33 سنة مرت على رحيل الموسيقار فريد الاطرش، ولايزال حاضرا في الوجدان العربي بألحانه وصوته الذي، على رغم حزنه، زرع الفرح في نفوس الملايين.

ففي 26 كانون الاول عام 1974، انقطعت اوتار عوده، وسكت شدو البلابل في صوته. في صباح ذلك اليوم الشتوي، صحت بيروت تنعى الموسيقار الكبير الذي احبته كما احبها .

ومثلما كانت حياة فريد ملأى بالالحان كذلك كانت ملأى بالحكايات. حكايات بدأت تنسج خيوطها الاولى في سورية، ثم اكتملت في لبنان ومصر. فقد كان قلب فريد طائرا يرف بجناحيه متنقلا بين وادي النيل وقمة صنين وروابي الفيحاء.

ولادة فريد كانت في بلدة القريا قرب مدينة السويداء. وشطر من حياته عاشه في لبنان، بعد ما انتقلت اسرته اليها بحكم انتقال عمل والده. وكان يمكن لفريد ان يشب ويصبح فنانا في لبنان، لكن الظروف دفعت والدته الاميرة علياء المنذر الى ان تهرب بأولادها فؤاد وفريد وآمال (اسمهان) الى مصر. بعد تلقيها اخباراً ان الفرنسيين يودون احتجازها وأولادها كرهائن كي يضمنوا عدم قتل الثوار لجنودهم.

وما بين مصر ولبنان وسورية، كانت لفريد حكايات كثيرة. بعد ان اصبح فنانا مرموقا لم تنقطع صلته ببلده سورية، من خلال الزيارات واقامة الحفلات. ومن حفلاته المشهورة حفلة ملعب العباسيين في دمشق في مطلع السبعينيات من القرن المنصرم. واثناء الحفلة نفذت الطائرات الاسرائيلية غارة على مطار المزة، ووصلت اصوات الانفجارات الى الملعب. فوقف فريد بكل رباطة جأش وخاطب الجمهور قائلا:

(الجبان من يهرب والشجاع من يبقى ونحن سنبقى هنا، وسنغني حتى الصباح) ونزل الناس من المدرجات الى ارض الملعب وافترشوا الارض متابعين الحفلة.

آثر فريد الموت على المسرح وعلى ارض الشام، على الهرب والاختباء. وهذه واحدة من زياراته الكثيرة لسورية.

وكان لفريد مع لبنان حكايات ايضا. كيف لا وهو عشقه الكبير؟ واولى هذه الحكايات كانت في بداية عهد الرئيس جمال عبد الناصر حين زار الرئيس اللبناني كميل شمعون مصر، فقبل بدء الزيارة بايام جاء انور السادات (كان وقتها وزيراً للارشاد) الى فريد واخبره بانه لمناسبة هذه الزيارة، ستقام حفلة فنية في سينما قصر النيل، وطلب منه ان يلحن الاغنية. وعلى الفور ذهب فريد الى بيرم التونسي واخذ منه النص ولحن فريد الاغنية واجرى عليها البروفات مع الفرقة الموسيقية، وقدمها في الحفلة الفنية. وما ان انتهى فريد من اداء وصلته الغنائية حتى صعد الرئيس كميل شمعون الى المسرح وصافحه، ومنحه بعدها وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الممتازة.

وعندما كان فريد يتعرض الى مضايقات او انزعاجات في مصر، كان يجد في لبنان ملاذه الآمن. وخلالها لعب دور البطولة في فيلم (الحب الكبير) مع فاتن حمامة. وقدم في الفيلم اغنيتين من كلمات الشاعر الغنائي اللبناني ميشيل طعمه وهما (تأمر ع الراس والعين و ع بالي) وأرسل الرئيس عبد الناصر يطلب منه العودة إلى القاهرة، ومنحه وشاح النيل، وأقاموا له حفلة قدم فيها أغنية (سنة وسنتين).

وتكرر الأمر في السنة الأخيرة من حياة فريد، وتعرض لمضايقات جديدة في مصر، فلم يجد غير لبنان ملاذاً له مرة أخرى، وأثناء إقامته تلك قدم (نغم في حياتي) آخر أفلامه السينمائية مع ميرفت أمين وحسين فهمي، وفي أواخر عام 1974 قدم حفلة غنائية كانت آخر حفلاته على المسرح قبل رحيله، غنى فيها (زمان يا حب) و(يا حبايبي يا غايبين).

وفي تلك الحفلة كان التعب بادياً على فريد واضطرت الفرقة الموسيقية إلى إعادة الفواصل الموسيقية أكثر من مرة لإعطائه فرصة للراحة.

وبعد الحفلة نقل إلى مستشفى الحايك في بيروت.

لكن حالته الصحية تدهورت فجأة ولم يتمكن من مشاهدة فيلمه الأخير (نغم في حياتي) فوافته المنية في بيروت في 26 كانون الأول، وقامت بيروت ولم تقعد اثر هذا الخبر، وأجري له فيها تشييع كبير ثم نقل جثمانه إلى القاهرة ليدفن إلى جانب شقيقته أسمهان تلبية لوصيته.