في الوقت الذي يقف خريج المعهد عند حدود الوظيفة تفوقت "رشا اشتي" على دفعتها، ونالت شهادة في الهندسة الغذائية، ومنها بدأت رحلة البحث العلمي في "ألمانيا"، لتكون باحثة في أكبر جامعاتها.

بعد سنوات من العمل والدارسة والاغتراب في بلد أجنبي تحدد "رشا" خياراتها العلمية، وتجزم أن خاتمة الرحلة ستكون في "سورية" وطنها، ليكون مصب دراساتها وأبحاثها العلمية، مستفيدة من خبرات علمية توفرت لها في "ألمانيا"، وتنجز أبحاثاً في علوم النانو ميزتها وأعطت لمسيرتها زخماً جديداً، عن رحلتها وخيارات الاغتراب تحدثت عبر مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 شباط 2018، وقالت: «شغلني حلم دراسة الهندسة الغذائية، واقتنعت أنها طريقي في المستقبل، لكن معدلي في الشهادة الثانوية خيب آمالي، وبدأت فكرة الاغتراب تسيطر على تفكيري، ونظراً لأن هذا التخصص كان شغفي لسنوات طويلة -ومازال- كان خيار إعادة امتحان الشهادة الثانوية أمراً حتمياً. لكن قبل أن أتخذ هذا القرار فكرت ملياً بوجود احتمال آخر متاح يمكنني من تحقيق طموحي. وفعلاً قررت من دون تردد الانتساب إلى معهد الصناعات الغذائية في "دمشق" بهدف ثابت وهو التفوق، لأكون الأولى في المعهد على دفعتي، وأحصل على فرصة المتابعة في فرع الهندسة الغذائية في الجامعة؛ وهذا ما حصل. وفي الأيام الأولى لي في كلية الهندسة الغذائية في "حمص" اتخذت قراراً مشابهاً لحلمي الأول، تمثل بالحصول على المرتبة الأولى بين الخريجين، واستحقاق صفة معيد في الكلية للحصول على فرصة الإيفاد إلى "ألمانيا" تحديداً للمتابعة والتعمق في هذا التخصص الشيق والواسع، والاستفادة من الخبرات الألمانية في هذا المجال.

في البداية كان التحدي الأكبر هو الاندماج في مجتمع جديد مختلف كلياً بثقافته وأنظمته، والواقع الاجتماعي، وفي الوقت نفسه المحافظة على المبادئ والتقاليد التي نشأت عليها في بلدي وفي كنف عائلتي. ونظراً لأن الستة أشهر الأولى كانت مخصصة لتعلم اللغة الألمانية؛ كانت الفرصة متاحة للتعرف إلى ثقافات أخرى عديدة من خلال الطلاب الأجانب الآخرين الزملاء في معهد اللغة. هذا الأمر قدم لي خبرة كبيرة وصقل شخصيتي بوضوح، فيما يخص تقبل هذا الكمّ الكبير من الثقافات والأشخاص، وانتقاء كل ما هو إيجابي وفاعل في تنمية شخصيتي باستمرار، إضافة إلى تحمل المسؤولية في كل خطوة كي أكون بحجم الثقة المعطاة لي، ويمكنني القول إنني فخورة بما أصبحت عليه بفضل هذه التجربة

كانت سنوات شاقة من العمل كللت بالنجاح، لتكون لي فرصة في العمل والمشاركة بالنهوض بخبرات بلدنا في هذا المجال على طريق التطوير المستمر، والانفتاح على أوسع المجالات في الصناعات الغذائية، فالمجال عميق، وكان عدد الخريجين محدوداً جداً، وفي الأغلب يتوقف البحث عن شهادة الهندسة، وقلة من حصلوا على الدكتوراه».

الباحثة رشا اشتي

الاغتراب لغاية التعليم رحلة فيها الكثير من المعاناة، لكنها مصنع حقيقي للشخصية القوية التي تشق طريق النجاح، كما قالت: «في البداية كان التحدي الأكبر هو الاندماج في مجتمع جديد مختلف كلياً بثقافته وأنظمته، والواقع الاجتماعي، وفي الوقت نفسه المحافظة على المبادئ والتقاليد التي نشأت عليها في بلدي وفي كنف عائلتي. ونظراً لأن الستة أشهر الأولى كانت مخصصة لتعلم اللغة الألمانية؛ كانت الفرصة متاحة للتعرف إلى ثقافات أخرى عديدة من خلال الطلاب الأجانب الآخرين الزملاء في معهد اللغة.

هذا الأمر قدم لي خبرة كبيرة وصقل شخصيتي بوضوح، فيما يخص تقبل هذا الكمّ الكبير من الثقافات والأشخاص، وانتقاء كل ما هو إيجابي وفاعل في تنمية شخصيتي باستمرار، إضافة إلى تحمل المسؤولية في كل خطوة كي أكون بحجم الثقة المعطاة لي، ويمكنني القول إنني فخورة بما أصبحت عليه بفضل هذه التجربة».

إيفا تايزمان

اتجاه التصنيع الغذائي وتحسين الجانب الغذائي للإنسان خطان حاولت خلق مؤهلات التوازي بينهما في بحوثها بتعريفها بنوعية الأبحاث التي أهلتها لنيل شهادة الدكتوراه، وقالت: «كمعيدة في جامعة "البعث"، كلية الهندسة الغذائية، استحقيت الحصول على الإيفاد في تخصص "تقانة الحلوى والشوكولا" لنيل درجة الدكتوراه؛ لذلك كنت حريصة جداً على استثمار هذه الفرصة إلى أقصى حد؛ من خلال التركيز على آخر وأحدث الدراسات والأبحاث العالمية في هذا التخصص، وإحراز نتائج ذات بصمة جلية.

وكان هدفي الأساسي الربط بين اتجاه التصنيع الغذائي من جهة، وتحسين الجانب الغذائي للإنسان من جهة أخرى؛ وهذا كان حافزاً دائماً بالنسبة لي طوال عملي على هذا البحث، الذي تكلل بحصولي على شهادة الدكتوراه في العام الماضي من جامعة "كيل" في شمال "ألمانيا".

فقد تركز الموضوع الأساسي للبحث على تطبيق تقانة "النانو" كأحد أهم وأحدث التقنيات في مجال الصناعات الغذائية، ارتكازاً على مواد طبيعية مستخدمة أساساً في تغذية الإنسان. وكانت "زبدة الكاكاو" الدهن الأساسي المستخدم في صناعة الشوكولا، محور هذا البحث، وتمكنت من تصنيع جزيئات نانوية، بحجم النانو من زبدة الكاكاو، وقمت بتحميلها بمركبات الفيتامينات ومضادات الأكسدة؛ بهدف استخدامها لاحقاً في تدعيم المواد الغذائية بما فيها الشوكولا.

هذه الجزيئات النانوية تمتلك خاصتين أساسيتين، أولهما: قدرتها العالية على حماية المركبات المحملة من تأثير عوامل التصنيع والتخزين، ومنع وتأخير عملية التأكسد، والمحافظة على القيمة الغذائية لهذه المركبات إلى أقصى حد ممكن. أما الميزة الثانية لهذه الجزيئات، فهي توصيل المركبات المحملة إلى مواقع الجسم المخصصة، مباشرة لامتصاصها والاستفادة منها كلياً. يضاف إلى ذلك، أن الجزيئات النانوية قابلة للتطبيق والدمج في أنظمة غذائية مختلفة، من دون أن تسبب أي تأثير في التركيب والخصائص الحسية للمنتجات؛ وهذا ما يعطي هذه الجزيئات أهمية صناعية وغذائية في آن واحد».

تقول "إيفا تايزمان" طالب دكتوراه في جامعة "كيل"، ومتابعة لعملها، أن صعوبة البحث الذي أنجزته الدكتورة "رشا" يتمثل في عدم توافر معلومات وافية؛ لكون التخصص حديثاً، وهي من أوائل العاملين في هذا المجال، وتضيف: «تناولت د. "اشتي" بحثاً دقيقاً في مجال التصنيع الغذائي، وقامت بمجهود كبير بالبحث والتجريب من دون أي ملل، حتى تمكنت من تصميم تجاربها وتطويرها بخبرة كبيرة وأوقات عمل طويلة ومجهدة للحصول على نتائج مهمة.

وأكبر صعوبة واجهتها كانت تكمن في عدم وجود معلومات وافية عن كيفية العمل، نظراً لحداثة التخصص؛ لذلك اعتمدت على الأساس العلمي والمعلومات الأساسية المتوافرة في المراجع العلمية المختلفة، واختارت التجربة الذاتية، وقامت بالتجريب المتواصل الذي اقتضى منها جهداً وصبراً كبيرين، وأتت النتائج التي حققتها بحجم هذا التعب، وأثبتت وجودها وكفاءتها لتضيف بحثاً قيماً في مجال علمي دقيق. نحن فخورون وسعيدون بوجودها معنا في فريق العمل في قسم تقانة الأغذية التابع لمعهد تغذية الإنسان وعلوم الأغذية في جامعة "كيل"، ونكنّ لها الاحترام، ولرغبتها في العودة إلى وطنها وتقديم خبرتها العلمية العالية».

ما يجدر ذكره، أن الدكتورة "رشا سعود اشتي" من مواليد "مصاد" في "السويداء" عام 1984، خريجة جامعة "البعث"، كلية الهندسة الغذائية عام 2007، ومعهد الصناعات الغذائية في "دمشق" عام 2003.