خلال ثلاثة عقود ونيف قدم "رفعت الهادي" أكثر من أربعين عرضاً مسرحياً حصد معها عشرات الجوائز في مهرجانات مختلفة، وأطلق عدداً كبيراً من المواهب الشابة التي أشرف عليها ورعاها وتابعها حتى رأت النور.

حول تميزه بالإخراج والرؤية الخاصة لمسيرته الإبداعية، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 25 شباط 2016، التقت الممثل المسرحي "فارس الحلبي" الذي بيّن قائلاً: «يعدّ المخرج "رفعت الهادي" واحداً من المتميزين في الإخراج المسرحي مذ عرفته قبل ثلاثة عقود ونيف، كانت بداياتنا بغرفة بسيطة تحتضن تجربتنا الوليدة، حيث اختار تأهيل الممثلين وقدم من ثقافته الفنية المسرحية بلا توقف، ولهذا استطاع تخريج ممثلين باتوا اليوم نجوماً أمثال: "عفاف حذيفة"، و"ثائر حذيفة"، "مانيا النبواني"، و"ناديا بدران"، و"جهينة نعيم"، و"عمار رضوان"، و"ياسر القضماني"، غير الأسماء التي تبرز كل سنة.

أرى أن الإخراج متعة خاصة، ذلك لأنني أستطيع أن أعيد خلق الحياة من جديد على الخشبة كما يحلو لي، ضمن المنظومات الفنية والفكرية والشكلية، وعبر قوانين صارمة، لكنها تخلق إبداعاً؛ فهامش الحرية الإبداعية فيها يتسع لأكثر من طريق، وعندما تولد حالة إبداعية فأنت أمام طفل وليد يشغلك بعواطف جياشة. والتميز بالإخراج هو معرفة، فالإخراج ليس مجرد موهبة، بل هو دراسة ومعرفة وطيدة بالمناهج والمدارس الفنية فكرياً وشكلياً، ومن الأعمال الإخراجية التي لها خصوصية في داخلي "قالت العنقاء، أنا أصعد في لهب"، للكاتب المسرحي "تنسي وليمز"، فشخصية "لورانزو" كانت "أنا"، وهناك عرض له تميز في روحي؛ إذ قال عنه الدكتور "أسامة غنم": «إنه عمل يشكل ارتفاعاً شاقولياً في حركة المسرح في "سورية"

استطاع بموهبته وثقافته العالية أن يطابق الشخصيات وفق النص بانتقاء دقيق، وهو مخرج يعمل بروح الممثل، حيث يترك الحرية لمن يعمل معه لكي يكتشف مقدرته. أما تقنيات المسرح بالنسبة له فهي حياة، ولا أعتقد أنه انقطع عن المسرح صيفاً أو شتاءً، وفي مرات عدة قدم عرضه في أحلك الظروف غير عابئ بالموت، إضافة إلى ذلك إنه بنك معلومات وخزان معرفة عن المسرح».

الممثل فارس الحلبي

وحول رؤيته في المسرح بيّن المخرج "رفعت الهادي" قائلاً: «رؤيتي في المسرح ناتجة من تمردي على الحياة والمنظومة المجتمعية الفكرية، وأصبحت أمتلك وجهة نظر لا أسميها خاصة أبداً، وإنما موضوعية تجاه حياة أفضل، والإنسان فيها قيمة عليا، ولا يوازيه شيء، ولأنني صاحب إرادة بدأت أرسم حلمي الإنساني فناً على الخشب، وبدأت رحلتي مع المسرح بعمل مسرحي يحمل اسم "رحلتنا في ..؟"، وهذه الرحلة رحلة الحياة، باختصار تقول المسرحية: "إن رجلاً دخل إلى رأسه فقتل"، أي إنه عندما وقف على الحقيقة تم قتله، ومن خلال السرد المسرحي قتلت الشخصية في حلم الحلم، وحلم الحلم في التحليل النفسي حقيقة، واعتذرت للجمهور المسرحي عن تقديم المسرحية بسبب اختفاء الممثل الذي كان أمامهم لمدة ساعة خلال العرض على أنه مفقود، وكانت صدمتي كبيرة أن لعبتي هذه لم تفهم كما أردت، بل بدأ الجميع يسألونني أين هو؟ وكيف اختفى؟ وماذا نستطيع أن نفعل من أجلك؟ حتى إنني سرت خلف الجمهور الحاضر في الشوارع واستمعت إلى أحاديثهم عن المسرحية، فقد ذهبوا لحضور عرض مسرحي واختفى الممثل».

وتابع يسرد رحلته الطويلة: «بعد "حلم الحلم"، أدركت أن هناك الكثير الذي يبقى في العقل ولا يصل إلى المتلقي، فاجتهدت أكثر وأصبح هاجسي كيف يمكن لي أن أحقق المعادلة الصعبة بين ما هو فني وراقٍ، ويستطيع أن يصل إلى الجمهور بأسلوب واضح وجلي، ورافقتني تهمة أن مسرحي صعب ولا يفهم نحو خمس سنوات، ومن خلال عملي "لحظة لو سمحت" تأليفاً وإخراجاً، و"الخزان العظيم" إخراجاً وهي "لبيتر ترسون"، و"كاليغولا"، وكذلك "الأبتر" للكاتب "عبد الفتاح القلعجي" كنت في كل هؤلاء وغيرهم أبحث عن شيء يشبهني فكرياً، وأعتقد أنني وجدت ضالتي في مسرحية "حكاية سفر" التي تناولت فيها البيئة والموروث الشعبي في "السويداء"، وهي أكثر مسرحية تم عرضها من بين أعمالي، إذ عرضت أربعين يوماً، ولا تزال الرحلة مستمرة، ومع أنني قمت بإخراج أكثر من أربعين عرضاً مسرحياً حتى اليوم، وتخرج من بين يدي أكثر من أربعين فناناً أصبحوا أعضاء في نقابة الفنانين، إلا أنني أبحث دائماً عن الجديد لأن ضالتي في ذاتي لم أكتشفها بعد، إذ هناك شرخ كبير يعتري نفوسنا بين المتجذر فينا ببنية التفكير والمنبع، وما هو مكتسب عبر التراكم المعرفي الفكري، ونحن نقع ما بين مزدوجة قوى واحدة تأخذنا إلى الأمام، وأخرى إلى الخلف، وبالنهاية محصلة الفعل "صفر"، فنحن جيل عاجز عن الفعل».

رفعت الهادي ومسرح الأطفال

وعن حالة المتعة والخلق، وما توصل إليه طوال مسيرته الطويلة مع المسرح، أكد: «أرى أن الإخراج متعة خاصة، ذلك لأنني أستطيع أن أعيد خلق الحياة من جديد على الخشبة كما يحلو لي، ضمن المنظومات الفنية والفكرية والشكلية، وعبر قوانين صارمة، لكنها تخلق إبداعاً؛ فهامش الحرية الإبداعية فيها يتسع لأكثر من طريق، وعندما تولد حالة إبداعية فأنت أمام طفل وليد يشغلك بعواطف جياشة. والتميز بالإخراج هو معرفة، فالإخراج ليس مجرد موهبة، بل هو دراسة ومعرفة وطيدة بالمناهج والمدارس الفنية فكرياً وشكلياً، ومن الأعمال الإخراجية التي لها خصوصية في داخلي "قالت العنقاء، أنا أصعد في لهب"، للكاتب المسرحي "تنسي وليمز"، فشخصية "لورانزو" كانت "أنا"، وهناك عرض له تميز في روحي؛ إذ قال عنه الدكتور "أسامة غنم": «إنه عمل يشكل ارتفاعاً شاقولياً في حركة المسرح في "سورية"»، وهو منودراما "الاستيقاظ" للكاتب "داريوفو". لكن الحالة الخاصة التي عشتها مع عمل آخر واستمتعت في عذوبته وشاعريته كان بعنوان: "ترجع كالريح" للدكتور "محمد قارصللي"؛ إذ تحدث عن واقعنا وآلامه بصيغة الحب، وتضمن أشعاراً لأشعر العرب في العصر الحديث، وهما: "محمود درويش"، و"نزار قباني"، وأعمالي جميعها قريبة مني، لكن هناك عملاً بعنوان: "أحوال"، وهو العرض الأخير الحاضر الآن، وله وقع مختلف».

وعن حادثة مهمة في مسيرته الفنية تؤكد مدى علاقته بالمسرح، بينت الممثلة ومساعدة الإخراج "منيرة الشماس" قائلة: «شارك المخرج "رفعت الهادي" في مهرجان المسرح في مدينة "حمص" بعرض مسرحي بعنوان: "كاليغولا"، وحين وصل إلى المكان المحدد أصيب بنوبة قلبية دخل إثرها العناية المركزة في "مستشفى حمص الوطني"، وفي ثالث أيام المهرجان كان موعد عرضه مع الجمهور فخرج على مسؤوليته وحضر العرض وعاد إلى غرفة العناية المركزة، وبقي تسعة أيام في المستشفى، فهو مخرج وممثل ويحمل علاقة طيبة مع جميع زملائه وممثليه، ومن يعمل معه يشعر بثقافته اللا محدودة، إذ لديه أعمال كثيرة قام بإخراجها، مثل: "الكوميديا الإنسانية"، و"صانع التوابيت"، و"امرأة وحيدة"، و"أحلام الموتى"، و"المتسول"، و"العرس"، و"شيطان بذاكرة ملاك"، و"هو هي"، و"محفوظات لغير محترف". وهناك أعمال للأطفال، مثل: "الملك فانوس"، و"السمكة الذهبية"، و"الوسام"، و"الفتى مهران"، و"الإنسان التيس"، و"الدجاجة النائمة". وأنا معه منذ مدة تزيد على العقد، رأيت فيه التميز بالإخراج والعلاقة بالمسرح، والأهم أن أسرته عملت معه بالمسرح، وخاصة زوجته التي كانت عامل نجاح في حياته مع بناته الاثنتين اللتين بدأتا العمل المسرحي، وحصدتا الجوائز لإبداعهما في الفن المسرحي والتشكيلي والإخراج، وابنه "الوديع" الذي شارك في عروض مسرحية للأطفال بمهنية عالية».

المخرج رفعت الهادي

الجدير بالذكر، أن المخرج "رفعت الهادي" قام بإخراج "مهرجان الجبل" الأول والثاني، و"مهرجان الفروسية" بمدينة "السويداء".