«تلمس من الفنان صنعة الإبداع بعلاقة تبادلية بينه وبين فنه بطريقة تحمل الطابع الصوفي الانعتاقي، وذلك حين تجتاحه عاصفة الصفاء النفسي والانعزال الحركي الخارجي، ليعيش بين الحركة والفعل بتجسيد الإبداع الجمالي المادي بمجسمات فنية، ليحمل العمل البعد الفكري والإنساني والاجتماعي».

هذا ما عبرت عنه الفنانة التشكيلية سحر صالح القنطار بأعمالها الفنية ومعرضها الدائم في منزلها الذي يحكي قصصاً شعبية تراثية.

ويذكر السيد "سعيد جابر"- أحد زوار المعرض- أن الفن التشكيلي يعد واحداً من الفنون الإنسانية الذي يستطيع الفنان فيه التعبير عن مكنونات ذاته وهواجسه الفكرية المكتسبة من البيئة المحيطة به، إضافة إلى أحاسيسه وعواطفه الجياشة التي نبعت من روحانيته الخاصة.

ويقول الفنان "معن دوارة": الفنانة سحر القنطار وقفت حياتها على أمرين اثنين: أولهما خدمة والديها الأم والأب والأخ المقعد، وثانيهما عشقها اللامحدود للفن وصنعتها الفنية، ولهذا استحقت الاحترام الكبير من مجتمعها وقد تكون قد حققت جانباً من رغبتها الجامحة في ما تصبو إليه من هدف فني راق، إذ ما يميز عملها الهدوء في العمل فهي لا تعمل من مبدأ القوالب بل هي تبتكر الطريقة الخاصة بها، وقد تكون تلك الصفة أكسبتها مصداقية وشفافية في قيمة العمل الإبداعي الذي تقوم به وسخرت الزمان والمكان في خدمة فنها بإيقاع موسيقي يحمل طبيعة التراث العربي الأصيل.

موقع eSuweda حاور الفنانة سحر صالح القنطار (10/6/2008) في معرضها الدائم بمنزلها:

  • كيف ولدت الموهبة لديك ومتى؟...
  • ** الموهبة ولدت منذ الصغر وكنت أشعر بها، إنها مصدر قلق كبير لي، أي إنها كامنه في أعماق نفسي، لكنني اتجهت نحو الفن التشكيلي لإحساسي بأنه الوحيد الذي يختلج في مخيلتي وعن طريقه سوف أنقل المآثر الاجتماعية والبيئية التي تربيت عليها، لأنها منظومة تاريخية تحمل التراث والموروث التاريخي المشرف لأمتي وهي الوعاء التي تحتضن التاريخ وتحقق التواصل بين الماضي والحاضر، ولهذا أصبح لدي علاقة حب واحترام بيني وبين الفن التشكيلي واستمرت إلى الوقت الحالي وإن شاء الله أكون وفية لرسالتي الفنية.

    معن دوارة

  • قلت انه أصبح بينك وبين الفن علاقة حب ومودة فسّري لنا ذلك أكثر من أين جاءت تلك العلاقة؟
  • ** لقد جاءت تلك العلاقة لاستكمال ما قمت بصنعه من مجسمات تعبر عن الحالة الواقعية الاجتماعية المحلية وهي نابعة من بيئتي المحلية والثقافية للموروث الشعبي المتوافر في محافظتي السويداء وبأشكال متعددة لأن الفن رسالة إنسانية تؤدى من خلال التجارب والحالات الفنية الإبداعية التي يعيشها الفنان مستمداً مقوماتها الأساسية من بيئته، مع اعتقادي أن الموهبة الفن لا تأتي اكتساباً بل ثروة باطنية في أعماق النفس وهي تظهر شيئاً فشيئاً كلما أتيح المناخ المؤاتي والفرصة الملائمة لها.

  • نفهم من ذلك إن موهبتك لم تكن عن الدراسة بل موهبة إبداعية تعيش في داخلك من الصغر؟..
  • ** نعم لقد حصلت على الشهادة الثانوية ودرست لسنة واحدة في جامعة دمشق فرع التربية وعلم النفس والظروف حالت دون أن أكمل تعليمي، ولكن تابعت في صناعة الألعاب والتحف التراثية التي كانت لي المتنفس الوحيد لثورة كامنة في داخلي ما استطعت التعبير عنها سوى بتلك المجسمات، ولكن عزائي الوحيد أن أعمالي قد دخلت منازل كثيرة داخل بلدي وخارجها حتى وصلت للسياح الأجانب والجالية العربية الموجودة في المغترب، والكثيرون عبروا عن طبيعة التحف بأنها كانت العامل في ذكرى الحنين للأهل والوطن الحبيب، خاصة بعد الإقبال على شراء واقتناء تلك المجسمات، مما شجعني حقاً للاستمرار بها بشتى الوسائل ولها دلالات ورموز بين الشعوب.

  • ما متطلبات مجسماتك الفنية؟...
  • ** تتطلب اللوحة المجسمة لدي أكثر من (7) ابتكارات فنية وعناصر نحت، وتحتاج عبارة عن نشاء وغراء ومزج عجينة تم تشكيلها وتكوينها وتصميمها بطرق خاصة، وبعد إدخال موضوعات اجتماعية وقضايا هادفة ومواقف إنسانية مترافقة مع أجهزة كهربائية وأضواء ورسم وتخطيط معالم عديدة كالوجه والتبرج بألوان الإكسسوارات أي مكملات جمالية ومتممات وممتلكات أي أثاث البيت العربي مثل: الكاز- البابور- الجرة- الطبق- المنخل- الكارة- الصاج- المرقّة (التي ترقق العجين)- الشوبك- الدست- المنقل- الدلة..الخ، كما تتضمن تصميم أزياء الشعبية من كافة المحافظات السورية تعرف بتراثها وترصيعها بالمذهبات والمواد التزينية، واستعنت في البداية بمصممة للشعر والتجميل لإحضار خصل الشعر المقصوصة وبعدما أقوم بتشكيلها حسب الموديل، وفي داخل أو مرافق لكل تحفة تراثية شعبية أغاني منسجمة مع الحركة وفق طبيعة العمل والوضعية المطلوبة للدمية لأنها ليست جامدة في عملي بل أدخلت عليها أجهزة الكترونية وميكانيكية للقيام بحركات مختلفة للمجسمات مثل: الرجل الذي يعزف على الربابة، والمرأة التي تخبز، والصبية التي تعزف، وشاربة المتة... بالإضافة إلى خلق نوع من اللحمة الوطنية، كأن تقف شابة بزي من السويداء وشابة بزي من القامشلي أو محافظة أخرى تحملان سلة عنب، الوقفة تمثل روح التآلف والتآزر بينهما والشعور المشترك والتواصل الاجتماعي وسلة العنب التي ترمز للكرم وطيب النفس، كل ذلك دون استخدام أي أداة آلية في العمل ودون أي نوع من أنواع القوالب بل تقنية اليد فقط.

  • ما الذي يقلق الفنانة سحر؟...
  • ** أعيش في قلق مع رسالتي الفنية إيزاء ما سوف أقدم من أعمال جديدة ترضي، لأن الفن هو لغة العالم الموحد وعامل مساعد للسلام ونشره من خلال دوره الإنساني والوجداني والثقافي والتاريخي والدلالة الواضحة عن عراقة الحاضر وأصالة الماضي بما يحملان من رائحة زكية لوطني الحبيب، وقلقي أيضاً ينبع من الحالة الراهنة في المشهد الثقافي الفني والوضع المترهل الذي وصل إليه.

  • من خلال زيارتنا للمعرض الدائم في منزلك لاحظت مجسماً للمتصوفة "رابعة العدوية"، ما علاقتك بها؟...
  • ** صحيح، ملاحظتك في مكانها، إن حالة العزلة الذاتية التي عشتها مع نفسي كانت سبباً في ولادة شرارة نورانية روحانية إنسانية كانت تفعل فعلها في داخلي، ربما لم أكن أشعر بها، لكنها كانت العامل الأول في عملية الإبداع الفني، ولذا قمت بتجسيد تلك الحالة من خلال عملي في مجسّم للمتصوفة "رابعة العدوية" التي قالت:

    أحبك حبين حب الهوى/ وحب لأنك أهلٌ لذاك

    تلك الروحانية جعلتني أبتعد عن الحركة الاجتماعية وألتزم بالإيقاع الذاتي مع ملهمات الفن الذي أعشق.

    * كلمة تحبين إضافتها؟..

    ** أخيراً أقدم الشكر لكم مع باقة حب معطرة إلى أهلنا في الجولان الحبيب وفلسطين الجريحة والعراق المكلوم، متمنية ان تشهد الساحة الثقافية العربية مزيداً من الإبداع والمبدعين.