الشاعر الشعبي الشامل "معضاد ابو خير" هو عازف بارع على آلة المجوز (آلة موسيقية نفخية مصنوعة من القصب تشبه الناي والشبابة) ويجيد العزف على الرباب (آلة وترية بوتر واحد ووتر قوسها مصنوع من شعر ذيل الخيل) والشبابة (آلة عزف شعبية، مصنوعة من الحديد غالباً، وتشبه الناي القصبية، ويعزف عليها في الأعراس) ويقرض الشعر الشعبي.

يذكر الشاعر الشعبي "توفيق الحلبي" أن عازف المجوز "معضاد أبو خير" يتميز بأنه من العناصر الفنية التي تحمل موهبة فطرية إذ استمد موهبته تلك من عاداته وتقاليده وأعرافه المحلية فهو وليد معاناة البيدر والسهول، وزراعة المحاصيل.

عانق الطبيعة منذ صغره فأحبها وأحبته، أخذ منها الأصالة والطيب والعطاء واستفاد من عبق ترابها الحنين الدائم إليها، فهو وإن بعُد قليلاً عنها إلا أنها دائماً تشدو إليه بأنغامها ومقاماتها لذا أحب أن يكون بينه وبينها علاقة ودية تتجلى بالتصاق الأرواح بالمطلق، فهي لم تبخل عليه بالعطاء وأكسبته الموهبة الفنية فاعتنق العزف على آلة المجوز.

الشاعر الشعبي توفيق الحلبي

الشاعر الشعبي الشاب "سعيد جابر" بيّن أن آلة "المجوز" التي تمشي أمام الجيوش وتبث الحماس والرجولة في صفوف الأبطال الميامين، أجادت بعطائها حتى ألهمت "معضاد" العزف على آلتي الرباب والشبابة في الجلسات الوقورة والتحدث بالأحاديث العربية الأصيلة عن ماضي الأهل والأجداد وتوثيق الأهم من الأحداث التي جرت في الأزمنة الغابرة، حتى بزغت فيه موهبة أخرى أن يقرض الشعر الشعبي، لذا فهو بحق فنان شعبي شامل الموهبة والعطاء، وعطاؤه تمكنه في بيئته المحلية.

موقع eSyria وبتاريخ 1/7/ 2008 وفي منزل الفنان "معضاد أبو خير" أجرى معه الحوار التالي:

الشاعر الشاب سعيد جابر

  • السيد معضاد أبو خير أنت فنان شعبي شامل تقرض الشعر وتجيد العزف على آلة الرباب والشبابة والمجوز، كيف كانت بدايتك الفنية؟..
  • ** كانت بدايتي الفنية في العقد الثاني من العمر حين بدأت بالعزف على "الشبابة" حيث كنا نقوم بحراسة كروم العنب ونقضي أوقاتاً طويلة، الأمر الذي دفعنا إلى أن نجد وسيلة للتسلية وربما تكون لدي هواية دون درايتي بذلك إلا أنني أصبحت أحب تلك الآلة وبدأت بالعزف عليها بشكل جيد ثم تعلمت العزف على "المجوز" ثم على الرباب.

    معضاد أبو خير وهو يتحدث

    أما بالنسبة للشعر فقد بدأت أنظم الشعر في العقد الثالث من العمر رغم أنني مقل بعض الشيء.

  • ما تأثير آلة المجوز والشعر الشعبي المغنى على النفوس برأيك؟...
  • ** للشعر الشعبي تأثير كبير على النفوس لأنه بحق يداعب الأحاسيس والمشاعر وهو المعبّر عن أحوال الناس وهمومهم وما يدور في أنفسهم لأن القصيدة هي ترجمة لحدثٍ ما أو واقعةٍ ما جرت في المجتمع واستطاع الشاعر أن يصور أحداثها ويجسدها على شكل قصيدة منظومة بأبيات فنية تحمل الصور والدلالة الشعرية المناسبة، أما آلة المجوز فهي بطبعها قريبة إلى أحاسيس ومشاعر الناس، وتبث فيهم روح الحماس والحركة الوجدانية لكونها تذكر ببطولات الأهل والأجداد.

  • كيف تفضل غناء الشعر الشعبي، هل مع آلة المجوز؟...
  • ** نعم لأن القصيدة الهام وانفعال واستنباط، فالشاعر هو لسان حال مجتمعه يتأثر بالواقع وينقل الحدث بصورة جمالية وشاعرية بطريقة القصيدة الشعبية ذات الأوزان والقافية، فأنا رهين اللحظة والحدث، ومن خلالهما تنبع القصيدة، وآلة المجوز قادرة بأنغامها وطبقاتها أن تصل إلى أوداج القلب بسهولة وذلك حين يتفاعل المستمع مع الكلمات والانغام.

  • ما واقع الآلات الموسيقية الشعبية (آلة المجوزمثالاً) حالياً برأيك؟..
  • ** أرى أن الزمان يعيد نفسه وهناك إقبال كبير على مداولة العزف على تلك الآلة، وكذلك لدينا عدد كبير من الشعراء البارعين في هذا المجال ومن جيل الشباب، فهم ينهضون بهذا اللون إلى أرقى مستوى مطلوب، وإذا أراد شعراؤنا أن يستمر وأن يكون حاله في أحسن حال فلابد لهم أن يواكبوا الحداثة بروح المعاصرة والمحافظة على الأصالة وبذلك يكون واقع الشعر الشعبي المغنى على الآلات الموسيقية الشعبية جيداً.

  • هل تستطيع الآلات الشعبية أن تتجاوز المحلية برأيك؟..
  • ** نعم تستطيع الآلات الشعبية أن تتجاوز المحلية بحالات لابد من توافرها، أولاً منها تنظيم توزيع الآلات الموسيقية بما يتناسب مع أصالة الماضي وعراقة الحاضر، ثانياً الجدية في عمل وسائل الإعلام لنشر الألحان الشعبية على هذه الآلات من خلال مشاركتها في المهرجانات العربية والمحلية لتكون الرافد الحقيقي للآلات الموسيقية الطربية من جهة ولكي تعبر عن التراث العربي الأصيل من جهة أخرى، والآلة الشعبية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالهوية التاريخية للمرء وبالتالي عندما تستمع إليها تشعر بالماضي العريق والحاضر الوثيق.

  • هل يساهم الشعر الشعبي والآلات الشعبية في حركة تطوير نظام المجتمع هذه الأيام؟ ولماذا؟...
  • ** نعم يؤثر الشعر الشعبي وآلاته في تطوير نظام المجتمع، لأن الشعر والآلات الشعبية موروث وحضارة المجتمع، وبقدر إدراك البعد الثقافي والفني للشعر وآلاته الشعبية يكون التعامل معه، إذ إن الشيء الموروث هو أي عمل أو أثر أو عادة ونظام حصل على قبول أفراد المجتمع له وكان تأثيره عليهم واضحاً من خلال ترديده على الألسن والشفاه، وهذا ما يحدث فعلاً بين صفوف أفراد مجتمعنا المحلي، لذا فهو نتيجة تجربة عبر الزمن وانسجامه مع ما يتحلى به من مكارم أخلاق تخدم الفرد ضمن منظومة العادات والتقاليد والأعراف.

  • هل يستطيع شعراء المحكي أن يفرضوا أنفسهم على الحداثة في ظل العولمة؟...
  • ** نعم يستطيعون لأنهم يعتنقون التراث، والتراث يحمل الكثير من المتغيرات ويرتبط بشكل وثيق مع الثوابت في الآن نفسه، ولهذا عليهم أن يدركوا الحاضر ويواكبوه بما ينسجم مع الواقع والحفاظ على المعنى السامي للكلمة وعدم إهمال التراث أي أن يبقى هناك جسر بين القديم والحديث، وانتقاء الكلمة المبسطة وليست الهشة وتسخيرها في موقعها الصحيح بما يتلاءم مع ثقافة المجتمع.

  • هل الإنجازات الحديثة والتقانة المعولمة أثرت على الآلات الشعبية وكذلك على الشعر الشعبي؟...
  • ** نعم أثرت العولمة وبشكلٍ سلبي عليهما لأن العولمة تحاول طمس معالم الموروث والهوية وتقديم تقنياتها الزائفة باسم الحداثة والعلمانية وبطريقة مبرمجة بعيدة كل البعد عن حاضرنا وماضينا، ونحن نعتقد أن الحاضر مرتبط بالماضي وركيزة للمستقبل، لذا بظهور أكثر من صوت من آلة موسيقية واحدة واختصار- من الناحية العملية- لفرقة موسيقية كاملة كآلة الأورغ مثلاً هذه الآلة نابت عنها وبتنا ملك الصوت الالكتروني الخالي من الحس الموسيقي وهذا ما أثر سلباً على استمرار الآلات الشعبية والاستغناء عنها وكذلك بالنسبة للشعر الشعبي بصرف النظر عن الشعراء.

  • هل يمكن أن تضعنا بصورة موجزة عن آلة المجوز المتعلقة بالموروث الشعبي؟...
  • ** المجوز آلة شعبية قديمة جداً استعملها عدد من الشعوب، وكل منطقة استعملت المجوز بما يتناسب مع أعرافها وتقاليدها، ولكن المجوز في محافظة السويداء ذو خصوصية إذ استعمل كمحرض ودافع ومحفز لبث الحماس والبطولة عند الثائرين لأن الحروب عندهم أعراس والأعراس حروب، فكان لكل قرية من قرى محافظة السويداء بيرق (علم أو راية ينطلق، حامله في مقدمة المحاربين) وفي المعارك تجرد البيارق وأمام هذه البيارق يسير عازفو المجوز ويعزفون معزوفة البيرق أو "الجردة" التي تبث روح النخوة في نفوس المقاتلين لذا أصبح لهذه الآلة المكانة الخاصة إذ تربط بين الماضي والحاضر بوضع مستمعيها بجو المعركة الحقيقية وأحداثها، والتاريخ سجل في صفحاته معارك استشهد فيها عازفو مجوز وحاملو بيارق كالمرحوم "شهاب غزالة" في معركة الكفر عام 1925.

  • كلمة أخيرة تختم بها اللقاء؟..
  • ** التأكيد على ضرورة توثيق الآلات الشعبية من خلال إيجاد رابطة لحفظ التراث وصونه وتقديمه للأجيال القادمة بصورته الجميلة، مع الاهتمام بزيادة عازفي آلات الرباب والشبابة والمجوز ومحاولة جادة للنهوض بتلك الآلات للخروج بها من نطاق المحليات إلى العالم أجمع، وعلى شعرائنا الشعبيين أن يكونوا على قدر كبير من المسؤولية بمواكبة الأحداث وتوثيقها من خلال المحافظة الجادة على أصالة الماضي والاستمرار في عراقة الحاضر، والمساهمة الفعالة في تنمية الحركة الثقافية في مجال الشعر الشعبي وإقامة العديد من المهرجانات له عبر المنابر الثقافية المحلية والحكومية.