عندما تدخل محراب الفن، دع فلسفاتك على الباب، فالفنان التشكيلي شأنه شأن الشاعر، الموسيقي والمسرحي.. فيلسوف ذاته يعلق محفوظاته وينساها، عندما يكون عالمه عالما يريده فريدا، وحده يمنحه هويته، ويرسم له إيقاع وجوده عندما يرفعه.

لوحاتي هي استعادة لتراكمات من الذكريات التي تنشأ عن الأحاسيس والمشاهدات اليومية، إنها حوار بين اليد وقماش اللوحة، بين التسليم للعمل والسيطرة عليه.

في هذه الأجواء الطقوسية التي تستحضر الماضي، تذوب حدود المكان والزمان مفسحة المجال لظهور الصور القديمة، بغلالتها الشفيفة على سطح الذاكرة، وشيئا فشيئا تحتشد وتتراقص بل وتفيض.

مهرجان الألوان:

في لوحاته المعروضة في صالة "ألفا" للفنون التشكيلية تجذب الانتباه تلك المفتوحة نصف انفتاحة، كأنها تدعونا إلى الدخول في عوالمها الباذخة، ولكنه ليس الدخول السريع، وإنما الدخول الحالم المتأمل. ندخل فتقع أبصارنا على كرنفال لوني هائل، لعلها ألوان الماضي والمستقبل، وقد أصبحت تشع وتتقد في لحظة التأمل والتذكر.

في لحظة التذكر تلك تنسرب العين إلى الداخل الحميم، ليس فقط من أجل أن تستجليه وتحاوره، ولكن لتتحصن به ضد ما يتهددها من أخطار، لكنها بكل ما فيها من حميمية وأشواق، تعود بك إلى البدايات.

لهذا السبب فقد ركزت اللوحات في موضوعاتها على مكنونات الداخل، في حين انتقلت موجودات الخارج لتؤلف شيئا من ذلك النسيج الداخلي، ولتتغلغل في ثنايا المشهد، وتمنح موجوداته حرية السباحة والتحليق.

فثمة بيوت لها ملامح الأجساد، وأجساد تآلفت في ما بينها لتأخذ شكل البيوت. ترى من يقيم في الآخر الشخص أم المكان؟!

الفنان "أكرم حمزة" الذي التقيناه في المعرض يوم الثلاثاء 24/6/2008 قال: أعمال الفنان "فرزان شرف"، هي تجربته الأولى في العرض، تشكل مفاجأة تشكيلية نظرا لطبيعة التجربة من جهة، ورقيها التشكيلي من جهة أخرى.

فمن ناحية التقنية، يعتمد على فرش اللوحة باللون الأسود على كامل جسد العمل، ثم يبدأ بوضع الألوان على الأسود الجاف، معتمدا تأثيرات اللون الدسم وعلى مساحات محددة مسبقا مع ترك فراغات ضمن اللون أو مساحات صامتة من الخلفية السوداء، ويوزع هذه الألوان التي تحدد ضمن مساحات ليشكل بها أشكالا هندسية أو لمسات انفعالية عريضة يمتزج بها أكثر من لون.

وأحيانا يختار الأبيض أقرب إلى الغرافيك "الحفر".

يداعب العناصر المنتقاة بعناية ليفرشها على مسطحات السواد فيضيء بألوان حارة أو يجعل ألوانه ضبابية في برودات يفرضها على الأمكنة.

اللوحة عند رؤية تصوفية يتم بها ذلك التألق– الصراع ما بين الفراغ والعناصر المشغولة ضمن إطار العمل والتي تتكامل مع إيحاءات وجه غرافيكي أو سمكة أو طير.

فالعناصر تشكل وشائج تتلاحم ضمن فضائها الخاص، المعرض إجمالا هو رؤية وحدة الصراع والتكامل بين الأبيض والأسود، الحار والبارد، الفراغ والامتلاء، حتى عندا يعتمد التشخيص المحدد لوجه ما فالتنفيذ يأتي متلاحما مع مضمون اللوحة تشكيليا، أي حجم العنصر ضمن الفراغ، ملمس السطح أو العنصر، خفة اللون أو ثقله كثافته أو رقته.

فإذا هي إشارات ومفاتيح لقراءة عالم "فرزان" الفني، المتعدد والمفاجئ أيضا، علىالرغم من تجربته البكرية التي لا نشاهدها ضمن أي نسيج فني محلي أو عربي أو عالمي مع وجود بعض التقاطعات التي لم تؤثر على رؤية التجربة تشكيليا كحالة بدائية وجديدة ضمن الفن السوري، والذي يؤكد هويته الشخصية المميزة، عالم غني بلعبه ومفرداته وغني بكوابيسه وأحلامه.