«يسعى الفن بأعلامه لإظهار مكنون جماله، ليقدم لوحته الفنية بمقاماته وأنغامه لعالمه العربي في زمن الفوضى والانحطاط الفني، إذ تكاد تنعدم الأعمال الفنية التي تملأ الوجدان والأحاسيس والمشاعر الصادقة، في ترتيل "آه عالنغم .... ويا ليل...." أي أيام الطرب العربي الأصيل.

وعاصمة الثقافة العربية بتاريخها وموروثها الثقافي، لا تخلو من مبدعين ومهتمين يحملون على أكتافهم هموم موروثهم الموسيقي ليقفوا في وجه تلك الموجه بأعمالهم التي تذهل الغرب وتجعله يتأمل في تاريخ وثقافة المنطقة التي أنتجت تلك الموسيقا».

حقاً ما فعلته ريشة عازف العود القدير "عصام رافع" شيئاً كبيراً في ذاكرة من استمع إليه داخل البلاد وخارجها حيث يشعر بأهميتها

هذا ما تحدث به المهندس" أسامة جناد" المتابع للحركة الثقافية الموسيقية والأدبية بتاريخ 27/7/2008 وهو يقول: «حقاً ما فعلته ريشة عازف العود القدير "عصام رافع" شيئاً كبيراً في ذاكرة من استمع إليه داخل البلاد وخارجها حيث يشعر بأهميتها».

المهندس أسامة جناد

موقع eSyria كان له وقفة حوارية مع الموسيقي "عصام رافع":

  • ما حال الموسيقا العربية؟
  • قائد الفرقة المايسترو عصام رافع

    ** الموسيقا العربية برأيي متطورة لأنها تحمل إبداعاً وخلقاً من خلال التعددية بالمقامات والإيقاعات، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما حالنا نحن من الموسيقا العربية كمتلقين؟ نحن والموسيقيون في كسل شديد اللهجة بالتعامل مع الموسيقا العربية، والكسل أدى إلى خلق حالة من السبات، ويجب علينا أن ننهض من هذا السبات لاحترام ما قدمت لنا كموسيقيين لأنها تحمل التطوير بغاية من الأحجية وربما كان التساهل سائدا في التعامل معها، واسترخاؤنا أكثر من اللازم أدى بها إلى ما هي عليه، والواجب أن نتعامل معها بجدية أكثر ونبحث عن الأعمال التي تناسيناها كي نكتشف جمال ورونق الموسيقا العربية.

  • حالياً تشغل منصب رئيساً لقسم الموسيقا العربية في المعهد العالي للموسيقا، ما الخطط المنهجية لتطوير القسم؟
  • ** أؤكد لك أن الموسيقا معافاة كمفهوم موسيقي وهي تملك شخصية واضحة، وحالة التطوير تكمن في الإنتاج ونوعيته وبهما "الإنتاج والنوع" يتم النهوض، أما كخطط فنحن نسعى كأي معهد إلى تطوير المناهج رغم التقصير المحاط بنا بشكل عام لمعوقات ومشاكل تعترض سير العمل من النواحي الإدارية والفنية والمنهجية الفكرية الثقافية وعلى سبيل المثال كالتعامل مع المقام وربع الصوت وتعددية باللهجات في الوطن العربي.

  • هل تلك المشاكل تؤثر على الموسيقا العربية وتطويرها؟
  • ** حالياً سوف نقع بحالة تناقض لأن الدارس الأكاديمي بحاجة إلى وضع اليد على النقاط الأساسية، لتوصل إلى نتائج مرضية من خلال مزج جمل لحنية وألوان، ونحن ضعفاء منهجياً، لا كالمدارس الكلاسيكية في القرون الماضية حين كثرت لديهم تعددية السلالم والمقامات حتى شكلت لديهم مشكلة بالسلم الموسيقي، حتى جاء السلم المعدل وظهرت قوانين صارمة بذلك وتحققت النهضة.

    ولنا مثال يحتذى به من بعض البلدان الشرقية محافظة على موسيقاه وهي "تركيا" رغم الهجمة في تغيير لا تزال محافظة على إرثها ونسمع لها أعمالاً واضحة لفرق ومغنيين يعملون جدياً وسوف يذكرهم التاريخ.

  • هناك في الموسيقا العربية قوالب شرقية/ كـالسماعي والبشرف الخ/، هل تأخذ طريقها في المناهج التطبيقية؟
  • ** أنا سوف أعرج على نقطة أساسية هي أن المعهد الموسيقي هو معهدان في معهد واحد، هما معهد الموسيقا الكلاسيكية والعربية، أي معهد كنسفتوار يدرس الكلاسيك وربما يكون ذلك ميزة جيدة رغم أن هناك رأياً شديد اللهجة على انفصام بين الغربي والشرقي، ولأنني لست بصدد الدفاع لكن أجد من يدرس آلة العود الشرقية يهتم أكثر في عمله إلى جانب الاستفادة الأكاديمية في العلوم التي بحاجة إليها كثيراً لأنه عندما ينطلق إلى الحياة يشعر بأنه على قدر كاف من العلوم والمعرفة، ويعمل في علم الآلات والتوزيع إضافة لوجود فرقتين الفرقة الوطنية السيمفونية والفرقة الوطنية للموسيقا العربية التي أقودها الآن وأحاول أن أستفيد من تلك العلوم.

    ومن يستمع إلى الفرقة الوطنية العربية يدرك أنها تقدم أعمالاً جديدة بعيدة عن التقليد بالمعنى الحرفي للكلمة بل تسعى لإيجاد حالة إبداع وتطوير لتباعية اللحن الواحد وهو غني لكن بوجود الأوركسترا جميل أن يكون له لون مع الحفاظ على الإرث الموسيقي العربي، وبالتالي لابد لنا أن نعمل على القوالب الشرقية وكل حفلاتنا تشمل اللونغات والسماعيات إلى جانب الموشحات والفلكلور.

  • أُدخلت آلة العود على الفرقة السيمفونية الوطنية عن طريق الراحل صلحي الوادي واستطاع أن يجعلها تواكب الآلات الغربية، كيف تجاوزتم ربع صوت بتلك الآلة؟
  • ** في الموسيقا برأيي ليس هناك صح أو خطأ فهي حياة تحمل التجارب والنسبية، وأستاذنا الكبير صلحي الوادي- رحمه الله- هدف من وراء إدخال آلة العود أن يخرجها من نطاقها الضيق، لذا عمل بصحبة أساتذة من أذربيجان الذين استفادوا من جوارهم الاتحاد السوفيتي واستطاعوا تطوير الموسيقا بأنواعها المختلفة وصولاً إلى الشعبية منها لتصبح واضحة اللمسة بالفائدة من تجارب الآخرين ونحن استفدنا من تلك تجارب، وكان لي أول تجربة مع الأستاذ صلحي الوادي، عزف لأول مرة كونشرتو "لامينور" لباخ، على العود على الرغم من النقد والأسئلة التي تحمل الاستفسار ماذا حققنا من فائدة الخ؟... إلا أن الحقيقة يجب أن نستمع إلى الآخرين والاستفادة من رؤيتهم وإيجاد نماذج جديدة للعمل مع تجربة جديدة حتى نستطيع اختيار ما نشاء ونقدمه للأذواق الشرق العربي، وفي الحقيقة الأعمال التي تمت بمرافقة آلة العود لا تحمل الربع "تون" إلا في حالة التقاسيم المنفردة ضمن الاوركسترا الحجرة وهي توزع ببساطة، وحالياً الفرقة العربية الوطنية تقدم الربع الصوت بتوزيع وهرموني بحيث تخلق الفرقة جواً ملائماً للربع تون وبشكله الصحيح، وبالنهاية محاولات وتجارب ولا ندعي الكمال بما نقدم ونعمل.

  • هل مدرسة التكنيك الذي أسسها الشريف محي الدين حيدر تنسجم مع الفكر الموسيقي الشرقي الذي ترغب؟
  • ** حتماً الاقتناع بكل المدارس، ومن يتقوقع ضمن مدرسة واحدة فهو مخطئ وأنا أحترم كل التجارب الفنية، والشريف محي الدين حيدر من الناس الذين قدموا الكثير للموسيقا وهو من الأشخاص الذين يضرب لهم سلام تحية للأعمال الصعبة التي قدمها بالأسلوب والمنهج والعزف، لذا علينا الاستفادة من المدارس الفنية ونحن نسعى لتكوين شخصية فنية التي تتطلب الجهد والزمن الطويل.

  • ما تعني لك آلة العود الشرقية وريشتها؟
  • ** هذه الآلة لي معها قصة تحمل بداية وحكاية طويلة لأنها آلة غنية قديمة وجميلة وموغلة بالقدم لأنها برأيي الأقرب إلى الإحساس والمشاعر والعواطف كذلك للنظريات العلمية الموسيقية فهي المصاحبة لكل مغنٍ يعشق الموسيقا وهي رفيقة الألم لها دور كبير ثقافي في التاريخ ولهذا لا يكاد يخلو منزل من آلة العود لأنها حقاً وجدانية شعبية وأنا أسعى بكل طاقتي للبحث في مكنونات تلك الآلة الرائعة، والعزف النظيف يشدني كثيراً ونظافة العزف تتطلب ريشة في اليد اليمنى ومهارة باليد اليسرى لإعطاء العلامة الصحيحة ولكن أسعى فعلاً لأن يكون لي خصوصية في ريشتي على آلة العود، وهي تحتاج إلى نظافة عزف وريشة رشيقة وواثقة وتكنيك، ليصل النغم إلى قلوب الناس، وأنا في حالة بحث مستمر في نهاية المطاف.

  • هل يجري المعهد العالي للموسيقا أبحاثاً تطبيقية ليشارك في مؤتمرات ومهرجانات الموسيقا؟
  • ** المواد العلمية التخصصية تتعلق بموسيقا الشعوب والبحث النظري"إنتروبولوجيا" ومعهدنا أقرب لتخريج عازف، على الرغم من وجود قسم نظري يقوم بأبحاث ودراسات موسيقية سوف تخرج للنور قريباً عن طريق أساتذة متخصصة بالبحث العلمي ومنهجيته فالأمل قريب وسعي متواصل وجاد بذلك، والمتابع للفرقة الوطنية يرى أن برنامجها يشمل القوالب الشرقية الموروثة والأعمال الإبداعية التجريبية لكن الحائل هو العزوف الثقافي وقلة التشجيع المعنوي والمادي للفرقة، ولولا بعض الناس الذين يسعون لتطوير الفرقة دون النظر إلى الربح كنظرة تجارية كما جرى في حفلة /غالاغونست/ التي نظمتها جمعية صدى للموسيقا العربية وهي الجمعية الثقافية الموسيقية الهادفه لتشجيع ودعم الموسيقا الجادة في البلدان العربية، ومن نتائجها إقامة حفلة للفرقة السيمفونية والفرقة الوطنية للموسيقا العربية حيث تضع في خططها أن تكون تلك الحفلة إن شاء الله تقليداً سنوياً، مع تمنياتنا في إيجاد أكثر من جمعية ثقافية وجهة تتبنى هذا المنحى وخاصة الموسيقا لأنها الأكثر قوى في نقل التاريخ وحضارة للشعوب الإنسانية والثقافية، وهذا ما حققته الفرقة الوطنية في الدول الأوروبية والأجنبية حين قابلنا الجمهور بالإعجاب متأملاً مذهولاً، أن سورية التي تحتوي على تلك الطاقة الإبداعية والكوادر الفنية، والفرقة أثبتت لهم أن سورية حقاً لديها الكثير من الكوادر الفنية والمواهب المدفونة الجديرة بالعالمية لكنها تحتاج إلى الدعم لترى النور.

    تجدر الإشارة إلى أن الموسيقي "عصام رافع" هو رئيس قسم الموسيقا العربية في المعهد العالي للموسيقا وقائد للفرقة الوطنية العربية، ومؤسس لفرقة "طويس" (المشهور بصوته وابتكاره والقادم من "المدينة المنورة" الذي رافق الإيقاع الغناء للمرة الأولى في القرن السابع ميلادي).