يقطف الفنان "ناصر سلامة عبيد" اللقطة الحقيقية بعدسته برؤية تختلف عن غيره من المصورين لتأخذك تجربته بوجه عام إلى عالم مملوء بالجمال والدهشة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 29 كانون الثاني 2016، الفنان والمصور الضوئي "ناصر عبيد"، حيث قال متحدثاً عن تلاقي مبكر مع الكاميرا التي رافقت الوالد وأسست علاقة مع الضوء: «لم تكن هواية التصوير مجرد هواية لوالدي، بل كانت لغاية التوثيق بحكم أسلوب حياته ودراسته للتاريخ، وأتذكر في حديقة التجارة حيث دربني لألتقط أول صورة لي، وكانت لمجموعة من الطلاب الصينيين عام 1966».

لم تكن هواية التصوير مجرد هواية لوالدي، بل كانت لغاية التوثيق بحكم أسلوب حياته ودراسته للتاريخ، وأتذكر في حديقة التجارة حيث دربني لألتقط أول صورة لي، وكانت لمجموعة من الطلاب الصينيين عام 1966

وأضاف: «بوجود الكاميرات ضمن البيت تطورت الفكرة لدي لأحصل على كاميرا جديدة من مصروفي وهي كاميرا الصندوق، هنا أخذت تحتل الكاميرا مساحة جديدة، ومع السنوات بدأت تظهر حالة الحب، ولأنني حصلت على فرصة زيارة عدد من الدول منها "الصين، المغرب، مصر، الإمارات ولبنان" اختبرت التصوير كهواية، أخذت عمقها في مرحلة الدراسة الجامعية من حيث تشديب الخبرة والتبحر مع الظل والنور والتكوين وأسس بناء اللوحة».

الفنان أنور الرحبي

وتابع "عبيد": «عندما أنجزت ما يستحق العرض اتجهت إلى المعارض الفردية التي قدمت منها لغاية اليوم اثني عشر معرضاً فردياً؛ منها سبعة معارض تصوير ضوئي معتاد "طبيعة بورتريه وآثار"، والمعارض الخمسة عبارة عن تصوير ضوئي أسميه مغايراً لتجربة راحت تأخذني إلى آفاق جديدة».

الخروج عن المعتاد وإدخال الحالة الإنسانية إلى اللوحة، مواضيع يبحثها على ضوء التجربة؛ كما أضاف بالقول: «يمكن لكاميرا الديجيتال أن تنتج آلاف اللقطات المتماثلة من مكان ومسافة محددة؛ بالتالي ومع هذا التطور قد يسأل الفنان نفسه عن بصمته الخاصة ولوحته الخاصة التي تجسد رؤيته، لذلك أخذت أعمل من خلف العدسة، بمعنى آخر أصور أفكاري وصرت أبني الموضوع وأضع التكوين الذي أرغبه مستثمراً التقنية لمصلحة فكرتي في طرح حالة جديدة للتصوير وتجسيد فكرة التصوير المغاير؛ التي هي -من وجهة نظري- مساحة خاصة للفنان والمصور الضوئي ليقدم ما لديه، هنا أستخدم الدخان والماء والمواد المعدنية، وكل ما يكمل فكرتي».

من أعمال الفنان ناصر عبيد

وقال أيضاً: «الفكرة ببساطة أنني أصور صورة فوتوغرافية تحكي قصة بمحاولة إدخال نوع من الحياة، إدخال الحالة الإنسانية إلى اللوحة لأجعل كاميرتي ثابتة والشخص المتحرك أعطيه زمناً ليظهر بشكل يثري الشعور بأرواح في هذا المكان، ولا أنكر أنني تلقيت النقد، فهناك من انتقد الوضوح وأن هذا عبارة صورة غير صحيحة، وآخر سألني: هل تقلد الفن الزيتي المنطقي لتوضح أن للفنان فرصة للتجربة وتقديم ما لديه بأي مادة؟ ولماذا لا يعد الفن الضوئي مثل باقي الفنون، وينقل قناعتي بما أنتج، وأن لنا حق مطلق بالتجربة؟».

وقال أيضاً: «على سبيل المثال، إحدى تجاربي عبارة عن توثيق في صورة لحي "النوفرة"؛ لألتقط ما هو ثابت بدقة متناهية والأشخاص وضعتهم في مجال الحركة بتقنية خاصة، والفكرة أن هذا المكان أو الآثار وغيرها كانت وما زالت وستبقى، والأشخاص هم نحن؛ من رحل، ومن سيذهب، والقادم. فالثابت هو الوطن، والمتغير هو المواطنون، والبصمة الإنسانية التي وثقت بمنطق مغاير اعتمد خلق عنصر بصري يحرك ويحفز الإدراك والتفكير، بالتالي فإن وجود الكاميرا والفيلم أو الريشة واللوحة من دون الإنسان لا معنى لها. وكما الفنان يرسم بالزيت، أنا أرسم بالضوء، وأرسم بعدستي».

من أعماله الحديثة أيضاً

يحتفي بالأبيض والأسود ويقر بمتعة رحلته الفنية المفتوحة على كل الاحتمالات والوصول بالنسبة له توقف، وبرأيه هو لم يصل بعد، حيث قال: «للأبيض والأسود جمالية وصدق في النقل تجعله ملامساً لشيء إنساني، وإلى اليوم أستخدمه؛ فهناك مواضيع تستحق تجريدها من اللون لخلق حالة توصلني إلى التركيز على الموضوع أكثر، وتجاربي بالأبيض والأسود متعددة تلاصق مروحة لونية لمواضيع لا تقدم إلا ملونة، ومهما تطور مشروعي مع التصوير يبقى تجربة وبحثاً عن متعة ذاتية؛ لأنني في البداية والنهاية مصمم داخلي؛ مصمم ديكور، وهذا عملي، وما أنجزه اليوم مراحل كوّنت رصيداً لن أحكمه بنهاية. وأقر أن هناك محطة ولا وصول لأن التطور التقني ومرور الزمن كفيل برسم عوالم جديدة. تالياً كل فنان أعماله رصيد وذاكرة، فقد تكون لدي رغبة بالعمل على لقطات قديمة أحركها سنوات إلى الأمام وحركة لمجموعة ثوانٍ، وفي الوقت الحالي ليس بذهني سوى تعزيز التجربة لشعوري بأن كل أعمالي من كان يسعد بها أكثر هو أنا، وكنا مع تطورات التقنية عايشنا الفرق بين العادي والديجيتال، كنا نتعب لننجز الفيلم وننتظر لنصوره ونتحرق شوقاً لما أنجزناه، وعشنا شعوراً أكثر تميزاً فيما بعد مع الديجيتال لترى الصورة باللحظة ذاتها نلغي ونعيد التجربة، ومن يدري ما سيحمل المستقبل من أفكار؛ قد تجدنا متفاعلين مع تجارب جديدة تمزج بين التصوير الواقعي والمغاير اللذين يسيران لدي بالتوازي، وقد تتقاطع مع الحفر والرسم لأنني أنتمي إلى التجربة والتجدد، فلا توقف ولا إقرار بالوصول».

"أنور الرحبي" فنان تشكيلي قال: «يعد الفنان "ناصر عبيد" من الذين كوّنوا عالماً جديداً في مسائل الضوء، وهو أحد الذين امتازوا بأسلوب خاص معني بالسهولة والإبداع معاً؛ لأنه يمتلك نواحي الحس الجمالي والخبرة أولاً، إضافة إلى أنه معني بثقافة الصورة وتقديمها للمتلقي، ومن وجهة نظري فإن فنه ينعكس على جملة المسارات التي يقدمها من خلال مواضيعه التجريبية، هنا يأخذ من الأشياء بصيرتها ويؤكد على بعض المسامات من أوكسجين وهواء وماء؛ لأنه يرى في ذلك مشهد التألق في العمل الفني، وهو كذلك ينشد دائماً أن تكون اللوحة الفوتوغرافية جزءاً مما يختزنه من تصوير وغرافيك؛ لأنه بذلك ممعن في التفاصيل وتلك شاهدة على حقيقة تجاربه الإبداعية في مجال الصورة عموماً. فتحية للفنان "ناصر عبيد، المبدع والخلاق والممعن في المشهد الإنساني».

الجدير بالذكر، أن الفنان "ناصر عبيد" من مواليد 1963، مهندس ديكور خريج جامعة "دمشق- كلية الفنون الجميلة - قسم العمارة الداخلية" 1985، ومن الطلاب الخمسة الأوائل دراسات عليا في العمارة الداخلية، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفنانين التشكيليين في "سورية"، صمم وأشرف على تنفيذ منحوتة الصخرة الأقوى من البازلت بارتفاع تجاوز الأربعة أمتار، أنجز أعمالاً نحتية تمثل القلاع في "سورية"؛ قلعة "دمشق"، وقلعة "حلب" في المتحف الحربي في "دمشق" 1986-1987، وكانت أعماله محور دراسات نقدية لكتّاب حللوا تجربته الفنية، كرّم من قبل رئاسة الجمهورية ووزارة الثقافة وجهات متعددة قدرت إنتاجه الفني.