بين نتائج غير متوقعة على سطوح معدنية ورؤية فنية لها من التجريد صفات ومزايا يعالج الفنان "شادي العيسمي" مواضيعه التي تتحدث بخطوط حادة وناعمة تفضي بمقال الروح.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان بتاريخ 4 تموز 2014، فكان الحوار التالي:

مثلت أعماله بالنسبة لي حالة جميلة وخروجاً عن المفهوم الخاص للوحة الحفر، وقد اقترب في مراحل كثيرة من التصوير في عملية بحث متطور، وخروج من الإطار التقليدي في مراحل انتقال إلى اللون مع الانتقال إلى الحفر، وتظهر ملامح الانفراد والأسلوبية لديه ونعلم صعوبة ذلك، لتتحدث أعماله عنه حتى وإن كانت بلا توقيع، هنا حالة من البحث والعمل باللون كمصور مستفيداً من الخط القوي، ليطرح مجموعة من الأفكار والتعابير التي تفيض برؤيته الواضحة للموضوع

  • خطوط متشابكة غنية المسار اعتمدتها كوسيلة لتقديم أفكارك اتخذت منطق التجريد، حدثنا عن هذه التجربة؟
  • من أعمال الفنان شادي العيسمي

    ** قد يكون الأسلوب الواقعي أول الأساليب التي تندرج ضمن مسيرة الفنان، لكننا وفي مرحلة معينة قد لا ترضينا قراءة الواقع والرؤية الواقعية لأي صورة أو مشهد لأننا قد لا نتمكن من حمل الطاقة الداخلية للفنان والتعبير عنها بواقعيتها، وهنا نحاول رؤية الأشياء وراء الشكل وخارج حدود التفاصيل التي لها علاقة بالشيء المادي والشكل الواضح والملموس للعين، إضافة إلى أننا عندما نعمل نجد الخط التعبيري يتصف بأنه حامل لطاقة داخلية كبيرة تطرح المواضيع بشكل معبر وواسع الطيف، ولدينا قدرة على اعتماد أساليب متنوعة توصلنا إلى الاختزال واتساع دائرة التعبير التي لم أشعر بتوافرها في العمل الواقعي ووجدت في التجريد مكانها، ومساحة للغوص في أحاسيس ومشاعر وانفعالات وقتية وعميقة تنقل من الحياة روح الألم والحزن لكنها تفضي بالنهاية لموسيقا المرح وأجراس تنذر بقدوم الفرح.

  • تعاملت مع مواد متنوعة، ما الأقرب إلى روحك؟
  • ** استخدمت الحجر والبلاستيك ومواد متنوعة اختبرت فيها طرائق مختلفة، في النهاية فإن أي سطح قابل للخدش يعد مادة مناسبة للحفار، ولدينا قدرة لتحويل هذا الخدش إلى طباعة، فأي شيء نتمكن من خدش سطحه يشكل لنا مساحة قابلة للعمل ويصبح شيئاً محفوراً قابلاً للنقل واستخدامه للطباعة على الورق. وعندما كررت تجارب الحفر على المعادن عايشت حالة من المتعة والترقب الجميل تلك التي تقترن بانتظار نتائج غير متوقعة لعملية الحفر وما الصورة التي يمكن أن تنتجها هذه العملية، بالتالي فهي تجارب تحرك الفضول تأخذ فكر الفنان لتجارب جديدة وتعزز حالة الحماس أثناء العمل، ولعملية التجريب حاجة وضرورة تفرضها طبيعة العمل، هذا الترقب يستقي منه الفنان مكملات لوحته لتكون وفق رؤيته ومنسجمة مع الموضوع وروح العمل، مع المعدن يعيش الفنان تفاصيل لحفر ممتع ويثير الفضول أي إننا لا نحصل على نتيجة مباشرة، ولا بد من تكرار التجربة وقد تخدمنا مصادفة خارج الحسبان والمخطط فتنتج عملاً متميزاً وجميلاً.

    بالتالي فإن الحفر يعلم الفنان امتلاك خيوط الصبر والانتظار لنتائج تسير وفق غايته التعبيرية، ومن وجهة نظري الغرافيك ورسم الخط بقوة هو الهيكل العظمي لكل لوحة، ليس فقط في مجال الغرافيك بل في التصوير الزيتي أو أي خط فني فلا بد من غرافيك صحيح ومنسجم وتوزيع الأبيض والأسود لإنتاج لوحة متوازنة وناجحة.

  • العمل مباشرة على المعدن لحظة تثبيت لحالة انفعالية طريقة عمل تعدّها منتجة، حدثنا عن السبب؟
  • ** في حالات أفضلها بشكل كبير أتجه إلى التنفيذ المباشر على سطح المعدن حتى لا نفقد الانفعال الأولي ونبدأ بمراحل الطباعة مرحلة إثر أخرى، لنثبت الخطوط الأولى ونباشر عملية مغاطس الأسيد، وبالتالي نكون قد وضعنا أساس تشكيل العمل، ومن بعدها يتم العمل على الكلبشة ووضع تصحيحات وإضافات للوصول إلى رؤية الفنان والفكرة التي يتناولها العمل. بالتالي فإننا نحافظ على الانفعال الأولي كي يفقد قيمته بين الدراسة والنقل على الورق؛ وبذلك نعزز حس التفاعل العفوي ونخرج من تفاصيل التقليد والتكرار، بهذه العملية أنتجت الكثير من أعمالي وحرضتني على التجريب وتحقيق نتائج مجدية وكان للأعمال حضور قوي، وهي اليوم مقتناة في عدة دول من العالم.

  • تجدد الفكرة والتقنية حالة تقر باحتياج الفنان إليها، كيف للفنان امتلاك طاقة التجدد؟
  • ** الفن انطباع وتسجيل شيء يسكن الذاكرة ويسجل في الواقع ولدينا الحق بنقله بالصورة التي تنسجم مع رؤيتنا، ومن وجهة نظري عين الفنان الحقيقي لا يمكن أن تمر على الواقع مروراً عابراً، لأن الطبيعة منتجة ولا يمكننا المرور عليها مرور الكرام، فالمحيط حافل بالصور ويجب أن يكون الفنان مطلعاً عليها ليبقى متجدد الفكرة والمهارة، لكونه مالكاً لقدرة تحويلها إلى تكوينات معبرة تنزل على الورق فكل صورة تنقلها العين يمكن أن تكون موضوعاً لمشروع فني جديد أسجل من خلاله حالة تعبيرية.

  • ما عانت منه "سورية" اعتداء على الروح قبل الجسد، كيف للفنان التعاطي مع هذه الظروف؟
  • ** قريبة إلى حالة الخدش روح الفنان والإنسان بشكل عام، ورغم حساسية الفنان المفرطة وتأثره السريع بأي طارئ أو حدث له مفاعيله على المجتمع لكن بيديه مفاتيح كثيرة تساعده على تقديم خطوة إلى الأمام، فهو في حالة العمل يخبرنا عن قناعة أننا لا نملك حالة الوجود لكننا نمتلك الثقة والأمل ليكون صانعاً لمراحله الخاصة ضمن تحولات الحالة الإنسانية، ينقل وفق طاقته الفنية صوراً ومشاعر، قد تكون بألوان قاتمة لكنها تحاكي ما يدور حولنا وبالنسبة لي فقد اتخذت منحى البحث عن لمحة مضيئة في مشاريع خرجت من دائرة النقل المتصل الملامح مع الواقع ولنوظف هذه الحالة، ولنرسم صورة لأمل جديد وبيئة تحتضن أحلام القادم العابق بالحياة والحب، هنا نحمل أعمالنا رسائل نعلن فيها أننا على قيد العمل، قيد الحياة، لنطرح ألواناً تطغى على مساحة الأسود وفوضى الدمار.

    الفنان "منصور الحناوي" تحدث عنه بالقول: «مثلت أعماله بالنسبة لي حالة جميلة وخروجاً عن المفهوم الخاص للوحة الحفر، وقد اقترب في مراحل كثيرة من التصوير في عملية بحث متطور، وخروج من الإطار التقليدي في مراحل انتقال إلى اللون مع الانتقال إلى الحفر، وتظهر ملامح الانفراد والأسلوبية لديه ونعلم صعوبة ذلك، لتتحدث أعماله عنه حتى وإن كانت بلا توقيع، هنا حالة من البحث والعمل باللون كمصور مستفيداً من الخط القوي، ليطرح مجموعة من الأفكار والتعابير التي تفيض برؤيته الواضحة للموضوع».

    الجدير بالذكر، أن "شادي سلمان العيسمي" مواليد "دمشق" 1978، خريج كلية الفنون الجميلة، أنجز دراساته العليا 2005، شارك في عدة ورشات حفر وتصوير زيتي، منها ورشة "قزح" في "دمشق القديمة"، أقام معرضه الفردي الأول بغاليري "مصطفى علي"، حائز على جائزة معرض الشباب السادس 2007، وله أعمال مقتناة في فرنسا وكندا وقطر وألمانيا، يدير اليوم مركز "ظل ونور" للفنون في "السويداء".