرسام. وهو لا يخرج عن القواعد المثالية للمدرسة الواقعية، لكن من تعمق التجربة تصبح لديه خيارات لونية خاصة ودرجات يحملها من مشاعره وطبيعة تأثره بالمحيط والبيئة ليقدم صيغاً لونية جديدة مع كل عمل يقدمه».

من أعماله الواقعية

وتابع الحديث عن بعض أعماله: «في عمل لي أسميته "استراحة حلم" استخدمت ألواناً لها علاقة بالحرارة؛ كرسالة عن حلم حار وحي، وهي أدوات واقعية تمكنني من نقل الرسالة باستخدام عناصر بسيطة، منها ألوان الحياة لنرى العمل ليس مجرد أنثى فيها حياة ونبض فقط، واخترت للباس اللون الأزرق كإشارة إلى الاستراحة والهروب من التعب إلى أمل قادم ننتظره بعيون متعبة، لكنها على قيد الحياة والترقب.

وبالفحم جسدت بعمل حمل اسم "سورية" قاربت بنظرة فتاة حزينة وانحناءة العنق وجع ألمّ بها ليكون للنظرة وحركة الجسد معانٍ ارتبطت بما نعيشه اليوم من حزن وألم، وكعمل خاص أعدت رسم هذه اللوحة، وفي كل مرة كانت تعابير الوجه والنظرة تختلف لتنقل حالة ومشاعر متفاعلة مع الحالة الراهنة».

الفنان ربيع البعيني

مشروع العمل والفن فكرة اختارها "مازن مداح" ليبقى قريباً من الفن محولاً مرسمه إلى استراحة مفتوحة للزوار؛ وفق رواية أخبرنا بها بالقول: «اغتربت لمدة لا تتجاوز السنوات الثلاث عن "سورية"، وعدت للاستقرار ومتابعة مسيرتي كفنان لا يقوى على الابتعاد عن حلمه، فأسست مرسماً صغيراً وحرصت على انتقاء مكان مناسب ليكون عبارة عن استراحة فنية تحتضن أعمالي أقدمها لزوار هذا المكان وأعرض بجانبها مجموعة من الأعمال لفنانين شباب خلال مرحلة الدراسة وبعدها؛ لأنني لم أختبر يوماً الابتعاد عن الرسم، ويكفي أن تكون لدي ورقة وقلم لأحطم جدران السجن وأبتعد عن الواقع.

اليوم أجد أن لمرسمي ومشروعي الصغير الذي أدرب فيه مجموعة من الطلاب، زواراً ممن لديهم الرغبة في التلاقي مع الفن وبعد ما يقارب العام على إطلاقه أتوقع أنه حقق جزءاً من رغبتي؛ خاصة في هذه الظروف التي يعدّ فيها الفن أبعد ما يمكن عن مصدر دخل مادي يلبي الطلب».

عمل باسم سورية من أعمال مازن مداح

تحاصر الظروف الحالية التي تمر بها "سورية" الفنان وتفرض عليه صوراً مختلفة للتعامل والحصول على فرص للاستمرار، لكن الأمل بالقادم خطوط يرسمها بثقة وفرح، هي فكرة يضيفها، ويتابع: «يتعرض الفنان بفعل الظروف إلى ضغوط كبيرة على مختلف الصعد المادية والمعنوية تقيده من حيث العمل وتحاصر أفكاره في ما ينتج من رؤى بأساليب مختلفة، وهو في كل التفاصيل منغمس في الوضع الحالي يتأثر به، وبالنسبة إليّ وبانتمائي إلى الواقعية تبقى ملامح الظروف الجارحة نقطة عبور أقتبس منها الكثير لقناعتي أن الفنان بكل ما امتلك من وسائل تعبير هو موثق لحالة ما، ومرحلة ما، وتجليات إنسانية عاصفة أو تحولات هادئة، كل ذلك مطلوب من الفنان، لكن لكل منا خصوصية تتمثل في طريقة عرضه لأفكاره، وقدرته على رسم أمل قادم وفق انتقائه لمجموعاته اللونية، ولقطات تنقل بعين الفنان وإحساسه المرهف صوراً يوثقها لحياة قادمة تنقل للأجيال أننا عبرنا من هنا، وأن للوجع بصمات لكنه ليس نهاية القصة؛ فالوجع مرحلة وليس استمرارية لحزن؛ هذا من وجهة نظري دور الفنان، ومن يتابع على أرض الواقع وفي هذه المدينة "السويداء" يتلمس عمق المشروع الفني الذي أعدّ نفسي جزءاً منه كمشروع يكرس الفن ويدفع به إلى الحياة على الرغم من كل شيء».

ويتحدث الفنان "ربيع البعيني" عن تجربة الفنان "مداح" بمنطق المتابع لتفاصيل جميلة ودافئة تعبر ملامح اللون، وقال: «تعرفت إلى "مازن مداح" منذ عامين، واطلعت على جانب من أعماله التي لامس فيها حالة جمالية وقراءات واقعية غنية بالإحساس، ففي أعماله تتلمس حلماً دافئاً رائع التفاصيل، تتنقل معها بسلاسة منقباً عن صور لقراءات حملها الأمل، والانطلاق إلى مستقبل أكثر جمالاً من الحالي، وأكثر رقة وإبداعاً، وعندما يتمكن الفنان من نقل رؤاه إلى قارئ أعماله يكون قد أنجز عملاً فنياً مكتمل العناصر، وقد تابعته في عمل المنمنمات، وكذلك أعماله بالفحم والرصاص للبورتريه؛ وكانت رائعة منسجمة تأخذك إلى مسارات التأمل والخيال، وأنتظر منه مفاجآت قادمة تجسد شغفه بالفن».

الجدير بالذكر، أن الفنان "مازن مداح" من مواليد "دمشق" 1983، متخرج في "جامعة دمشق" كلية الفنون الجميلة - اختصاص ديكور، مشارك في عدد من المعارض الجماعية داخل وخارج "سورية"، ويدير اليوم صالة "إيفان"، ومدرب لعدد من طلاب كلية الفنون الجميلة في اختصاص التصوير والديكور.