كان للفنان "فؤاد أبو ترابي" تجربته الخاصة في مجال العمل والحصول على وظيفة، ورضي بالاحتراف مرغماً ليتبنى في مراحل لاحقة فكرة أنه لن يتقن إلا الفن ولا رصيد لديه إلا أعماله الفنية.

عندما يتحدث يتنقل بين سنوات طبعت من الوجع ملامح لونها بألوان الحياة والتفاؤل ذاك الدم المتدفق في أعماله وفق ما جاء في حوار أجرته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 8 أيلول 2014:

الفنان "فؤاد أبو ترابي" متميز لكونه متابعاً ونشيطاً مبدعاً ويعود على ذاكرة المكان مجسداً لحالة كبيرة من تفاصيلها يبث منها المخزون بشكل مباشر وعفوي، ويرسم بالحالة التي يراها الأقرب لإحساسه المرهف وحسب الرؤية الذاتية لديه، ويضع الفكرة بطريقة فنية متمكناً من اللون جريئاً، ولديه توازن باللوحات ويعطي للأبعاد حقها، دقيق في دراسة منسوب اللوحة يضع الألوان الحارة ما وراء البعد الثالث، ولديه رصيد جميل وغني يتحدث عن تجربة جميلة وراقية

  • فكرة الاحتراف فكرة مأجورة بالتعب والقلق، كيف تعاملت معها؟
  • الفنان فؤاد أبو ترابي في ملتقى التصوير في السويداء

    ** لم أتجه إلى هذا الخيار بطيب خاطر بل هي تجربة شاقة استفدت منها الكثير، ففي البداية وبعد التخرج في كلية الفنون الجميلة كانت لي رغبة بالعمل والتدريس، لكن لظروف عدة خسرت فرصة التأهل لهذه الوظائف، فكان الاحتراف شبه قسري لكن هذه الحالة لم تثنني عن العمل الذي أحببت وزرت عدداً كبيراً من الدول العربية، منها ثلاث سنوات في "الجزائر" أنتجت لي عملاً طيباً، وعدت بعمر معين لا ينسجم مع فكرة التوظيف وحاولت امتهان أعمال الديكور، وبعد تجربة أتعبتني أقلعت عن أي عمل لا علاقة للفن به، هذه المعاناة عشتها في الداخل والخارج وكانت لدي رغبة لأورث لأولادي الفن ومنتجي الفني، وكنت وفياً لعملي حريصاً على الابتعاد عن الأضواء التي قد يكون لها أثر سلبي في تجربة الفنان كما للضوء أثر في الفراشة.

  • بين البداية وما أنت عليه اليوم فاصل زمني وإنتاج يتحدث عنك، ما العنوان العريض لتجربتك؟
  • من أعماله

    ** معالجات للعمل الفني قبل الدراسة الجامعية اتخذت فيها من التجربة الذاتية قاعدة أخذت تتسع في مجال المسير باتجاه معالجة خاصة غير مقترنة بما سبق، وكنت مطالعاً نهماً لتجارب متعددة قادتني للبحث العميق بما للون من قدرة على التجدد وطرح حالات فكرية وبصرية جمالية متنوعة، كنت مختبراً للألوان لأمزج مجموعة من الألوان قد لا تخطر بذهن فنان، وقد تكون متنافرة وغير منسجمة، لكنها قدمت وفق تجارب وعرضت لحالة عالية من الانسجام للعمل، وبينت قدرة اللون على التعبير إذا تعامل معها الفنان وفق رؤيته الخاصة، وبالنسبة لي فهي تجارب تنهل من الطبيعة وتنسجم وتجمع بين الألوان بحالة مريحة لعين قارئ اللوحة؛ فالطبيعة غنية بالألوان المتناقضة لكننا قادرين على خلق حالة من التلاقي والمزج الجميل.

  • للحالة التعبيرية حضور واضح، متى بدأت علاقتك بهذا الأسلوب؟
  • من أعماله لوحة العازف

    ** الواقعي التعبيري عدت إليه من خلال تجربتي في الجزائر؛ كنت أتابع وجوهاً عانت الاحتلال وآهات الاستعمار، وأوجاع تقرأ على وجوه إفريقية صلبة حادة، وكنت أرسمها بولع وحالة من التمعن بما طبعت الحروب والآلام على هذه الوجوه من تفاصيل، ولدي مجموعة كبيرة من هذه الأعمال في تلك المرحلة أعتبرها فرصة من الزمن ورحلة كانت مفصلية في تجربتي الفنية.

  • تعلن موقفك الرافض للحرب عبر سياق فني يتضح في أعمالك، حدثنا عن رؤيتك؟
  • ** ما تمر به "سورية" اليوم جعلنا في حالة تماس مباشر مع حرب قاسية استنزفت طاقاتنا، وأنا بطبيعتي وقبل هذه الظروف التي تطورت في "سورية" أكره الحرب، فالحرب قتل ودمار ووجع وآهات لا سبيل لعلاجها، وأشد ما يضني الروح أنها وسيلة لتخريب الأوطان وتغيير ملامحها الإنسانية والمكانية، ولأنني زرت دولاً كثيرة فقد تيقنت أن لسورية عبقاً وأريجاً وجمالاً يختلف عما يحيط بنا من دول؛ فكيف نزهق هذا الجمال؟ وعندما رسمت كانت بصمات الحرب واضحة باللون والخطوط، فكيف للفنان أن يبتعد عن مسرح المعركة الذي بات قريباً على بيته والأكثر وجعاً أنه احتل مكانه في القلب.

  • يفرض الأرجواني حضوره، هل هي صيغة تعبيرية لرفضك للحرب؟
  • ** اللون الأحمر لون الدم ويمكن التعامل معه بحالة تنسجم مع ما نعيشه من صور الدماء، ولم نرَ غيره خلال السنوات الثلاث الماضية مع أننا نحب ألواناً أخرى، وهذا ما فرضه الواقع الحزين والجارح الذي نحياه، لكنني وإلى جانب الدم وفي معظم أعمالي أقدم بارقة أمل أقتبسها من ضوء الشمس القمر حمامة السلام ونسبة الضوء التي تسيطر على قتامة الأوضاع، وأرسم الفرع الحزين مرغماً مع أنني أرغب بالفرح؛ وهذا تشكيل أساسي لا يمكن أن يكون بعيداً عن الأمل.

  • يبقى للفنان ذكرياته التي تترافق مع أي ظهور لأعماله على ساحة المجتمع، أي المعارض ترافق ذاكرتك؟
  • ** لأنني متأثراً بكرهي للحرب، وما ينتج عنها والحالة الإنسانية الجارحة التي تقترن بها كنت من أوائل الفنانين الذين تناولوا الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1980، قدمت من خلاله أربعين عملاً، وقد كان لها وقع قوي ولاقى المعرض إقبالاً كبيراً في تلك المرحلة، ولا أنسى معارض فردية متتابعة كانت مؤثرة وعلمت في مراحل تجربتي الفنية.

    ينقل الفنان التشكيلي "بشير بشير" جانباً من رؤيته لتفاعل لوني ومكاني جميل يمثل الفنان، وقال: «الفنان "فؤاد أبو ترابي" متميز لكونه متابعاً ونشيطاً مبدعاً ويعود على ذاكرة المكان مجسداً لحالة كبيرة من تفاصيلها يبث منها المخزون بشكل مباشر وعفوي، ويرسم بالحالة التي يراها الأقرب لإحساسه المرهف وحسب الرؤية الذاتية لديه، ويضع الفكرة بطريقة فنية متمكناً من اللون جريئاً، ولديه توازن باللوحات ويعطي للأبعاد حقها، دقيق في دراسة منسوب اللوحة يضع الألوان الحارة ما وراء البعد الثالث، ولديه رصيد جميل وغني يتحدث عن تجربة جميلة وراقية».

    الجدير بالذكر أن الفنان من مواليد "صلخد" 1954، خريج كلية الفنون الجميلة عام 1980، له مشاركات عالمية في: "برلين، رومانيا، وألمانيا، والاتحاد السوفيتي"، وأقام عدداً كبيراً من المعارض الفردية في "السويداء" ومدن سورية، تناولت أعماله صحف عربية وعالمية، وشارك خلال ملتقى التصوير الأخير في مدينة "السويداء" هذا العام، وأعماله مقتناة في عدد من السفارات والدول العربية والأجنبية.