الفنان "نصر ورور" هو واحد من الفنانين السوريين الذين كان الرسم بمنظورهم تمرين دائم ومتواصل، يبقي الفنان قريباً من الشفافية، ويعتبر أن اللوحة قادرة في كثير من الأحيان على أن تكون بديلاً عن هذا العالم المسكون بالتساؤل.

والمتابع لأعماله التي انطلقت من "دمشق" يكتشف انفتاحه على الفضاء التكعيبي الهندسي في جلّ أعماله، والمرأة عنده سيدة المساحات اللا متناهية على الرغم من أنه لا يرسمها بشكلها الكامل وجمالها الرباني، وفي كل المراحل التي عاشها في حياته القصيرة، يؤمن بأن الفنان المرهف هو من يمر بكل المراحل الصعبة ليجد أبواباً جديدة.

ظهرت بوادر الفن في شخصية "نصر" باكراً وتحديداً في سن الرابعة عندما كان يرسم على الورق أشكالاً جميلة، وفي مرحلة لاحقة صمم شكلاً على سطح المنزل في مدينة "السويداء" لرجل حارس، كان كالفزاعة التي أرعبت الجيران عند رؤيته، ولم يشك أحد بأنه غير حقيقي. وهو صنع من نفسه فناناً موهوباً، أكملها بالدراسة في جامعة "دمشق"، وكان يعمل أثناء الدراسة ليكمل المشوار. وانطلق نحو العالم برؤية مغايرة لأقرانه، وكانت معارضه في "دمشق" تثير الكثير من الأسئلة. وفي غربته رسّخ مكانه ضمن مجموعة كبيرة من الفنانين المعروفين، وانطلقت أعماله نحو العالم راسماً لنفسه طرقاً واضحة في اللون والخط والتكعيب والرؤية. وكان واضحاً اهتمام الصحافة العربية بأعماله، وخاصة عند كل معرض فردي يقيمه بين الإمارات ولبنان

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنان "نصر ورور" المقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة عبر شبكة التواصل الاجتماعي، يوم الأربعاء الواقع في 11 حزيران 2014، وكان الحوار التالي:

التكعيب في لوحات نصر ورور.

  • متى اكتشفت ميولك نحو اللون والصفحات البيضاء؟
  • ** بدأت مرحلة الرسم بسن مبكرة، وكنت في سن الرابعة من العمر عندما بدأت الخربشات على الورق، ومرحلة الطفولة التي أذكر تفاصيلها اليوم غالباً ما تحرضني وتبعث بي هذا الحنين المخفي المشع في نافذة الماضي. فنحن محكومون لهذا الماضي بتفاصيله، والفنان الصادق هو من يوظف تاريخه، ويوظفه ضمن أطر معينة، وكما ترى في فضاء اللوحة يمكن أن تخلق مواضيع بديلة أكثر إشراقاً يقترحها الفنان كبديل من هذا العالم المسكون بالتساؤل.

    إمرأة ورجل.

  • جميع الفنانين أو أغلبهم يصنفهم النقاد أنهم تابعون لمدارس فنية بذاتها، أو كانوا في مدرسة ما وانتقلوا إلى أخرى، فهل أنت مع هذا الطرح؟
  • ** أؤمن بأن الفنان أكبر من أي تصنيف، وهو أكثر وعياً من أن يصنف نفسه ضمن إطار أو أي رؤية فنية، ففي بداياتي الفنية رسمت البورتريه بأشكاله كافة، بل نقلت كل تفاصيله بعناية فائقة، إن الرسم بمنظوري هو تمرين دائم ومتواصل، يبقي الفنان قريباً من الشفافية إلى حد قد يدفع به صوب مناخات فنية أخرى، وأظن أنني أنتمي إلى مدرسة الواقع التعبيري. وجميع الفنانين الذين ساهموا بتجاربهم لم يطلقوا العنان لتسمية مدارسهم الفنية. بل قام نقاد بتسمية هذه المدارس، وتفصيلها ضمن حقب مرحلية متفاوتة.

    اللوحة بدلاً من الشعر والقصة.

  • لكل فنان عوالم خاصة يستمد منها مواضيعه، فهل تلعب الذاكرة والماضي البعيد دوراً في خلق لوحاتك؟
  • ** الفن هو أنقى ما يعيشه الفنان بتفاصيله، ودور الفنان يتبلور حين يستمد مواضيعه من الذاكرة، أو مخزونه الروحي، والفن بنظري هو حالة انعتاق قصوى تدفع الفنان باتجاه المجهول، وهذا المجهول يغدو في مرحلة من مراحل الرسم المغذي الرئيسي في ذاكرة اللوحة واللون معاً. الرسم هو قصيدة شعرية متحررة يخطها الفنان بكثير من العناية المفرطة.

  • سافرت منذ زمن إلى دولة الإمارات العربية، وأنت بحكم المقيم الدائم هناك، كيف تتواصل مع الوطن، وماذا يعني لك هذا الغياب الطويل؟
  • ** "دمشق" تسكن في شراييني كافة، و"سورية" كالجسد تماماً وأنا روحها، قد أكون رحلت عنها بعيداً اليوم، ولكنها تسكنني وأسكنها. فالوطن نافذة تطل على العالم، وتجربة الغربة قد تضيء مسالك متشعبة للفنان، وقد تفضي به إلى عوالم من نوع آخر.

  • أيمكن القول إن القصيدة أو القصة قد تكون بديلاً موازياً للوحة الفنية؟
  • ** هاجسي الدائم أن أترجم الحالة الفنية للمتلقي، والدي "حسين ورور" الكاتب ترك الأثر الأكبر في تجربتي الفنية، ولكنه لم يعرف الشهرة في وطنه كما يجب، وانتشرت أعماله في الخارج. لدي الكثير من الكتابات في بعض اللوحات، ولكني كتبت على ورق محايد بعيداً عن فضاء اللوحة.

  • أنت تركز في أعمالك على المرأة، وتشكيل الدائرة بكل أبعادها، فأين وصلت مع المرأة، وما المغزى من هذه الدوائر؟
  • ** الدائرة لها دلالاتها الدينية، وهي بمنزلة المحور والطواف، أنظر إلى الدائرة من منظور روحاني. والمرأة تشكل المحور في اللوحة، وكل تفاصيلها موجودة في اللوحة واللون بكل أبعاده وحدوده، وفي لوحاتي لا أوظف المرأة كموضوع آني بل هي اللوحة بكل تفاصيلها.

  • أنت تنتمي إلى بيت معروف في "سورية" بفضل والدك الكاتب والشاعر والناقد "حسين ورور"، هل أثر ذلك في تشكيل شخصيتك؟
  • ** لقد ترك ذلك المحيط الكثير من الأثر فيّ، وما يقلقني في الأمر أنني مجرد عدد مكمل في العائلة، كنت أعيش في فلكي الخاص، محاولاً أن أتواصل مع محيطي الاجتماعي، وأذكر أني كنت أعمل بجد وعناء لتوفير معيشتي. أنا أؤمن بأن الفنان المرهف هو من يمر بمراحل صعبة، ولكن وحده الفنان الصادق من يجد أبواباً أخرى وجديدة تفضي إلى عالم جديد.

  • هل تغيرت تجربتك الفنية أثناء غربتك بعيداً عما تحب؟
  • ** لم يتبدل أي شيء في تجربتي، فمواضيعي الفنية في "سورية" تنقل "دمشق" والخروج منها، والخروج عندي هو الانطلاق صوب الأرحب والأشمل. ياسمين "دمشق" وجدرانها تشعرك بالأمان ثقافياً، ويدفعك باتجاه السلم الداخلي. "سورية" كانت نافذتي على هذا العالم الواسع، وتلاحظ أنني أركز في لوحاتي على رسم الأقدام لأنها ترشدك إلى درب الجلجلة، تقودك صوب أبواب أخرى. وفي الإمارات أنا أعيش في مرحلة مخاض فني جديد.

  • ماذا يحمل لك اللون في اللوحة؟
  • ** أوظف اللون ليخدم اللوحة ليس إلا، أنا مع خطوط اللوحة التي تشير إلى البعد المخفي فيها، فاللون بمنظوري هو الصفاء الخالص الذي يعكس جوهر الفرح في إطار اللوحة وخارجها.

    الأديب والشاعر "حسين ورور" والد الفنان تحدث عن طفولة ولده، والأشياء التي برزت في شخصيته لاحقاً: «ظهرت بوادر الفن في شخصية "نصر" باكراً وتحديداً في سن الرابعة عندما كان يرسم على الورق أشكالاً جميلة، وفي مرحلة لاحقة صمم شكلاً على سطح المنزل في مدينة "السويداء" لرجل حارس، كان كالفزاعة التي أرعبت الجيران عند رؤيته، ولم يشك أحد بأنه غير حقيقي. وهو صنع من نفسه فناناً موهوباً، أكملها بالدراسة في جامعة "دمشق"، وكان يعمل أثناء الدراسة ليكمل المشوار. وانطلق نحو العالم برؤية مغايرة لأقرانه، وكانت معارضه في "دمشق" تثير الكثير من الأسئلة. وفي غربته رسّخ مكانه ضمن مجموعة كبيرة من الفنانين المعروفين، وانطلقت أعماله نحو العالم راسماً لنفسه طرقاً واضحة في اللون والخط والتكعيب والرؤية. وكان واضحاً اهتمام الصحافة العربية بأعماله، وخاصة عند كل معرض فردي يقيمه بين الإمارات ولبنان».

    وكان الصحفي اللبناني البارز "أحمد بزون" قد كتب عن أعماله في صحيفة "السفير" اللبنانية أثناء قيام أحد المعارض التي قام بها في "بيروت" بالقول: «إن أهم ما في تجربة "ورور" أنه ميّز لوحته ولم يكن تلميذاً نجيباً أو تابعاً لأحد. تلك هي القوة الأساسية في ما يقدم، لذا استطاع أن يحقق تشكيلاً صادماً للمشاهد، الذي لا يستطيع إلا أن ينتبه للجدة البصرية التي يقدمها، بل ينتبه أكثر إلى أنه استفاد من بعض آليات مصادره الفنية. ويمكننا الحديث عن تجربة "ورور" المستفيدة من المظاهر النحتية، من دون أن يكون النحت ضرورة للاستغراق في الواقع أو تحقيق جاذبية عمودية، فالفنان يفكك الشكل ليأخذه نحو فوضى، إلا أنها الفوضى المتوازنة، بل هي نفسها الفوضى التي تعتمدها العمارة التفكيكية أساساً. لقد وضعنا "ورور" أمام أيدٍ وأرجل وأجزاء من جسم الإنسان تتمفصل وتنفصل لتتموضع بشكل غير طبيعي. هو هنا يخلخل الجسم ويشوّهه لمصلحة الفكرة التي يطرحها، فالفكرة هي مركز اللوحة ومحورها وأساس الحركة فيها، بل هي التي تقود الفنان إلى قتل الشكل والتعامل معه كمعطى مفتوح على كل الاحتمالات، كمعطى منتهك ومضعّف، تسهل على الفنان قيادته وتحويله إلى قوة إيحائية. هو يكسر حدة الواقع وسطوته وقوته، مستبعداً تجسيد هذا كفعل مهيمن أو كموضوع ساطع في المشهد، لمصلحة حضور المفهوم أو الفكرة».