مع تموجات البحر وتفاصيل لونية عالج الفنان "ناصر ثابت" حالة إنسانية، يتلمسها السوري في تفاصيل الحرب والرحيل، يوثقها بثقافة العارف للواقع وحلم قادم مع باقات ورد بلا أصيص.

تدرجات لونية كانت نتاج مخبره الخاص، الذي مزج فيه دراسته للعلوم الطبيعية والفيزياء والكيمياء والجغرافية، لتكون مكملة لموهبته الفنية التي قدمت له الكثير في مجال التدريس، وغذاها لترتقي مع ثقافته، وتكون وسيلته لإبداع فني جميل حققه بهدوء، وعلى رتم ينسجم مع طموحه لمعرفة أكثر، وتعبير أجمل.

لرسائل الروح ما يفيض بحديث أعتمد فيه على عين وذكاء قارئ اللوحة الذي أحترمه، بالبحث عن الإجادة والتميز وخلق نوافذ التواصل، ولكي أصل إلى هذه المرحلة فقد اشتغلت على التقنية، وبقيت قرابة عام ونصف العام أقرأ صور البحر وتموجاته وألوانه وتحركاته، وفي مخبري كان للكيمياء التي درست حضورها، لأبحث عن باقة لونية تتمكن من خلق مسارات العبور إلى روح المتابع، وانتقاء اللون الصحيح الذي يتوافق مع موضوعي، ليكون قادراً على خلق دائرة حوار بين ألواني وفكر المتلقي، وأتصور أنها غاية الجهد المبذول لتقديم عمل فني جميل

من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 1 أيار 2018، أخبرنا بعض التفاصيل عن تجربته، وقال: «درست العلوم الطبيعية، وتفاعلت مع تجربة طويلة نسبياً في التدريس أحببتها، وحاولت البحث عن كل ما يدعم الإجادة ويحقق لي راحة ذاتية في تقديم المعلومة للطلاب بمهارة كان فيها الفن منتجاً وثرياً، حيث استخدمت موهبتي الفنية في نقل المعلومة بالخط واللون والرسم التفصيلي، لأستثمر رحلتي مع الفن الذي حرصت أن يكون موهبة أعدّها المصدر الغني لروحي، لكنها في ذات الوقت موهبة لم تتجاوز هذه الحدود التي رسمتها، لأحقق مشروع العمل والدراسة والاختبار.

من أعمال الفنان ناصر ثابت

هذه الموهبة كانت دافعاً قوياً لقراءة الجمال في روح الإنسان في المحيط وتكوين صوراً أغنت ذاكرتي، حيث مزجت بين العلوم الطبيعية والفيزياء كقوانين ملزمة، والكيمياء بتفاعلاتها، والجغرافية التي درستها في مرحلة لاحقة، والمعلوماتية التي سخرت لي طريق التقنية والتكنولوجيا؛ لأنني كنت أول مدرّس للمعلوماتية على مستوى المحافظة، تابعت مسيراً هادئاً على خطى اللون والتجربة، التي كانت بعد مجموعة من المشاركات الجماعية أولى مراحلها معرضي الأول، الذي قدمت من خلاله تجربتي مع الألوان المائية كأول معرض فردي لي في المحافظة عام 2001، تبعته مجموعة معارض بين "دمشق" و"درعا" و"القنيطرة" و"معارض" عالمية في "السويد" و"فنلندة" و"هولاندا"».

في رؤيته للفن القادر على إيصال الرسالة الإنسانية برهافة لحن طائر ورقة الريشة، يحدثنا عن مجموعته الأخيرة التي حملت عنوان: "للذين غابوا في البحر"، ويقول: «هي حالة عاصفة من المشاعر التي يمر بها الإنسان بين الخوف والحزن والفرح، وجدت في البحر ممثلاً لها بعد قراءته العميقة، وأنا البعيد جغرافياً عن المكان، لكن بالنسبة لي فإن الإنسان يحيا بمشاعره وقدرته على الإحساس والتعبير عنه بما امتلك من أدوات.

الفنانة ماجدة زهر الدين

هنا في حالة البحر الذي كان موضوعي وقدمته خلال معرضي الأخير بما يعنيه صمته وعمقه وجماله ورعبه وتلاقيه مع حالات الإنسان من الجمال والحزن، وغيرها مع المشاعر والصراعات التي يعيشها الإنسان السوري على وجه التحديد في هذه المرحلة، وكيف بقي جميلاً يتعثر بناحية ويجيد بأخرى، يحزن على فراق، ويستعد للقاء.

حالات إنسانية أردت التعبير عنها وإيصالها؛ التي مفادها أن كل من عبر هذا البحر وغرق أو وصل إلى اليابسة هاجر أم عاد، أم بقي متأملاً أمواجاً ترتطم بالصخور، هم جزء من ذاكرتنا، ولهم أثر في الحضور والغياب، وأنا كفنان معني بهم وبمشاعرهم، والتواصل معهم برسائل تؤكد تجذرهم فينا وتعلقنا بهم».

من أعماله وتجربة اللوحة الثلاثية

تقنية اللون الناتجة عن مختبر يعرفنا بها بالقول: «لرسائل الروح ما يفيض بحديث أعتمد فيه على عين وذكاء قارئ اللوحة الذي أحترمه، بالبحث عن الإجادة والتميز وخلق نوافذ التواصل، ولكي أصل إلى هذه المرحلة فقد اشتغلت على التقنية، وبقيت قرابة عام ونصف العام أقرأ صور البحر وتموجاته وألوانه وتحركاته، وفي مخبري كان للكيمياء التي درست حضورها، لأبحث عن باقة لونية تتمكن من خلق مسارات العبور إلى روح المتابع، وانتقاء اللون الصحيح الذي يتوافق مع موضوعي، ليكون قادراً على خلق دائرة حوار بين ألواني وفكر المتلقي، وأتصور أنها غاية الجهد المبذول لتقديم عمل فني جميل».

حرية الفنان تجربة تستحق أن تعاش في تقديم أفكار ذاتية خارج حدود التقليد موردها الأول ثقافته، كما أضاف: «لا تنفصل الحالة الثقافية عن أي منتج إنساني، وارتقاء الحالة المعرفية وتطورها لا بد أن يكون له آثار في امتلاك الفنان وسائل أكبر للتعبير بحرية خارج حدود الحالة التقليدية؛ ففي معالجتي للبحر وحالات الغضب والحزن التي حرصت على تقديمها لطيفة غير منفرة لعين المتلقي، وبحث في البعد الإنساني، والرسم لحالة جمال كلي لا يمكن أن يتجزأ، هنا حاولت اقتفاء تجارب الروح الإنسانية التي أسردها في القصة القصيرة التي كتبت ومشروعي الأدبي القادم المرافق لشغفي باللون والفن بأنواعه، التي لا تشغلني عن الإعداد لمشروع فني قادم يكلل ما سبق في بحث المائيات والزيتي، لأتناول الورد خارج الافتتان الجمالي والتذوق الشكلي لألوانه وحالة تجميعه في أصص وباقات مقيدة.

تناولت قصصه وحالة الحياة التي ينثرها بعفوية سردية الحياة والحياة ضمن أنظتمها الفيزيائية التي تفرض تفتح البذرة مع اكتمال الظروف المناسبة، وحوارات لقراءات الروح لهذه الورود لعلنا نفك بعض رموزها».

عندما تناول اللوحة الثلاثية كان مجدداً بالطرح وعندما رسم البحر شاركه الحب والمشاعر، كما حدثتنا الفنانة "ماجدة زهر الدين"، وهي متخصصة في مجال التربية الفنية، وقالت: «تجربة فنية غنية يقدمها الفنان "ناصر ثابت" وفقاً لمعالجة غير تقليدية، من حيث الفكرة والتقنية، فمع البحر عرض لحالة التلاقي والتشاركية بين مشاعر الإنسان وحالات البحر، ليبوح اللون برسائل من عبروا اليم بآمال، منها ما تكسر مع أمواجه وما طال اليابسة ورحل، وحالات عايشناها بصور إنسانية جارحة، هو ابتعد عن التقليد وقدم بالرمز رسائل لكل الذين غابوا، أننا لن ننساكم، وسيبقى للحديث وللشوق إليكم بقية على أمل العودة، لنرسم معاً بعض حياة وبعض أمل.

وبالتقنية قدم تجربة اللوحة الثلاثية التي يصلح أن يكون فيها كل جزء لوحة، وبتكامل الأجزاء ينقل رسالته، مع تجربة هذا الفنان لنلامس روح الفنان الحقيقي المثقف والقادر على استنطاق اللون، لينقل من الرسائل ما يعالج قضايا المجتمع وهمومه وحالاته المختلفة».

ما يجدر ذكره، أن الفنان "ناصر ثابت" من مواليد "السويداء" عام 1969، خريج كلية العلوم الطبيعية وكلية الجغرافية جامعة "دمشق"، وأول مدرس للمعلوماتية في مدينة "السويداء" كرم عدة مرات على تميزه، كاتب للقصة القصيرة، حيث نال جائزة "المزرعة" للقصة القصيرة عام 2004، قدم عدداً من المعارض الفردية داخل "سورية" وخارجها، آخرها "للذين غابوا في البحر".