يقتنع "أدهم عز الدين" ابن بلدة "المزرعة" أن الحياة لا تبخل بفضلها على من خط طريقه بيديه، مجسداً نموذجاً للنجاح بإتقان مهارات تصنيع الخشبيات في ورشةٍ صمّمَ معداتها بيديه، وجعلها ملبيةً لحاجته في إنتاج قطع فنية من خشب الزان لاقت طريقها إلى الخارج خلال فترة زمنية قصيرة.

"عز الدين" الذي عاهد نفسه ألا ينحت غصناً مقطوعة من شجرة طبّق أعماله على الزان المستورد، وهو من أتقن الرسم وسار مع هوايته الفنية في الفن التشكيلي منذ الصغر منتقلاً باتجاه النحت والتعامل مع الخشب، مادته الطبيعية التي يمكن للفن أن يعيدها للحياة لتبقى بألوانها الحقيقية، مكتسبة جمال الحرفة، صنّع منها قطعاً تصلح للاستخدام وأيضا للزينة متجاوزاً مصاعب كثيرة بصبر أثمر خيراً بورشته المنزلية ومنتجات وشمها بشعارٍ من تصميمه، سافرَتْ إلى ألمانيا ودول الخليج وقلوب من عشقوا الخشبيات وسحرها.

حالياً نعتمد على التسويق الخارجي ورغم ارتفاع أجور الشحن، لكن نحاول بأقصى طاقتنا لدراسة السعر بما يكفل استمرار التسويق ووصول قطعتنا إلى من يرغب باقتنائها

من أول قطعة

يخبرُ "عز الدين" مدوّنة وطن عن بداية الرحلة ويقول: «منذ الطفولة كانت العطل الصيفية وقتاً جيداً للعمل تعودت استغلاله بزيارة النجارين... كانت مرافقتهم تفرحني، فمنذ كنت طفلاً في الصف الخامس، وأنا أراقب تعاملهم مع الخشب، وأتعلم وألعب بقطع صغيرة، كانت كافية لأعرف الكثير عن روح المادة وخطوطها، وطريقة نحتها المناسبة، فهذه المادة تحتاج للكثير من الدراية والمعرفة لنتمكن من استثمارها بما يكرس جمالها».

أدهم عز الدين في ورشته التي صمم معداتها

ويضيف: «كان لتكرار التجربة أثرٌ كبيرٌ في تعلم تفاصيل الحرفة، كيف تتحول بقايا الخشب إلى ألعاب على شكل سيارات ومضارب تنس وطيارات لدرجة أني أصبحت أبيع هذه الألعاب، لم أنسَ أول قطعة بعتها على شكل سيارة صغيرة بخمس وعشرين ليرة، تركت أثراً طيباً جعلني أضيفها لحصالتي كطفل وأضيف للموهبة خبرةً تطورت وساعدتني في الحصول على عمل أعتزّ به».

لا سقف للحلم

الألعاب الصغيرة حفزته ومتابعة العمل جعلته يتلمس مرونة المادة، وعدم جمودها مثل المعدن أو الحجر وبرغم قلة الإمكانيات حافظ على أحلامه، وكما قال: «لا سقف للحلم ولا حواجز تمنعه سوى الكسل».

باقة من أعمال أدهم عز الدين

ويضيف : «كانت مشاهدتي لمقطع فيديو بسيط عن شخص يحول قطعةً من الحطب إلى كأس، ملهِمةً لي لبداية رحلتي مع خراطة الأخشاب... بدأت بالبحث والتخطيط لأعزز هوايتي، ووضعت مخططاً للمشروع والحصول على الآلات اللازمة للعمل، كانت مخرطة الخشب غير متوفرة بالبلد وإذا وجدت فإن تكلفتها كانت كبيرة، فقررت تصنيعها بناء على خبرة اكتسبتها بأعمال الحدادة والكهرباء، بفعل أعمال حرة مارستها... حصلت على الحديد وقطعته بالمقاسات المطلوبة وقمت باللحام لتشكيل الهيكل الكامل للمخرطة، لأصمم المحرك لماكينة بسيطة تؤدي العمل المطلوب بتكلفة أقل بكثير من شراء القطع الجاهزة، كذلك صنعت الأزاميل الخاصة بالخراطة من مواد أولية لعدم توفرها، لأنها كانت غالية الثمن في حال توفّرها».

تطوير التجربة

التجارب أكدت جاهزية الماكينة ومع عرض أولي لقطعٍ من الشمعدانات وما يسمى بمنطقتنا عدة المتة والصواني وتحف مختلفة لاقت استحسان من اشتراها. بدأت تَردهُ -كما يقول- طلبياتٌ جديدة استدعت السرعة بالعمل وتكرار نُسخٍ من القطعة الواحدة ما فرض تطوير الآلة، لتنتج عدداً من النسخ المطابقة والمتساوية، وبالفعل تم تطوير المخرطة، وصمم "عز الدين" نظام نسخ متطوراً عن الأنظمة التقليدية وبشكل ميكانيكي يدوي بسيط.

الصحفي طلعت الحسين

ليس ذلك فحسب يعمل الفنان التشكيلي على تحديث جديد يسمى نظام النقش والحفر الثلاثي الأبعاد للقطعة، وإخراج القطعة من حالة الدوران إلى حالة النقش والزخرفة المتكاملة.

ويضيف: «يغريني العمل الفني دائماً بعيداً عن الشكل التقليدي، خاصة بعدما قمت به لنقل التصميم الخشبي بالطريقة التي يعمل بها في الغرب إلى بيئتنا الشرقية التي تعتمد على كثرة الانحناءات والانسيابية محاولاً إحداث فارق بين العمل الكلاسيكي البسيط المستدير لعمل فيه روح وانحناءات معقدة».

رغم الظروف

مشروع "عز الدين" مثله مثل عدد من المشاريع الحرفية عانى أصحابها من ظروف الحصار، وصعوبات التسويق وكلف الإنتاج وغلاءٍ طالَ المادةَ الأولية، فقد اعتمد بشكل كلي على التسويق الإلكتروني من خلال شبكات التواصل وطُلِبَتْ منتجاته من كافة أنحاء سورية إلى أن حصل على فرصة لتسويق منتجاته إلى أوروبا ودول الخليج، لكن مشقات التسويق والعمل تطورت بشكل كبير هذا العام ويقول: «أولى المشاكل مشكلة انقطاع الكهرباء لفترات طويلة وضعف الجهد بالتيار، ما اضطررنا للإقفال لفترات متقطعة خلال الشتاء، وطالبنا باستثناء المنشآت ونوع من الدعم لنتمكن من الاستمرار خاصة مع نقص الوقود، يضاف إلى ذلك عدم ضبط أسعار الخشب، والمواد الأولية التي رتبت على الزبون أسعاراً غالية أثرت في التسويق فقد ارتفع سعر القطعة ثلاثة أضعاف».

ويضيف: «حالياً نعتمد على التسويق الخارجي ورغم ارتفاع أجور الشحن، لكن نحاول بأقصى طاقتنا لدراسة السعر بما يكفل استمرار التسويق ووصول قطعتنا إلى من يرغب باقتنائها».

أعمال راقية

من أعماله اقتنى الصحفي "طلعت الحسين" الذي وصفها بأنها نوع من الأعمال الفنية الراقية، من حيث الفكرة والحرفية العالية، ولا يَستغرِبُ أنها لاقت طريقها إلى الخارج تبعاً لجودتها وقال: «تابعت "أدهم" في كل خطوات تأسيس ورشته بإمكانيات بسيطة، ومحدودة مادياً، لكن يبدو أنه اتّكأَ على حلمه ليحقق على أرض الواقع ما أراد، "أدهم" فنان ومتقن لعمله وبفضل ما صمم من معدات استطاع بوساطتها تجسيد أفكاره وإيصال رسالة ارتباطه بالمادة التي يقدمها بجمال ورقة وفي حال حصوله على دعم أتوقع أنَّ أمامه مشاريعَ كبيرةً وناجحة».

بقي أن نذكر أن "أدهم كمال عز الدين" من مواليد 1981 قام بإعالة أسرته بعد وفاة والده وعمره ست سنوات يعرف أن الحياة كفاح وعمل لبلوغ النجاح، ومن خلال هذه الورشة اتخذ خطواتٍ ناجحةً، ويثابر للوصول للأفضل بكل ما امتلك من خبرة فنية، ومهارة لدرجة أنه حتى بعد نجاح الورشة بقي قادراً على تصميم أدواته وتحديثها بجهد ذاتي وبما ينسجم مع رؤيته الفنية والحرفية.