بين الفن وتفاصيل البيئة التي يحيا بها رابط، يقر الفنان "محمد القضماني" أنه المشكّل الأول لموهبته ومشروعه الفني، وقد أراد أن تكون بلدته "قنوات" بعبق تاريخها عنوانه العريض.

أعمدة وأميرات من نسغ التاريخ المتدفق إلى روحه، تناولها الحوار مع الفنان عبر مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 آب 2014، الذي نعرض منه هذه المحاور:

من الفنانين المتميزين من حيث التجربة والحضور الفني الراقي، أخذ التراث وطوره بعمل فني جميل، وله لمسة خاصة وبصمة فنية وشفافية جمالية وأسلوبية خاصة، والحقيقة إننا نفتقر لهذه التجارب في نقل التراث والمكانية، وأخذ صفة مميزة تقدم صوراً من جمال المكان وانطباعه في شخصيتنا، ولأنه نقل إحساسه الشفاف والصافي تابع مع فكرة العمل المائي، تعامل مع هذه الميزة باستخدام سلس لمواد بسيطة وتعابير جمعها في أعماله تتحدث عن تجربة قيمة وحالة فنية مطلوبة ومختلفة بمقاييس عدة، وصلت لمراحل النجاح والتميز

  • جمعت في أعمالك ما شغل العين والروح من ملامح بلدتك، هل لتأثرك الواضح بالتاريخ عِبَر من هنا؟
  • الفنان محمد القضماني

    ** أحياناً قد لا نجد إجابات واضحة لنوازع تقودنا لعمل معين سواء العمل الفني أو الأدبي، لكنني أعرف بصدق أن هذه البيئة التي خطت فيها يد الطفل أولى خطوط الرصاص على دفاتر الرسم، بقيت ساكنة في روحي فاعلة ومنفعلة أنقل من تفاصيلها بوحاً لاحتضان أركانها الحميم لتجارب وجدتها محفوظة عن أب مسن، تحكي أوراقها فرحته بما قيدت على هذه الأوراق من تكوينات تفهمها بفكر الفلاح الذي عجن في جنبات هذه الأرض عواطفه، وما كان يرسمه من أحلام لأولاده.

    ووجدت أن الابتعاد عن هذه الروح أو الاقتراب لم يكن قراراً، بل كانت سيرة ذاتية رسمت بدافع العاطفة من ناحية، ومن الناحية الأخرى الفكر الذي رغب بنقل هذا المكان المنغرس في الروح وفق فكرة معرفية تحاكي سير الجمال والعطاء وقصص التاريخ الموثقة، وما اقترن بالخيال في هذه الباحات الحجرية وقناطر ارتفعت لقرون هامسة بصمت: هنا كان للحياة لون ومعنى.

    من أعماله خلال ملتقى التصوير

  • اللوحة وليدة اللحظة رؤية توضحها في مسار رفضك لتبني منهج مدرسة فنية بعينها، حدثنا عن هذا؟
  • ** ليس لدي رغبة بالانتماء إلى مدرسة فنية، فهناك مدارس كثيرة عشت مع نتاجها ودرست مراحل تطورها، لكن تجربتي تؤكد رفضي للاقتداء بإحداها دون منازع، لأنني أرى في اللوحة وليداً ينتقل إلى ضفة الحياة بعد مخاض صعب عنوانه الكبير اللحظة وماهية وجودنا المكاني، ظروف وتقاطعات إنسانية نفسية تشكلها يد الفنان باللون على قماش بات مستقرها، والتحمت به عبر مراحله متتابعة، فكيف للفنان هنا التقيد بأسلوب أو مدرسة؟ فقد يفصله القيد عنها ويعرقل طبع انفعالاته للحظة طارئة أو على الأقل غير استثنائية أنتجت العمل.

    الفنان فؤاد أبو ترابي

  • بقيت وفياً للألوان المائية في مسارات عشقك لروح الماضي في بلدتك لتفرض حضورها الشفاف على أعمالك، ما الدافع لهذه التجربة التي امتدت طويلاً؟
  • ** العمل بالمائي يحمل الفنان وفق شفافية ظاهرة المعالم، ألوان لطيفة خفيفة الثقل على اللوحة تنتج ألواناً ساحرة تعاملت معها بصدق، لأنني بمساحات اللون الجميل عبرت عن حالة أعيشها بمنطق الوضوح والشفافية وطرق بواطن صدق الروح ورقّة العواطف.

    وقد تابعت تجارب فنية كبيرة انتمت إلى اللون الزيتي وبالمقابل تجارب بالتنويعات المائية الساحرة، وكنت أقرب لهذه التجارب لتكون للشخوص حالة تشبه الأطياف رقيقة الحضور وفق تكوينات المكان التراثي العامر بالحياة رغم عبور السنوات. وتابعت منسجماً مع هذه التجربة حتى بالتصوير الزيتي حيث يتضح هذا الأسلوب اللا شعوري، بالتالي فإن اللون المائي لا يقبل الإعادة فهو لون نظيف والإلقاء الأول بالنسبة لي هو الأصدق والأدق، وفسحة تمنح العمل فرصة الحوار مع عين المتلقي والتبحر بما حمله الفنان من صور.

  • استضافت أعمالك شخصيات نسائية ملكات جميلات تنقلن بين أقواس وأعمدة شامخة، حدثنا عن رؤيتك؟
  • ** أينما وجدت الحياة لا بد من أن يكون للمرأة بصمة وتداخل في صناعتها، وإذا كانت الحضارة في بلادي قد تركت تكوينات شامخة؛ أبنية وأبراج قلاع وساحات، فلا بد أن يكون للمرأة في ذلك العصر حضورها وقيمها المعطاء المنتجة للحب والحياة، وقد تقصدت ظهورها؛ فهي العابرة في كل زمان حاملة نبض الجمال والخير.

  • الفنان يمتلك الرؤية والحس، هل يقر الفنان باكتمال تجربته الفنية؟
  • ** سنوات من العمل تقاسمت الروح فيها مع القماش، عشق لم تحمله الكلمات بل كان اللون واسطته وجسر العبور الواثق بما اكتنزت رسائله من ألفة وتعطش لروح المكان في قريتي التي جالت الروح في تفاصيلها ومازال منها الكثير رصيداً للذاكرة، بالتالي، الفنان القائم بصدق عواطفه على مشروعه الفني الحميم يعتبر نفسه متدرباً طالباً في مدرسة الحياة، يختبر وينتج ويطبع بأعماله نتفاً من حياة وليس كل الحياة، لذا أعتبر نفسي متدرباً ورساماً يجتهد ليكون فناناً كما يحلم مهما طالت به السنون، ومن وجهة نظري فإن الفنان لا يقدم لذاته صفة الصيرورة النهائية، لأن التجارب قائمة ومستمرة فلا اكتمال للتجربة ولا نهاية لهذا المسار الطويل، وعندما نقر باكتمال التجربة نقر أن لا جديد لدينا، وهذا يناقض الواقع، لأننا نمزج ألواننا وفق مشاعر اللحظة ونخط ما شاء لنا الفكر، لنضيف لما سبق جديداً يتحدث عنا.

    حمل التراث وطوره وفق رؤيته الفنية الشفافة، كما حدثنا الفنان التشكيلي "فؤاد أبو ترابي"، وقال: «من الفنانين المتميزين من حيث التجربة والحضور الفني الراقي، أخذ التراث وطوره بعمل فني جميل، وله لمسة خاصة وبصمة فنية وشفافية جمالية وأسلوبية خاصة، والحقيقة إننا نفتقر لهذه التجارب في نقل التراث والمكانية، وأخذ صفة مميزة تقدم صوراً من جمال المكان وانطباعه في شخصيتنا، ولأنه نقل إحساسه الشفاف والصافي تابع مع فكرة العمل المائي، تعامل مع هذه الميزة باستخدام سلس لمواد بسيطة وتعابير جمعها في أعماله تتحدث عن تجربة قيمة وحالة فنية مطلوبة ومختلفة بمقاييس عدة، وصلت لمراحل النجاح والتميز».

    الجدير بالذكر أن الفنان "محمد القضماني" مواليد قرية "قنوات" عام 1950، خريج كلية الفنون الجميلة جامعة "دمشق"، قسم التصوير عام 1977، محاضر في كلية الفنون الجملية في "السويداء"، ومشارك مع وزارة الثقافة نقابة الفنانين في عدة معارض جماعية، وله مشاركات في الكويت، وله مجموعة من الأعمال مقتناة بعدد من السفارات والدول العربية والأجنبية.