يحاكي الفنان "تمام الجرماني" نظرات الأطفال في أعماله في لقطات لا تعاد ولا تتكرر؛ حيث يرصدها بلون حي يتقصده لينقل من الواقع صوره الإنسانية العابقة بالحياة.

من رسم وجوه طلابه وتجربة يزاوج فيها بين لمحات الواقعية وعمق التجريد ينطلق ضيفنا في حوار تناول تجربته للتعريف بها من خلال مدونة وطن "eSyria" التي التقته بتاريج 1 تموز 2014:

رغبة الفنان في إيصال إحساسه الحقيقي باللحظة التي يعيشها تتفوق على مشاعر كثيرة، وبالنسبة للفنان "تمام الجرماني" فقد استطاع تجسيد الواقعية والإحساس بالمعاناة، خاصة في مجموعاته التي تناول فيها الطفولة، وجسد بإحساسه العالي وحرفية وواقعية مميزة تحترم عين القارئ للوحته، متعاطياً طرائق انعكاس اللون والمزج والمحافظة على مزايا الجمال والاهتمام بأبعاد المكان وتقديم لقطة ثلاثية الأبعاد للعمل لندخل في عمق المكان وطبيعة حضور الشخصية حاملة الفكرة في هذا المكان. ولن ننسى هنا تجاربه مع التجريد التي أخذ يطبقها في مرحلة متأخرة لكن بروح الفنان التجريدي المحدث الطارح لأساليب جديدة وحرفية تنسجم مع عمق الفكرة وخطوط التعبير المنطلقة من مهارة وتميز يطبع هذه التجربة بمزايا الانطلاق والتحديث

  • ترتفع حساسية الفنان تجاه الواقع لتجعل لحضوره طعماً مختلفاً وحالة خاصة، فهل تحدثنا عن رؤيتك؟
  • من أعمال الفنان تمام الجرماني الحديثة

    ** قد ينظر بعضهم إلى الفنان بأن لديه طبعاً غريباً وسلوكيات مختلفة، لكن شعور الفنان وقربه من الواقع وسرعة تأثره وعمق هذا التأثر ينتج هذه الصور، فقد يختلف بقدرة تحمله لما ينتجه الواقع من مواقف أو صور حالات إنسانية واجتماعية، بالتالي قد ترافقه صورة لأيام وليالٍ، وقد يكون الأضعف بفعل حساسيته وقدرته على التحمل وردود أفعاله المختلفة، لكنه في ذات الوقت وبامتلاك قدرة التعبير يتحول إلى طاقة منتجة لأفكار وآراء ومواقف يعرضها بقوة وفق حسه العالي بحجم الوجع أو الفرح أو أي عاطفة إنسانية ترتبط بهذا الواقع.

  • العيش ضمن واقع متقلب وظروف الأزمات كان له مفاعيل معينة على تجربتك، كيف كان ذلك؟
  • من رسوم لوجوه طلابه

    ** قد لا نتمكن من إطلاق توصيف دقيق لحالة تظهر للفنان بتفاصيلها الدقيقة بشكل مباشر، وهو على تماس قوي معها مثل أي شريحة من شرائح المجتمع، لكن الفنان يحمل في ذاكرته من الرؤى ما يجعله قادراً على مناقشة هذا الواقع بصور وأعمال متعددة وطرائق لا تتلاقى إلا بالفكرة، وخلال هذه الأزمة حرصت على العمل رغم وجع الروح وما يعتمل بالعين من مشاهد جارحة ومؤلمة، وقد كان للطفل نصيب كبير بما أنتجت إلى جانب تفاصيل عن البيئة التي تعرضت للتدمير. لتعرض نتاج الخراب وملامح الوجع التي تنقل على وجه اختلفت ملامحه لاختلاف الظروف والحياة الآمنة والمستقرة ومن هذه الأعمال ما قدمته في معارض جماعية وكان لها حصة من المتابعة، وهي بالنسبة لي رغم قسوة عرضها لكنها تفيض بمدارات الحياة وحلم القادم القادر على خلق الفرح وإضفاء ألوان الحياة.

  • لماذا تعتقد أن الفنان السوري بعيد عن الاحتراف والتفرغ؟
  • الطفلة المتسولة من أعماله التي تنقل بين عدد كبير من المعارض

    ** يختلف تقدير نتاج الفنان من مجتمع لآخر، وفي المجتمعات المرفهة والمتطورة نلمس حالة من التفاعل الغني تجعل الفنان وأعماله في دائرة الضوء والعرض والتعريف بما لديه، بمواجهة مجتمع متذوق ولديه القدرة والرغبة في اقتناء العمل الفني، لكن وفي منطقتنا فقد عايشنا تفاصيل وحقائق تفيد بابتعاد الفن عن الدائرة الاجتماعية وحالة من عدم التعاطي المجتمعي، مع الفن فقد لا يكون للوحة الفنية حضور إلا في المعارض والصالات المتخصصة، وليس تفصيلاً أساسياً في المنازل والقاعات؛ وهذا ما يجعل الفنان غير قادر على الاحتراف لأنه بكل بساطة مجال غير منتج من الناحية المادية، وهنا للفنان وسائله لخوض تجارب وأعمال أخرى منها التدريس والارتباط بوظيفة أو أي عمل يضمن له الدخل المناسب لحياة كريمة.

  • تفرض الواقعية حضورها على مساحة من أعمالك، فلماذا الواقعية؟ وما أقرب الأعمال إلى روحك؟
  • ** كل أسلوب يتبعه الفنان هو حالة ونوع من إعادة صياغة الواقع بوصفه المنتج المتفاعل القابل للحركة السريعة والهادئة، وإذا كنت قد اقتربت من الواقع في عدد كبير من تجاربي فإنها بالاتكاء على ذاكرة بصرية يختبرها الفنان المتخصص في التصوير الزيتي لتكون لديه صور يعيد معالجتها وطرحها على القماش، لتنقل تصورات متناغمة مع رؤيته العازم على تقديمها بفيض من الحب والتمعن والصبر لخلق صور معبرة ضمن هذه التفاصيل الواقعية، وقد تكون لقطة الطفلة المتسولة من أقرب الأعمال التي حاولت تثبيتها، وهي تحمل لعبتها وتحيط بها أكوام من أبنية مدمرة وفي عينها نظرة لوم وعتب على كل من حولها، ولعلها تطلق سؤالها الذي نتشارك به جميعاً، لماذا؟

  • هل يحتاج الفنان الواقعي إلى موديل حي وفق رؤيتك؟
  • ** هنا نعايش اختلافاً كبيراً بين الشرق والغرب، ففي الغرب تفهم كبير لطبيعة الاحتياج لموديل قادر على مساعدة الفنان على تجسيد لقطات وتصويرها وفق الحالة التعبيرية الغنية بالتفاصيل، وهذا شعور كل فنان ينطلق من الرؤية الواقعية لتجد شريحة من العاملين في هذا المجال لديهم تخصص ومدربين على هذا العمل ولهم جمعيات تنظم عملهم، في منطقتنا عوائق كبيرة في توافر "الموديل" البشري وفي حال توافر فليس لديه الخبرة، وبشكل عام لا بد من العمل على هذه الفكرة للتعريف بمهمة "الموديل" ودوره الواضح في إنجاز العمل، وبالنسبة لي ولأنني أعشق رسم الوجوه وبشكل خاص الأطفال فقد استفدت من فكرة التدريس ووجودي لساعات طويلة أمام طلاب صغار ليكون لدي رصيد كبير من الأعمال التي نقلت وجسدت بها وجوه الأطفال، لأجد في الطفل حالة جميلة وفهماً كبيراً للعمل نابعاً من شعور بالمتعة والفضول لمراقبة الفنان، فكان لطلابي صور رائعة في ذاكرتي ثبتها بمحبة لحالة طفولية تنسخ في كل وجه رؤى وملامح نتوقف عندها لساعات وساعات.

    الفنان والنحات "وائل هلال" تحدث عن رسائل "الجرماني" بخصوصية فنية عالية، فقال: «رغبة الفنان في إيصال إحساسه الحقيقي باللحظة التي يعيشها تتفوق على مشاعر كثيرة، وبالنسبة للفنان "تمام الجرماني" فقد استطاع تجسيد الواقعية والإحساس بالمعاناة، خاصة في مجموعاته التي تناول فيها الطفولة، وجسد بإحساسه العالي وحرفية وواقعية مميزة تحترم عين القارئ للوحته، متعاطياً طرائق انعكاس اللون والمزج والمحافظة على مزايا الجمال والاهتمام بأبعاد المكان وتقديم لقطة ثلاثية الأبعاد للعمل لندخل في عمق المكان وطبيعة حضور الشخصية حاملة الفكرة في هذا المكان. ولن ننسى هنا تجاربه مع التجريد التي أخذ يطبقها في مرحلة متأخرة لكن بروح الفنان التجريدي المحدث الطارح لأساليب جديدة وحرفية تنسجم مع عمق الفكرة وخطوط التعبير المنطلقة من مهارة وتميز يطبع هذه التجربة بمزايا الانطلاق والتحديث».

    الجدير بالذكر، أن الفنان "تمام الجرماني" من مواليد 1978، خريج كلية الفنون الجميلة لعام 2001، له مجموعة من المشاركات الجماعية المتميزة في عدد مهم من المعارض التي عرفت بتجربته المتميزة.