يرتبط الفن بالفلسفة لأنهما يعبران عن الفكر والثقافة بمهارة فنية متطورة، والفنان التشكيلي والنحات "مجيد جمول" الحاصل على الماجستير في الفنون الجميلة من "وارسو"- بولونيا صمم العديد من النصب كمقبرة الشهداء في "نجها" و"المزرعة" في "السويداء" وساحة السيوف في "جرمانا".

ويذكر الإعلامي الدكتور "نضال قبلان" أن الفنان "مجيد جمول" درس الفن برغبةٍ فأبدع واستطاع أن يفرض ثقافته المحلية بفنه لينقله إلى العالم الأجنبي، أقام للشهداء نصباً في نجها والمزرعة بالسويداء وجرمانا، وعبر في كل منها عن مرحلة تاريخية تحمل النضال الوطني، هو من بيت تاريخي مشبع بالوطنية لذا فإن الشهادة أخذت منه حيزاً كبيراً لتصبح ثقافة وعلاقة بينه وبينها، ولهذا عبر عنها بأعماله النحتية، إضافة إلى أعمال التجريد الذي تبرز فيها ثقافته الفكرية.

وبيّن شقيق الفنان الأستاذ "عادل جمول" قائلاً: أخي عاشق حقيقي للفن لأنه جزء من حياته اليومية مذ كان صغيراً وهو في مراحله الأولى، وأذكر أن جدتي كان تصرخ في وجهه لرمي الحجارة واللقى إلى خارج المنزل والتي كان يملأ المنزل بها ويعتبرها أحجاراً أثرية ليصنع منها تماثيل وألعاباً لنفسه، وقد شجعه أساتذته وقدموا له الهدايا في دراسته كالأقلام والألوان ومستلزمات الرسم وهو في الابتدائية، درس في "وارسو" وقدم مشروع تخرجه حول مدينة القنيطرة فنقل روحه الوطنية إلى الغرب بطريقة فنية وأوصل رسالته للعالم وقضيتنا المركزي باستعادة الجولان العربي وما قام به العدو الصهيوني من همجية، معبراً عن أسلوب العدو العنصري بالأعمال الفنية التي شارك بها في المعارض.

الأستاذ عادل جمول شقيق الفنان

موقع eSuweda التقى الفنان "مجيد جمول" بتاريخ 8/7/2008 وأجرى معه الحوار التالي:

  • ما واقع وتاريخ حركة الفن التشكيلي من منظور مجيد جمول؟
  • من أعماله ساحة السيوف بجرمانا

    ** تعود بدايات الحركة التشكيلية في سورية بملامحها المعاصرة إلى بدايات القرن العشرين وانحسار الاستعمار العثماني ودخول الاستعمار الأوروبي، خلال المرحلة العثمانية اقتصرت الفنون البصرية في سورية على الزخرفة والتزيين لكل ما هو استعمالي نفعي من أدوات وأثاث واستمرار للفنون الإسلامية التي ابتعدت عن التشخيص والمقصود فيه رسم الأشكال الإنسانية والحيوانية، وبعد دخول الثقافة الأوروبية مع الاستعمار الأوربي بدأت تظهر صيغة التعبير الفني من خلال لوحة المسند /المحمولة/ وبعض الأشكال النحتية التي صورت الشخصيات.

    وظهرت بعض الأسماء التي مارست الفنون في أوروبا أو بالاشتراك مع الأوروبيين، والمعماريين من الأوائل الذين مارسوا هذه الفنون، وبدأت تنتشر بندرة وصعوبة ممارسة هذه الفنون من خلال التعليم الفني في المدارس، وبعد الاستقلال تم إيفاد عدد من الموهوبين إلى إيطاليا وعادوا إلى تدريس في المدارس السورية، وهؤلاء كانوا رواداً ومؤسسين أكاديمياً ولهم دور كبير في شق الطريق أمام الفنون التشكيلية في سورية، وجاء تأسيس وزارة الثقافة أثناء قيام الوحدة 1958 ليعزز دور الفنون التشكيلية وقد أسست كلية الفنون الجميلة بدمشق في السبعينيات كما تأسست مراكز الفنون التشكيلية التابعة لوزارة الثقافة ومن هنا بدأت أفواج الموهوبين تتلمذ وتتخرج لترفد الحركة الفنية بأسماء أصبحت فيما بعد كبيرة في تاريخ الفن السوري، ولا شك أن فترة السبعينيات والثمانينيات كانت من أهم الفترات في انتقال الفن التشكيلي من مرحلة الهواية إلى مرحلة الاحتراف حيث نشطت الحركة التشكيلية نشاطاً بارزاً أصبحت أهم مفاصل الثقافة في بلدنا وظهرت صالات العرض الخاصة حتى بدأنا نقرأ عن افتتاح عدة معارض فنية في اليوم الواحد وبالتالي تعززت المفاهيم والرؤى البحثية في الفن التشكيلي، حيث تشكلت تجارب متميزة بملامحها، والآن للفن التشكيلي السوري شخصية متميزة واضحة في الحركة التشكيلية العربية وأعمال الفنانين السوريين منتشرة في العديد من المتاحف الفن الحديث في الوطن العربي والعالم، وضمن مجموعات أهم مقتني الفن في أوروبا وأميركا، وقد بلغت أسعار أعمالهم الفنية مبالغ عالية.

    الفنان مجيد جمول

  • إلى أي شيء تعزو ذلك ولمن الفضل برأيك؟.
  • ** يعود الفضل في هذا التطور إلى الظروف الثقافية التي عاشتها سورية والجهود الفردية للفنانين ولما يتميزون به من موهبة ومن جدية وطموح، وبقيت الإنجازات المحلية تقتصر على دور هؤلاء الفنانين بينما لم تستطع المؤسسات أن تحقق ما هو مطلوب وما ينسجم مع هذا الحضور الفني التشكيلي إذ توقف مشروع بناء متحف الفني الحديث وهو إنجاز هام ليكون مرآة ساطعة براقة يعكس تطور الفن التشكيلي ومرجعاً لتعميم تذوق الجمالي لدى المواطنين خاصة أن نقابة الفنون التشكيلية أو الاتحاد التشكيلي اليوم لم ينجز مكاسب مادياً حقيقية للفنان كما أنجزته نقابة الفنانين مثل التقاعد والضمان الصحي والاجتماعي، ومتطلبات الحركة التشكيلية السورية.

  • أنت الفنان المصمم مشهد ساحة السيوف بجرمانا ونصب الشهداء في نجها ونصب المزرعة بالسويداء وجميعها عن الشهادة إضافة إلى مدلولها التاريخي، ما هدفك؟
  • ** الفنان كالإناء ينضح بما فيه، أنا نشأت نشأة سياسية وأنا من مواليد النكبة ووالدي مهتم بالأمور الوطنية، عشت الوحدة والانفصال وثورة الثامن آذار وما حملته الأحداث، فترسخ لدي الهم العام وطغى على الهموم الفردية والشخصية فكان كل ما يجول في ذهني أو خاطري ووجداني مرتبطاً بهذه المسائل العامة الوطنية والقومية ومن هنا كانت توجهاتي في التعبير عن هذه القضايا التي شكلت هاجسي الخاص، فحتى أثناء تدريبي في مركز الفنون التشكيلي بعمر 15 سنة تطرقت إلى مسائل ذات البعد العام، وفي دراستي الأكاديمية بوارسو، كان مشروع تخرجي يجسد أبعاد كفاحنا ضد الاحتلال الصهيوني الذي تمثل بشكل واضح هدم مدينة "القنيطرة" حيث وضعت مشروع التخرج عنها مقترحاً أن تحول المدينة إلى متحف دائم كما هي (مهدمة) لتبقى شاهداً على همجية العدو الإسرائيلي، واقترحت نصباً تذكارياً يمثل انبعاث الأمة العربية من هذا الرماد مستلهماً على أسطورة طائر الفينيق الذي ينبعث من رماده.

    وعندما عدت إلى بلدي بعد الدراسة شاركت في مسابقات لتخليد الشهداء وفاز تصميمي لتخليد الشهداء المقام حالياً في نجها وذلك عام 1979، ثم تصاميم لنصب أخرى أهمها: نصب الشهداء في ساحة الشهداء بجرمانا عام/2002/، وإعادة صياغة نصب شهداء المزرعة عام 1997، فموضوع الشهادة والوطنية هي من المواضيع الأثيرة لدي التي تحفزني دائماً لمعالجتها حتى إن الهم الاجتماعي والعام يظهر في أعمالي الذاتية والشخصية التجريدية التي أجسد من خلالها معاناة الفرد وانكساراته الداخلية وأشجانه وتطلعه وسعيه للنهوض والانبعاث من جديد.

  • ما المدرسة الفنية التي تنتمي إليها؟
  • ** يمكن القول بأنني أنتمي كلياً إلى المدرسة التجريدية التعبيرية لأني وجدت فيها الباب العريض الذي من خلاله أنقل وأجسد وجهة نظري الفنية والفكرية وأنا ذهني تجريدي رياضي إلى حدٍ ما وانفعالي حماسي، وأنظر إلى الأمور بمنظار فلسفي كلي شمولي عام دون الخوض في جزئياتها بل أبحث عن مفاهيم عامة مثلاً قضية التضحية، التغلب على الصعوبات، مسألة البطولة، الأمومة، وهي مسائل عامة وليس قضية صعبة الأم والطفل أو بطل محدد وهذه المسائل الفكرية تحتاج إلى الأسلوب في التعبير غير مشخص غير فردي فلسفي فكري مجرد، يبقى الهامش الذاتي هو في حرارة التعبير من المسائل العامة فيما تحمله وانفعال وحرارة ودراما داخلية وهذا هو الجانب التعبيري الذي يتعلق بالتجريد ويشكل معه ثنائية التجريد التعبيري.

  • هل استطعت أن تنقل ثقافتك المحلية إلى الخارج، وكيف؟
  • ** بشكلٍ عام قد لا يتقصد الفنان الخصوصية أو المحلية القصرية، أو بشكل قصري لكنها تبرز وتظهر رغم أنفه، وهذا أمر جيد فالمحلية للفنان ميزة ناجمة بشكل كبير عن انتمائه وثقافته ومفاهيم مجتمعه، والتأكيد عليها أثناء المقارنة أو المقاربة مع فنانين المجتمعات الأخرى هي ميزة تلتقي بقيمة العمل الفني كثيراً ما سمعت من زملائي من ثقافات أخرى أثناء الملتقيات الدولية أن هذه الأعمال لها نكهة أخرى ترتبط ببلدي وحضارتي وتاريخي، ولأنني من بلدٍ ذي حضارة منتشرة ومعروفة في العالم لدى الأوساط المهتمة بالفنون التشكيلية أكثر مما هي معروفة لدى غير أبناء بلدنا فقد كنت ألمس لدى الآخرين قراءتهم لأعمالي من منظور معرفتهم بتراثنا النحتي العريق، وكانوا دائماً يشيرون إلى ذلك من خلال حواراتنا الفنية.

    * كلمة أخيرة تحب إضافتها؟

    ** الفنان الجاد المنتمي هو مفكر وليس مجرد تقني، والفن يحمل فلسفة وفكراً إضافة إلى المهارة والمعايير الجمالية وهو واعٍ لما يقوم به ولدوره ويبحث بشكل جدي في تاريخه وموروثه يستنبط منه ويستلهم ما يناسب شخصيته ورؤيته، ويحاول أن يصيغها برؤية حديثة عصرية تحاكي أو تحاور منجزات الفن العالمي في هذا العصر، وبداياتي كانت واقعية تعبيرية (تشخيصية) ثم وجدت في الخط العربي مادة غنية ثرة لتشكيلات فنية استلهمها وبدأت أنسج على بنيانها وكان أن وصلت إلى التجريد التعبيري مؤكداً في أعمالي حركة (حياة) الحجم في الفضاء.