تحدّت المهندسة "هند عبد الدين" الوجوه برسمها، حيث تزرع فيها الحياة المفعمة بالموسيقا الغنية بالمشاعر، لتقدم تجربة قصيرة الزمن غنية المعنى، متجاوزة قواعد العرض والفن التقليدية.

سارت على طريق الهندسة المعمارية مصافحة الفن الذي كان خلف هذا الخيار، ببحث واصطفاء لما يؤسس لحضورها، الذي تجهد لرسمه وفق رؤاها الخاصة التي ترغب أن تتركها طليقة في البحث عن روح الجمال في الصورة والفكرة، كما أخبرت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 آذار 2018، وقالت: «لم تنقضِ سنوات الطفولة من دون لقاء حميم مع اللون والريشة، وتجارب كنت أضع فيها تفاصيل أولية للوجه والأشخاص والطبيعة. وبقيت خطواتي على مسار الفن بسيطة وهادئة، حتى أنجزت دراستي، وتخرجت في كلية الهندسة المعمارية، بعد أن اشتغلت على مشروع كان أحد أحلامي، وهو إحياء الحي الفرنسي في مدينتي "السويداء"، وحقق نجاحاً، وكان المشروع الثاني على مستوى دفعتي.

سيطرت الألوان المائية على أعمالي، لكن تجربة "الأكرليك" كانت وحيدة في تلك المرحلة، لكن أضفت إليها بعض الحروفية، وقد كانت تجربة ناجحة، نلت عليها جائزة مجلة "أسامينا" التونسية، ولم تكن مجرد جائزة؛ كانت خطوة جديدة توثق ارتباطي بالفن، وتدفعني لاختبارات جديدة ومقاربات بين اللون المائي والرصاص، وأيضاً في دائرة الوجوه، ومنها ما أحفظه على شكل "اسكتشات" ورقية، ومنها ما أنجزه أعمالاً أعدها للعرض

في هذا المشروع عملت على تفاصيل فنية حاولت توثيقها، وبعد التخرج حاولت تطويرها، لأنتقل من "الماكيت" المجسم لتجربة رسم "البورتريه". بقيت الوجوه تجربتي التي أخوضها يومياً، فالوجوه تعبير سريع وواضح لما تختزنه أرواحنا ليتقاطع مع حركاتنا التعبيرية، فرحنا، حزننا، وانسياقنا خلف حلم ونظرات حادة وانقباضات. في هذه الصفحة الحية لا داعي للبحث، يكفي لنظرة أن تنير روحك وتعلمك ما يجب أن يوثق بالخطوط واللون».

المهندسة هند عبد الدين

وتضيف: «كان التحدي الأول بالنسبة لي هذه الوجوه، وكيفية إجادة الحوار معها، واستقاء مضمونها وأفكارها بكل ما فيها من غموض أو سطحية. وبالفعل تابعت التجربة، ومع تدريب قصير من قبل الفنان "نبيه بلان" طورت أدواتي، وخاصة الألوان الزيتية، وتدربت على المقاسات، وأكملت من بعدها بمفردي ما كنت باشرته في هذا العمل الذي يعني لي الكثير. هذه الوجوه رصيدي ورسائلي التي نفذتها مرات بالرسم، وإضافة قصاصات الورق والصحف وأوراق الورود، وتعاملت معها بالألوان المائية التي شعرت بأنها الأقرب إلى موضوعي.

مع أن التعامل مع الألوان المائية لا يخلو من الصعوبة وعدم القدرة على التصحيح كما في الزيتية، لكن يبدو أنه خيار سيرافقني مدة طويلة. هذه الألوان مكنتني من التعبير، وبها عالجت الوجوه بواقعية، ومارست حرية التعبير.

الفنان نبيه بلان

لا يعنيني كثيراً الانتماء إلى طريقة أو تقليد، الرسم بالنسبة لي تعبير ذاتي التفاصيل والأسلوب، فما الجدوى في إتقان أسلوب أو مذهب فني يغرقنا في التقليد؟ الأجدى من وجهة نظري أن تنتمي أعمالي إلى روحي وتشبهني، تتكلم عني بكل التفاصيل؛ وهذا هدفي».

تجربة أولى في "الأكرليك" نالت عليها جائزة، وأضافت بالقول: «سيطرت الألوان المائية على أعمالي، لكن تجربة "الأكرليك" كانت وحيدة في تلك المرحلة، لكن أضفت إليها بعض الحروفية، وقد كانت تجربة ناجحة، نلت عليها جائزة مجلة "أسامينا" التونسية، ولم تكن مجرد جائزة؛ كانت خطوة جديدة توثق ارتباطي بالفن، وتدفعني لاختبارات جديدة ومقاربات بين اللون المائي والرصاص، وأيضاً في دائرة الوجوه، ومنها ما أحفظه على شكل "اسكتشات" ورقية، ومنها ما أنجزه أعمالاً أعدها للعرض».

من أعمالها

انتقت أسلوبها الخاص لتقديم أعمالها، حيث عرفت به قائلة: «لا أنكر هنا أهمية العرض من خلال المعارض الفردية والجماعية، لكن قد تكون طاقة الشباب والسعي للتعريف بما لدينا بطرائق مختلفة دفعتني للخروج من الأطر المعتادة، وفي حالة تشبه المصادفة اقترحت على إدارة أحد المقاهي إضافة عمل فني لإكمال الديكور، ولاقت الفكرة الاستحسان. بعدها قدم لي مطعم "عنب" عرضاً نتشارك به في نشر العمل الفني ليقدموا لي مكاناً شبه دائم للعرض، وأقدم ما يقارب سبعة أعمال في أركان مختلفة، وفي كل مرحلة أضيف أعمالاً وأبدل أخرى، إلى جانب عروض جديدة من صالات أخرى، والموضوع قيد الحوار. ويبدو أن الفكرة تتطور، فالعروض تتسع باستمرار، ولمست أثرها لدى مرتادي هذه الأمكنة».

في ألوانها موسيقا وشفافية تظهر نظرتها الخاصة، كما حدثنا الفنان "نبيه بلان"، وقال: «عرفتها متدربة خلال مدة قصيرة، لديها بدايات ورؤية جميلة، ولمست ما لديها من طاقة للمضي مع مشروعها الفني، ولكون المدة قصيرة حققت بها ما نعدّه إنجازاً جيداً، لكنها تحتاج إلى الرعاية، فالموهبة واضحة وأتوقع أن تقدم أداء أفضل، وأكثر انتشاراً في المراحل القادمة ليتكامل مع نجاحها الهندسي.

أتابع أعمالها وما تنجزه، وكيف تتعاطى مع الوجوه بطريقة تؤكد فيها الذاتية والحالة المتفردة، التي ميزتها بخلق موسيقا خاصة للعمل يمكن للروح أن تلتقطها، وتتمكن بدرجات جيدة من الإيصال والتعبير عن مشاعرها بألوان شفافة، وهي قادرة على جذب الناظر كي يعطي للعمل وقته، ويقرأ ما أرادت طرحه. وبالنسبة لي، فإن متابعة هذا الجيل من الشباب ومحاولتهم لتقديم تجاربهم، تؤكد أن الفن ما رافق روحاً إلا زادها جمالاً ورقة، وهذا شأن "هند"، وكثيرون من الشباب الذين أسعد بهم، وبالتلاقي معهم والتعرف إلى مواهبهم المميزة».

ما يجدر ذكره، أن "هند عبد الدين" من مواليد "السويداء" عام 1990، تخرجت في جامعة "دمشق"، كلية الهندسة المعمارية عام 2014، وحصلت على جائزة مجلة "أسامينا" التونسية عام 2016، وأطلقت مع شركاء لها مشروعاً خاصاً في مجال تصميم الإعلان والديكور؛ وفق برامج هندسية وفنية ومتطورة.