تميّز بحث الموسيقي "همّام هلال" الذي حمل عنوان: "الموسيقا علاج"، لنيل الإجازة بكلية الصيدلة من جامعة "دمشق"، بالعمق والتفرد لأنه حاول الإحاطة بكل ما يخص هذا العلم المعروف عالمياً من دون استثمار سوري حقيقي، يمكن أن يساهم كعلاج قرين مرافق للطب في التخفيف من حدة الأمراض التي يتعرض لها الأفراد في الحروب والأزمات والحياة العادية.

مدونة وطن "eSyria" التقت الطالب "همّام وسيم هلال" بتاريخ 21 حزيران 2018 ليتحدث عن فكرة المشروع، فقال: «لكل موسيقي أو فنان رسالة يحملها بفنّه ويقدمها للجمهور، والموسيقا بحد ذاتها من أقدم لغات العالم التي استمدها البشر من محيطهم وبيئتهم، فحاكوها بأصواتهم وقلدوها بطبيعتها الحيّة. وعلى مرّ العصور لعبت الموسيقا دوراً في التعبير عن ذوات الناس، فتطورت بمضمونها الفكري حتى حملت رسائل الإنسانية وقيمها وملامح عصورِها، وانعكاسات نفوس أجيالها من مشاعر وعواطف وغايات. أمّا مع تقدّم العلوم الطبية، فقد استطاع الإنسان دراسة التأثير الفيزيولوجي للموسيقا بالأجساد، بصفتها لغة عصبيّة تحاكي الأدمغة، وذلك بدافع تفسير أسباب حبهم وتعلقهم بها؛ وهو ما أبرز دورها علميّاً بقدرتها على التأثير والعلاج».

البحث العلمي مهمة يحملها الباحث بمصداقية ودقّة واستقصاء موسع للمعلومة، وذلك لتضمين الفكرة المطروقة وإيفاء حقها الكامل، وهذا ما اعتمده البحث بمحاوره ذات المرجعية العلمية لمراجع منشورة ومصدّقة وموثقة من مواقع طبية عالمية ومجلات علمية، وذلك بإشراف الأستاذ الدّكتور "مجد الجمالي"

وعن أهم مراجعه المستخدمة ومهمته في إثبات ما جاء به، يقول: «البحث العلمي مهمة يحملها الباحث بمصداقية ودقّة واستقصاء موسع للمعلومة، وذلك لتضمين الفكرة المطروقة وإيفاء حقها الكامل، وهذا ما اعتمده البحث بمحاوره ذات المرجعية العلمية لمراجع منشورة ومصدّقة وموثقة من مواقع طبية عالمية ومجلات علمية، وذلك بإشراف الأستاذ الدّكتور "مجد الجمالي"».

مشروع التخرج

وعن اختياره لهذا البحث وطرحه للعنوان، وما أراد أن يوصله من خلاله، قال: «العنوان جاء هكذا بقصد إثارة التساؤل والتعجب في ذهن المتلقي، ثم تقديم الإثباتات العلمية كإجابة. أما بالنسبة لمهمتي في البحث، فهي لم تكن بهدف إضافة جديدة في هذا العلم أو الحديث عنه بصفة معالجاً بالموسيقا، إنّما شخصية تؤمن بالموسيقا وتحمل رسالتها وتصدِّق العلم وتدرس الصيدلة أُمّ العلوم الحياتية التطبيقية الكيميائية العلاجية، جعلت من هذه المهمة هدفاً إضافياً لرسالَتِي في كلا المجالين، وبالتحديد فيما يتعلق بدوري كموسيقي؛ وهو تقديم البراهين الموثّقة بدراسات سريرية عالمية عن تأثير الموسيقا علاجيّاً».

وعن تاريخ هذا العلم ومحتوى بحثه، أضاف: «منذ العصور القديمة، مروراً بجميع حضارات العالم، استخدمت الموسيقا كأداة للعلاج، وهذا تجلى بأساليب مختلفة تبعاً لكل عصر، فارتبطت بالطقوس الدينية والروحية والطقوس اليومية، بوصفها مصدراً للراحة والسّكينة، حتى تمّ في منتصف القرن العشرين توثيق العلاج بالموسيقا كمهنة رعاية صحية منضبطة، وهذا كان لأثرها الواضح الجليّ في تقديم المساعدة والتخفيف عن جرحى و محاربي ومتضرري "الحرب العالمية الثانية"؛ وهو ما أدى إلى توثيقها كمهنة رعاية في العديد من الجمعيات الطبية في العالم، وأولها الجمعية الأميركية للمعالجة بالموسيقا.

المشروع تناول محاور عديدة أبرزت دور الموسيقا في المعالجة، فقد تناولت في فصل كامل دراسات سريرية عالمية من بلدان مختلفة تربط بين الموسيقا والعديد من الأمراض، وآلية تأثيرها في كل حالة، كما أبرزت في فصول أخرى العلاقة الموسيقية البشريّة دماغيّاً من منظور علم الأعصاب، ووراثيّاً من منظور علم الجينات، وفي آخر علاقتها مع الأم الحامل والجنين في المدة المحيطة بالولادة وما بعدها، والكثير بعد.

وبالحديث عن الموسيقا كعلاج هناك ضرورة لمناقشة الآثار الجانبية باعتبارها لا تنفكّ كأثرٍ لكل دواء ومعالجة، وهذا ما جاء بإضاءة تناولت فيها بفصل أخير الآثار الجانبية للموسيقا، ومحتوى بعضها كالمخدرات الرقمية والسمعية لهذا العصر، والإدمان اللا مادي الذي تندرج تحته العادات الإدمانية السمعية».

وعن ردود الفعل التي لاقتها مناقشة المشروع وطرحه من قبل المتابعين للبحث ومحكميه، فأجاب: «الطرح لاقى شعبيّة ممتازة بنظري وبنظر الحضور الذي تابع مناقشة المشروع وكذلك المحكّمين وأيضاً المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فقد أثار الجدل والتساؤلات، وهذا مؤشر إيجابي لِوقع هذا العنوان. ففي غضون ما نتعرض له من حرب بشريّة، وتلوث سمعي عربي واضح بمستوى فنّي دون المطلوب، من الصّعب تفعيل دورها، لكن تبقى المحاولات حتى لو كانت فرديّة، وما تلقاه من إقبال عام، خيوط أمل محفّزة لتفعيل دور هذا العلاج في واقعنا».

وعن السبب الذي دفع "همام" لتناول هذا البحث والنتائج الأهم لهذا العلم اليوم، أجاب: «البحث إضاءة علميّة وتأكيد دور الموسيقا علاجياً، وهذا يعزز شأن رسالة أي موسيقي في أي مكان، ويؤكد أهميتها، فالموسيقا واحدة من أدوات تحسين نمط الحياة إلى جانب الرياضة والحمية الغذائية الصحّية، وهذا ما تناولته الدراسات الأخيرة التي أبرزت دورها الإيجابي في تحسين نمط الحياة، وذلك بقدرتها على تخفيف التوتر، وإعادة تأهيل النفوس، وتحسين الذاكرة، والقدرة التعليمية. كما أنها أداةٌ راقية خلّاقة لشبكات تواصل اجتماعيّ وُصفت بكونها مناعة ثقافيّة، ونحن في ظلِّ ظروف حياتنا اليومية وما نعانيه من توتر وقلق وضغوط؛ فإننا بحاجة إلى جرعة من الموسيقا.

وأخيراً تفعيل دور الطب الموسيقيّ -دراسة الأثر الموسيقي فيزيولوجيّاً- ودور الموسيقا الحقيقية التي تحاكي المستوى العلاجي وتقوم بدورها الفاعل، وهو ما يؤهب لممارسة العلاج بالموسيقا، ويؤيد تأسيس جمعية للمعالجة بالموسيقا التي سبق أن استخدمها العرب القدماء كـ"الفارابي" وكتابه الشهير "الكبير في الموسيقا"، وهذه الأخيرة تقع على عاتق الموسيقيين والمختصين والجمهور المتلقّي».

الأستاذ الدكتور "مجد الجمالي" المشرف على المشروع، قال: «العلاج بالموسيقا ليس أمرا مستجداً، فلا شك أن للموسيقا أثراً جلياً في تغيير وتحسين المزاج والميل للنشوة، الأمر الذي يحتاج إليه المرضى بكثرة، ويمثل دعماً نفسياً كالذي تقدمه لهم العديد من الأدوية الطبية والعلاجات النفسية الأخرى، حيث تمثل الحالة النفسية الإيجابية دعماً لأداء جملة المناعة ووظائف الجسم المختلفة. ونرى أن العديد من المشافي والفنادق الملحقة بها تطرح قنوات استماع أو تلفزة تتضمن نوعاً من الموسيقا الهادئة التي تخفض من القلق الناتج عادة لدى المرضى ومرافقيهم.

وفي هذا الصدد أجرى الطالب "همام هلال" بحثاً مرجعياً بعنوان "الموسيقا علاج"، لخص من خلاله المحاولات الجادة من قبل الباحثين لاستخدام الموسيقا كعلاج داعم للعلاج الطبي التقليدي. ووجد العديد من الدراسات التي أبرزت أثراً علاجياً واضحاً للموسيقا في شفاء الأمراض، مثل الأمراض العصبية والذهان وداء باركنسون والتوحد، وحالات أخرى كالحمل، مع التركيز على أنواع الموسيقا التي لها مثل هذا التأثير العلاجي. إضافة إلى ذلك، فقد سلط البحث الضوء على ارتباط بعض الجينات بتقبّل وتذوق الموسيقا؛ وهو ما يفسر اختلاف الذوق الموسيقي لدى الأفراد.

وخلص البحث إلى ضرورة الاهتمام بالموسيقا كأحد التدابير العلاجية الممكنة للعديد من الأمراض، سواء بمفردها أو مع العلاجات الطبية التقليدية».

يذكر أن الموسيقي "همام هلال" من مواليد "السويداء"، عام 1996.