اختار الأدب فسحة للروح وعطاء للكلمة الصادقة التي لا تحجزها قسوة الحياة وصعوبات عبرت في حياة القاص والشاعر "هاني زريفة"، وعَبر منها إلى الحياة.

وإذا كانت صعوبات صحية رافقته منذ الطفولة حملته أعباء إضافية في الحركة والتنقل، فإن الإرادة كانت أكبر ليكمل مشواره الأكاديمي والحياتي، ويسير في خطوط متقطعة تارة، ومتصلة تارة على مسار الأدب والقصة التي ناجته أفكارها ليخطها على أوراق أيامه ذكريات وقصصاً، وبصمات أعادها بأجمل الحلل على مسامع القراء، وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، كما تحدث من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 24 آذار 2018، وقال: «من ذكريات الطفولة والحياة القروية التي أعيشها تفاصيل لم تسرق جمالها قسوة الحياة، وما واجهني من صعوبات حفرت عميقاً في الروح، لكنها لم تقعدني وتضعف عشقي للحياة.

"هاني زريفة" متميز بالعمل، تحدى ذاته وصعوبات كبيرة ليسير على طريق النجاح، له بصمة مميزة، دقيق ومتفانٍ لا يتأخر عن البحث والمتابعة، التي لم ينشغل عنها بما يحيط بنا من تفاصيل سطحية على مستوى المجتمع، واهتم بنشاطه الفكري وموهبته الأدبية التي انقطع عنها في مراحل مختلفة، لكنه تابع ليعيد لقلمه الحياة ويخلق من قصصه ظاهرة على صفحات التواصل جذبت إليه جمهوراً كبيراً من القراء والمهتمين. عزز نشاطه الأدبي من خلال صفحات الانترنت، وبالفعل قدم نتاجاً مميزاً، يضاف إلى تجاربه السابقة في القصة القصيرة الساخرة، التي لمع بها وقدم منها ما يستحق أن ينشر للقراء، ومما يؤثر في نفسي أنه على الرغم من جودة نتاجه الأدبي والاستحسان الذي لاقاه من الجمهور، بقيت مساحات الطباعة والنشر بعيدة، وما أتمناه أن تتوفر الفرصة لتكون هذه المجموعات بمتناول القراء كإصدارات تتبناها دور النشر، وليس فقط على صفحات التواصل الاجتماعي

فقد كنت باحثاً عن عمل في مرحلة باكرة لا تتجاوز سنواتي الأربع عشرة بقليل، لأشق طريقي وأحصل على لقمة عيش كريمة، تكفل استقراري مع والدتي وأختي، فعملت في محل أدوات كهربائية، وفي مرحلة لاحقة كانت ليرات قليلة مقابل عملي في الجباية بداية متعبة بالفعل، وفقاً لظرفي الصحي؛ لأنني عانيت من ضمور الأطراف منذ الطفولة.

الكاتب هاني زريفة

وبعد سنوات هيأت الظروف فرصة التعيين والحصول على وظيفة دائمة في بلدية قريتي "قنوات"، لأكمل طريق العمل والدراسة. حصلت على الشهادة الثانوية، وسجلت في قسم اللغة العربية وفق رغبتي وحلم رافقني، تبعاً لعلاقتي مع الأدب وفنون اللغة العربية وجمالياتها، وهنا بدأت رحلة جديدة فيها من الإرهاق والجهد ما دفعني إلى كتابة أكثر واقعية ودقة، إلى خواطر وقصص عايشت الكثير منها وثبتها على أوراقي، كما بقيت في روحي مصدر لحكايات عالجتها، وكتبتها على الورق.

بدايتها من قصص ساخرة لم أتقصد روايتها، لكنها خرجت من فيض الحياة وتفاصيل حقيقية، وجعلتني أتعرف إلى طاقة مكنتني من التعبير بحالة أشعر بأنها غير تقليدية وصادقة، تأكيداً لثقتي بأن الحياة دائماً تخلق طاقات نتفاعل معها، وتخلق منا أشخاصاً جدد، هذه التجربة هيأتني للكتابة، لأسخر لها دراستي وموهبتي، وكل ما أغنيت به الذاكرة من مفردات وأفكار أهلت قصصي لتكون محط اهتمام قراء كثر».

الصحفي حسن كشور

فيما خص النشر وصعوباته التي جعلته أقرب إلى وسائل التواصل الاجتماعي، يضيف: «قد تتوفر الإمكانيات المادية لكاتب أو كاتبة للحجز في أفخم الفنادق والتفرغ للكتابة، لكن بالنسبة لي، فإن إضاءة الهاتف المحمول كانت وسيلة مساعدة لأكتب في غرفة باردة في الظروف التي مرت خلال الأعوام الفائتة من نقص المحروقات، خاصة في قرانا الباردة، هذه الظروف حفزتني أكثر على الكتابة والتفكير واستثمار الكثير مما قرأته في علم النفس وفهم الشخصية، طالعت لأجلها إصدارات كثيرة ومتخصصة، وكانت مادة خام جعلتها محور لأفكار وأحداث اجتماعية أضافت الكثير إلى كتاباتي التي أجمعها اليوم، وليس لدي وسيلة لعرضها إلا من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، فالطباعة مكلفة بالنسبة لشخص مثلي اعتمد على جهده الخاص ووظيفته ليؤسس لحياة مستقرة.

مع العلم بأن خطوتي بطيئة في بداية هذه التجربة والنشر عبر شبكة الإنترنت، لكن مع بداية النشر راقبت الصدى وردود فعل المتابعين، فكانت محفزة للاستمرار، حيث تردني تعليقات خلقت حالة من التفاعل محورها القصص القصيرة، وهي نتاجي الذي شغلت عنه قليلاً بفعل فروض الحياة وبناء المنزل وظروف مختلفة، لكن تبقى القصة، وبوجه أساسي الساخرة، أولى اهتماماتي وقد كرمت من قبل مجموعة كبيرة من الملتقيات عبر هذه الشبكة، من أهمها مسابقة "شعراء الأبجدية"، وكانت مسابقة أدبية درست فيها القصص دراسة محايدة، ونالت قصتي الجائزة الأولى، إلى جانب مجموعة من الجوائز أعتز بها، مثل: "رجل العام"، والدكتوراه الفخرية من قبل المجلس الأعلى الفسطيني.

ومن خلال مجموعتين قصصيتين نشرتهما عبر شبكة الإنترنت بدأت التحضير والبحث عن فرصة للنشر، وتعمقت تجربتي الشعرية بالشعر العمودي والتفعيلة والشعر الشعبي، لكنني لا أسمي نفسي شاعراً؛ لأن القصة تأخذني أكثر إلى عالم الأدب، وأجد فيها مفاتيح للحديث والوصف والتبحر، هذه التجربة أعدّها رفيقة مشوار الحياة، وحملت نقاط علام واضحة لطريق أشقه بصبر وتعب، أبعدته عن مفازات الوجع؛ فحق الحياة علينا أن نعمل ونكد وأن لا ندخر من العطاء شيئاً، لنرسم في نهاية الرحلة إن سارت بنا الأيام كما نتمنى نجاحاً وحالة من الرضا، وإن اختلفت الأقدار ومالت زواياها، نعزي الروح أننا قدمنا ما استطعنا ولم نبخل، وإذا كان لدي حلم كبير لنيل شهادة الدكتوراه، الذي توقف بفعل ظروف كثيرة، فإن السعي إلى العلم لم يتوقف، وستبقى رفقتي للكتاب عنواناً كبيراً».

تابعه في العمل ولمس إخلاصه وتفانيه إلى جانب نتاجه الأدبي الذي جذب كثر لمتابعته والاستفادة من أفكاره، كما حدثنا الصحفي "حسن كشور": «"هاني زريفة" متميز بالعمل، تحدى ذاته وصعوبات كبيرة ليسير على طريق النجاح، له بصمة مميزة، دقيق ومتفانٍ لا يتأخر عن البحث والمتابعة، التي لم ينشغل عنها بما يحيط بنا من تفاصيل سطحية على مستوى المجتمع، واهتم بنشاطه الفكري وموهبته الأدبية التي انقطع عنها في مراحل مختلفة، لكنه تابع ليعيد لقلمه الحياة ويخلق من قصصه ظاهرة على صفحات التواصل جذبت إليه جمهوراً كبيراً من القراء والمهتمين.

عزز نشاطه الأدبي من خلال صفحات الانترنت، وبالفعل قدم نتاجاً مميزاً، يضاف إلى تجاربه السابقة في القصة القصيرة الساخرة، التي لمع بها وقدم منها ما يستحق أن ينشر للقراء، ومما يؤثر في نفسي أنه على الرغم من جودة نتاجه الأدبي والاستحسان الذي لاقاه من الجمهور، بقيت مساحات الطباعة والنشر بعيدة، وما أتمناه أن تتوفر الفرصة لتكون هذه المجموعات بمتناول القراء كإصدارات تتبناها دور النشر، وليس فقط على صفحات التواصل الاجتماعي».

ومن أشعاره نص "نور وغار":

"وبي شوقٌ إلى الفيحاء يقتلني...

ولي وعدٌ من الشَّهباء يحييني

فهذي خفقةُ الأشواقِ في كبدي...

وتلك الوجدُ جمرٌ في شراييني

ولي في الرَّقةِ شدوٌ حبا طرباً...

وموَّالٌ سخيُّ الدَّمعِ يُشجيني

ولي في الدَّيرِ –فوق الجسرِ–

بسمتُها... وملحُ الدَّيرِ فوق الجرحِ يكويني

وفي طرطوسَ مجذافٌ وأشرعةٌ...

كلفحِ الشَّوقِ تُقصيني وتُدنيني

وفي القامشلي أودعتُ الهوى وَجِلاً...

وفي حورانَ أحلامٌ تمنيني

بلادٌ قدْ حباها اللهُ مكرمةً...

وصاغَ خلقَها في حسنٍ وتكوينِ

فطافِ النُّورُ في أرجائها حقباً...

وتاهَ المجدُ في غارِ وشربينِ"».

ما يجدر ذكره، أن الكاتب "هاني زريفة" من مواليد قرية "قنوات"، عام 1960، خريج جامعة "دمشق"، قسم اللغة العربية عام 2001، من أشهر قصصه الساخرة: "السروال الأثري"، و"نقود وجيوب". نال الجائزة الأولى لمسابقة "الإعاقة إبداع" على قصة "عيناها والنور الأخضر"، التي نظمتها الجمعية السورية للمعوقين "آمال"، ولجنة اتحاد الكتاب العرب، وعدد كبير من جوائز وشهادات التقدير من ملتقيات وجمعيات أهمها على شبكة التواصل الاجتماعي.