يبدو أن الأغنية الطربية ذات الجملة اللحنية الغنية بمقاماتها وإيقاعاتها؛ التي يعبر عنها بالصوت والأداء الجميل، لها قوالب تأليف متعددة دخلت المجتمع من شعبيتها.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 3 شباط 2016، التقت الموسيقي "ناصر يقظان" في مدينة "صلخد - ساحة الطرشان"، وبيّن قائلاً: «زمن المنافسة الإبداعية الذي كان جل أهدافه تطوير الموسيقا والغناء العربي أصبح في مهب مشاهدة المناظر الخاطفة؛ حيث تريدها العولمة من دون عناء، فبالعودة إلى ذاكرة العمالقة نجد أن احترام الفن كان شيئاً أساسياً عند هؤلاء الذين أغنوا المكتبة الموسيقية بأعمال حفرت في الذاكرة لأن الساحة الفنية آنذاك لم تفرز إلا القادر على الصمود في تلك الحقبة ولديه موهبة فينة، فقد وضعوا خطوطاً عامة لنهج التلحين والغناء وقدموا أعمالاً جديرة بالوقوف عندها بتحليل علمي وفق قالب تأليف محدد، ومن الأسس الغنائية، الأغنية الشعبية التي من المعروف أنها تتألف من ثلاثة عناصر أساسية، وهي: النص واللحن والأداء، فالنص الجميل ذو المعاني الجميلة يدفع الملحن إلى التأمل وتحريك خياله الموسيقي؛ ليأتي اللحن على صورة يتطابق فيها التعبير موسيقياً مع النص، إضافة إلى أنها تتألف ضمن قالب التأليف الموسيقي من لازمة موسيقية واحدة يليها مباشرة المذهب، الأغصان، إعادة المذهب، بين الأغصان، الخاتمة بإعادة المذهب، وتصاغ ألحان اللازمة الموسيقية في الأغنية الشعبية والمذهب والأغصان من مقام واحد، والأغصان تبنى على نفس لحن المذهب، ويطرأ تغيير بسيط في الأغصان من أجل التلوين اللحني من دون الخروج من مقام المذهب».

إن أي مغنٍّ أو مطرب إذا أراد أن يؤدي لحناً ما في بيئة غير بيئة اللحن الأصلية، فإن المطرب أو المغني يكيف اللحن المذكور وفق البيئة الموجود فيها، وبذلك يفقد اللحن كثيراً من سماته الأصلية، ويكتسب بالتالي صفات جديدة من البيئة الجديدة

وأشار الأستاذ "سلمان البدعيش" الموسيقي ورئيس جمعية أصدقاء الموسيقا بالقول: «من المعلوم أن الأغنية الشعبية ازدهرت على يد الموسيقار "سيد درويش"، وجعلها تعالج قضايا إنسانية واجتماعية كثيرة، ثم جاء الموسيقار الشيخ "زكريا أحمد" فأدخل ضمن قالبها التقليدي التطريب لتحمل مضموناً طربياً بجملها حين استغل أحرف المد الصوتي في كلمات الأغنية ليخلق جواً من الطرب، أما الموسيقار "محمد عبد الوهاب" فقد مزج بين "الطقطوقة" والأغنية الشعبية، واعتمد على "الرديدة" بالمذهب وفق قالب التأليف، لكنه استعاض عن ترديد المذهب بين الأغصان بإعادة اللازمة الموسيقية الأساسية أو مقاطع منها، وعلى الرغم مما قدمه العمالقة في تطوير الأغنية الشعبية إلا أنهم لم يلحقوا بركب الموسيقار "فريد الأطرش" على حد قول الناقد الموسيقي "صميم الشريف"؛ فهو من تربع على عرش الأغنية الشعبية وأضحت ألحانه علامة بارزة في تاريخها، لأنه نقل معالم وبيئة الأغنية الفولكلورية من بلده "سورية" إلى مصر، وأكسبها خصوصيته الخاصة بألحانه، وهذا الكلام ينطبق على الأغنية الشعبية والفولكلورية حصراً، ووحّدها من المشرق العربي حتى المغرب العربي، وكوّن شخصية مستقلة به، وعرف الأغنية الشعبية بطابعه "الأطرشي"، لذا عندما تستمع إلى أغانيه التي لحنها لغيره ترى شخصيته التلحينية واضحة المعالم، مثل: "على الله تعود" للمطرب الراحل "وديع الصافي"، و"ما قدرش على كدة" للمطرب الراحل "فهد بلان"، و"حموي يا مشمش" للمطربة الراحلة "صباح"، وغيرها».

الموسيقي ناصر يقظان

يقول الموسيقي والباحث "بيلا بارتوك": «إن أي مغنٍّ أو مطرب إذا أراد أن يؤدي لحناً ما في بيئة غير بيئة اللحن الأصلية، فإن المطرب أو المغني يكيف اللحن المذكور وفق البيئة الموجود فيها، وبذلك يفقد اللحن كثيراً من سماته الأصلية، ويكتسب بالتالي صفات جديدة من البيئة الجديدة».

وبيّن الموسيقي "جهاد نرش" حول قالب التأليف بالقول: «لقد تمكن العمالقة في مجالي التأليف والتلحين من رسم شخصية الأغنية الشعبية وجعلوها تتميز بتخصص لشخصية الملحن بتوحيد قالبها اللحني، وعملوا على انتشار الثقافة الأدبية والموسيقية لأنهم دخلوا في عمق معاني النص واللحن كي يستطيع الأخير حمل التعبير المراد إلى المتلقي، ويتمكن من أدائه كما يطلب منه المبدعون بتوظيف القالب البسيط للأغنية الشعبية لتعالج نواحي الحياة اليومية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعاطفية والوطنية، والمتتبع لواقع الأغنية يرى تراجعاً والسبب في هذا افتقار الأغنية إلى أهم ركيزة من ركائزها؛ وهو النص الجيد الذي يجعل الأغنية تقف على قدميها، إضافة إلى افتقارها إلى ملحن متميز في استخدام الجمل اللحنية وفق قالب التأليف يستطيع أن يترجم إبداع النص الجيد إلى نغم ساحر ومن ثم البحث عن مؤدٍّ، لأن بعض الملحنين -كما يبدو اليوم- ابتعدوا عن أسس قالب التأليف الموسيقي للأغنية الشعبية، ولهذا فإن قالب التأليف أصبح غير مقيد به بحجة الموضة، لكنهم لم يستطيعوا إضافة شيء أكثر جمالاً أو حداثة عنه، ويبقى قالب الأغنية الشعبية ثابتاً عند الباحثين والمهتمين بالأغنية الشعبية».

الموسيقي جهاد نرش
الأستاذ سليمان البدعيش