للألوان حضور ساحر في أعمال الفنان "فؤاد أبو سعده"، حيث ينقل بها المتلقي إلى فضاءات واسعة من البهجة والتأمل، ويمتلك مهارة عالية في صناعة اللوحة التشكيلية من حيث الشكل والمضمون.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 5 آذار 2016، مع الفنان "أبو سعده" المقيم حالياً في "إسبانيا"؛ عبر شبكة التواصل الاجتماعي، واستهل حديثه معنا بالقول: «ولدت في محافظة "السويداء"، وعشت طفولة عادية، لكنها كانت ملأى بالتفاصيل والمواقف الجميلة التي أذكرها إلى اليوم، ظهر اهتمامي بالرسم بعمر صغير وتحديداً بعمر ثماني سنوات، وما زلت أذكر إلى اليوم أول لوحة رسمتها في حياتي على قطعة خشب أسستها بـ"السبيداج"، وكانت عبارة عن منظر للغروب. ومنذ ذلك الوقت بدأ اهتمامي بالرسم يكبر، وازدادت معارفي في هذا المجال، عوالم كثيرة خلقتها في ذهني، صور كتب العلوم التي كنا ندرسها. ولمدرّس المادة الدور الأبرز؛ إذ كان يترك لي الحرية في اختيار الموضوع الذي أريده في دروس الرسم، فقط أنا وصديقي "كمال القنطار"، ومنذ ذلك الوقت أخذ الفن منحى جديداً في حياتي عزمت على المضي فيه».

على الرغم من غربته، إلا أنه دائم التواصل والزيارات إلى " السويداء"؛ حيث جذوره وذاكرته وأهله، وأستطيع القول إن الصراع والتناقض هما السمتان البارزتان في أعماله، الصراع يعبر عن محتوى اللوحة، والتناقض هو الأسلوب من حيث التناقض في الألوان، أو التناقض بين الخط الرفيع والثخين، وهذا ما يعكس فهماً عميقاً للحياة، وإحساسه الخاص بالتعبير عنها

يعدّ الفنان "أبو سعده" من أوائل الفنانين في محافظة "السويداء"، وقد حقق حضوراً بارزاً على مستوى المحافظة، وفي هذا السياق قال: «شاركت مع عدد من زملائي الموهوبين في معارض المدرسة في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وتميزنا وأصبحنا نقيم المعارض في صالات المراكز الثقافية وحققنا حضوراً جميلاً كرسامين على مستوى المدارس، وأصبح الناس يعرفون أسماءنا جيداً ويحفظونها. كان عددنا يقارب اثني عشر شاباً، كوّنّا جمعية للفنانين، وأخذنا ما يشبه الدكان الصغير في منزل صديقي "رامز قرضاب"، وكنا نجتمع فيه دائماً حتى في أشد الأيام برودة، لنرسم ونقرأ الكتب ونلخصها، وبدأنا تكوين ما يسمى نادياً ثقافياً كعمل طوعي ومن دون تخطيط، الذي كوّن فيما بعد نواة لنادي الفنون الذي أنشئ في وقت لاحق. ومن الأسماء التي لا تزال في ذاكرتي، ولا أزال أتواصل معهم باستمرار في كل إجازة أقضيها في "السويداء"، الفنانون: "رامز قرضاب، كمال القنطار، عدنان أبو الفضل، حمد عزي، إسماعيل صفايا"، هؤلاء الأشخاص يمثلون ذاكرة عزيزة على قلبي. حينها وقبل دخولنا إلى الكلية، أقامت المجموعة معرضاً في المركز الثقافي بـ"السويداء"، دعي لحضوره كبار الفنانين في "سورية"، ومنهم الدكتور "عفيف بهنسي" ممثلاً عن كلية الفنون الجميلة، والأستاذ "وديع رحمة" والفنان "غازي الخالدي" ممثل وزارة الثقافة، قدمنا أفكاراً جديدة من خلال لوحاتنا، وكنا قد اعتمدنا خطاً جديداً في الفن مع الحفاظ على الشخصية المستقلة لكل منا، الأمر الذي أثار انتباه الحضور ووجهت إلينا أسئلة عديدة من الحضور والنقاد؛ وهو ما أثار العديد من المواضيع والمحاور للمناقشة. وإن نشاط جمعيتنا الدؤوب في ذلك الوقت أسس للحركة الفنية التي تشهد زخمها الآن في محافظة "السويداء"».

الفنان "فؤاد أبو سعده" مع الأستاذ "محمد طربيه"

الفنان "أبو سعده" من أوائل خريجي الفنون الجميلة بـ"دمشق"، تخرج عام 1971 اختصاص رسم وتصوير، وقدم مشروع تخرج مميزاً، حدثنا عنه بالقول: «اللوحات التي رسمتها في مشروع التخرج، كانت احتجاجية على العنف والمذابح والدمار الذي تخلفه الحروب. مشروع تخرجي كان عبارة عن 35 لوحة زيتية إضافة إلى اللوحة الرئيسة، وكانت منفذة بتقنيات مختلفة وخصوصاً الكولاج، حيث أظهر استعماله قوة تعبيرية كبيرة لما كنت أريد التعبير عنه، وأظهر زخم التجربة ولغة جديدة في التعبير؛ مثلاً فكرة الصراع مع العدو واحتدام الصراع مع المحتل والمذابح والدمار. اللوحة الكبيرة التي رسمتها هي لوحة جدارية؛ لا تزال موجودة في كلية الفنون الجميلة في "دمشق"، وقد أطلق عليها الأديب "صبري القباني" عند رؤيته لها اسم "الجرنيكا" العربية؛ وهي مدينة إسبانية دمرها الطيران النازي إبان الحرب العالمية الثانية، وأصبحت بعد لوحة بيكاسو رمزاً للاحتجاج على الحروب الاستعمارية عام 1937».

في حياة "أبو سعده" محطات عديدة للسفر، وعنها تابع: «كانت "الجزائر" المحطة الأولى، عملت في الجزائر العاصمة أحد عشر عاماً مدرّساً للفنون في ثانوية "عماره رشيد" وفي معاهد المعلمين من عام 1975 إلى 1987، وكانت الجزائر المعين الذي لا ينضب للعناصر الجمالية تنقلت فيها أعرض وأرسم ضمن تنوعات ثقافية غنية من البحر إلى الجبال والصحراء الكبرى، وأقمت علاقات طيبة مع اتحاد الفنانين والتقيت الأدباء والشعراء، وأقمت المعارض، وحصلت من الجزائر على "فيزا" للسفر إلى برشلونة ودراسة الدكتوراه في جامعتها، درست عامين تحضيريين للدكتوراه في جامعة برشلونة ما بين 1988-1990، وبدأت كتابة الأطروحة بعنوان: "بول كلي أثر الفن العربي به وأثره بالفن العربي الحديث"، استلزم هذا القيام بزيارات متعددة إلى مدن تونسية عديدة، ودراسة المواقع التي وجدتها ضرورية لبحثي، ولدراسة أعماله قمت بزيارة إلى مؤسسة "بول كلي" في سويسرا وبالتحديد مدينة "برنا"، حيث قمت فيها بدراسة أهم الأعمال التي تفيد بحثي، وأنجزت الأطروحة، لكن حتى تكون جاهزة للتقديم أمام اللجنة المختصة تحتاج إلى إعادة النظر ثم الطباعة والتجليد؛ وهذا يحتاج إلى التفرغ مدة عام وهذا لا يمكنني فعله. وقد مضى على وجودي في إسبانيا 25 عاماً، أقمت خلالها معارض كثيرة، وأنا على تواصل دائم مع "دمشق" و"بيروت" ومشارك في العديد من الملتقيات الدولية».

من أعماله الفنية

الأستاذ "محمد طربيه" الباحث والناقد وصديق الأستاذ "فؤاد"، تحدث عنه بقوله: «معرفتي بالفنان "فؤاد أبو سعده" تعود إلى عام 1971م، هو من أوائل خريجي كلية الفنون، ومن أبرز الأسماء التي استطاعت إثبات نفسها على الساحة الفنية في المحافظة. عملنا في التدريس معاً في ثانوية "الفتاة"، واستفاد من خبرته وموهبته عدد كبير من الطلاب، يعدّ من المؤسسين لما يسمى نادي الفنون، ومسؤولاً عن قسم الرسم فيه، هذا النادي ساهم بخلق مواهب جديدة دربها وصقلها، وأذكر أنه صمم ديكور مسرحية "النساجون" التي لاقت نجاحاً باهراً في المحافظة آنذاك، وكان في ذلك الوقت في السنة الثانية في كلية الفنون الجميلة».

وقال أيضاً: «على الرغم من غربته، إلا أنه دائم التواصل والزيارات إلى " السويداء"؛ حيث جذوره وذاكرته وأهله، وأستطيع القول إن الصراع والتناقض هما السمتان البارزتان في أعماله، الصراع يعبر عن محتوى اللوحة، والتناقض هو الأسلوب من حيث التناقض في الألوان، أو التناقض بين الخط الرفيع والثخين، وهذا ما يعكس فهماً عميقاً للحياة، وإحساسه الخاص بالتعبير عنها».

عمل جديد

يشار إلى أن الفنان "فؤاد أبو سعده" من مواليد محافظة "السويداء" عام 1946، وهو عضو "اتحاد الفنانين التشكيليين العالمي"، وعضو في رابطة الرسامين العرب في "كاتالونيا اباك"، وعضو في رابطة الرسامين من "رامبلاس". أقام العديد من المعارض الفردية، وشارك في عدد كبير من المعارض الجماعية، وفي الوقت الحالي هو بصدد التحضير لمعرض شامل لأعماله في مدينة برشلونة في أيلول القادم.